عبد الهادي روضي: لوحة تتعانق فيها الألوان / بقلم : هدى الخباني.

يوجد رجلُُ يدعو إلى التأمل، رجل تحبه روحي، بسيط إلى حدّ التعقيد،  يشارف الجنون حينما يسكنه عفريت الفضول والتَطفّل على أجواء الحياة، مجنون لأنه لا يقدم فروض الولاء والطاعة للتقاليد المريضة التي تُکبله وتحرمه من حقه في ممارسة كائن إنساني، طفل وشاب وعجوز في نفس الآن، لا يميز بين الأعمار، يعيش الحياة والحياة تعيشه، رجل متعدد الهوية، رجل مريض في المنفى، به علة، علة الوعي، يشفى بالكتابة ليُعيدَ بناءََ سيكولوجياََ لذاته المُرجّلة في اللاوعي، لينتمي إلى وطن فيه عدالة، الكتابة بالنسبة له حرية، حيث تكون الحرية يكون الوطن، يحمل قلقاََ وجودياََ، كلما ازداد علمه تعاظم همه، رجلُُ عاطفي عقلاني لا يفصل بين العاطفة والعقل، يحاور الآخر جسداََ، عقلاََ وروحاََ، فالإبداع هو إلغاء الفصل بين كل الأشياء، رجل لم يتخلص من البراءة الطفولية، الإنسان عنده بريء حتى تثبت إدانته، مُمانع، عندما يتمرد يجهل العواقب، شجاعته فيها نوع من الجهل، مُبدع قادر على رؤية المتناقضات، شريفة إنسانيته، عقله صادق، عقل مفكر منتج، هو الارتجاج الذي يزيح عن الآخر عفونة الفكر، الفكر الذي يُصيب الآخر بالدوخة حدّ الغثيان وتقيؤ الجراثيم التي تسكن جسده.
أعرف أنه شاعر، ليس رجلا ََهمه الوحيد الخبز اليومي وإنجاب الأطفال، بل همه أكبر من ذلك، يحمل بين جوانحه همَّ الإنسانية والعالم، رجل يبكي بحرقة الرجولة الضائعة، لو يعلم النساء أن بكاء الرجل أشد ألماََ لتوقفن عن بكائهن.
يحاور جسده بوضوح ويوغل في أسراره ويكتشف زمن خيباته وتوهجه ولا يغلق ذاكرته بعدما ترتحل في جغرافيته حينما يعيش انسجاماََ مع ذاته، لأنه لا يعيش التناقض البين بين ما يرغبه ليلاَُ وما يلفظه نهاراََ. يحمل رسالة مفعمة بأجيج الحلم واحتجاجات تندد بملء الصوت بالظلم والبؤس والفقر، تحرك الأعماق، تطلب الحياة..
يعرف كيف يخفي ألمه العميق الذي ينحفر في روحه الطفولية، يفوح من أنفاسه الهادئة، هدوء نسيم الصباح، نظراته فارغة، متشتتة، تنظر في كل شيء وفي اللاشيء، ينظر في عالم غائص في اللاشيء، عائم فيه، وجوه تضحك، تسخر، سخرية هي إلى الهستيريا أقرب، تخترق السراديب المتعفنة، الصدئة، ثم تعود، تعود إليه روحه..
أيها الحبيب المنشود، أية سعادة هي التي يوفرها لنفسي الظمأى حضورك وغيابک جميعاََ.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!