في اليوم العالمي للغة العربية / بقلم: سعد عبدالله الغريبي

ما إن تحل مناسبة يوم من الأيام العالمية حتى ينقسم الجمهور إلى فريقين: مؤيد للاحتفاء وإحياء المناسبة، يجد في ذلك تذكيرا بأهمية ما تشير إليه وتنبيه الناس إلى ما يجب عليهم فعله، ومنفر من هذا الاهتمام الذي لا يظهر إلا في يوم واحد من أيام العام، وكأننا بهذا نكفر عن إغفالنا الاهتمام طوال العام، أو نسمح بنسيان الموضوع بعد هذا اليوم..
وما يدفع هؤلاء إلى هذا الاعتقاد ما يرونه من احتفالات شكلية واهتمام مزيف ينتهي بانتهاء المناسبة، وهاهو اليوم العالمي للغة العربية مر بنا هذه الأيام فاشتعلت قاعات المؤسسات الثقافية والفنية بالمحاضرات والندوات والقصائد، وامتلأت صفحات الصحف والمجلات بالدعوة للاهتمام باللغة، وتبارى ضيوف القنوات التلفازية بتكرار أحاديث محفوظة عن لغة القرآن وشرفها وطمأنة الجمهور بأنها محفوظة بحفظ الله لكتابه لذا فلا خوف عليها من الضياع والاندثار. وكأننا بهذا نناقض أنفسنا، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد ضمن لنا حفظها فلم هذا الهلع من فقدانها؟!. ولي رأي في هذا الموضوع وهو أن الله سبحانه وتعالى قد ضمن لنا حفظ القرآن الكريم، لكن حفظ القرآن لا يعني بالضرورة حفظ اللغة، ولنا في الأمم التي كانت تتكلم العربية في زاهي عصورها ففقدت العربية وما زال القرآن الكريم محفوظا في الصدور وفي المصاحف إلى أن تقوم الساعة.
وحتى لا يكون كلامي هنا حديثا احتفائيا باللغة، وانتهازا لفرصة مرور يومها العالمي أقول إننا بحاجة لاهتمام حقيقي بلغتنا وبخطوات عملية محددة.
نحتاج محاضرا يتحدث إلينا باللغة العربية الفصيحة – أيا كان موضوع المحاضرة – ومداخلين يحاورونه باللغة ذاتها.
نحتاج إلى مذيع ومذيعة يحدثاننا – مهما كان الموضوع – بلغة عربية سليمة لا لحن فيها ولا استعانة بلغة أعجمية ولا بلهجة شوارعية.
نحتاج إلى معلم لا يتحدث إلا باللغة العربية، وطالب لا يُقبل منه إلا الحديث بالعربية مادام في فصول الدراسة وقاعات الكليات الجامعية.
نحتاج إلى احترام من يتحدث بالعربية وعدم الاستهزاء به والسخرية منه، فغير القادر على الحديث بالعربية أولى بالانتقاص.
نحتاج إلى إصدارات سليمة من الأخطاء اللغوية – مهما كان موضوعها – ولا عذر لغير المختص باللغة فهو غير مختص بالإخراج وتصميم الغلاف ومع ذلك يأتي الكتاب بغلاف مميز وإخراج بديع فلم لا تكون لغته كذلك؟!
هل أطلب المستحيل؟!. ما ذا لو جعلنا إتقان العربية شرطا من شروط الوظيفة كما تشترط الشركات وبعض القطاعات الحكومية والأهلية إجادة اللغة الإنجليزية؟
سيقول قائل: إن طلابنا درسوا أربع عشرة سنة قبل الجامعة باللغة العربية فلم يتقنوها، وأريد منهم إجادتها الآن. وأقول: ابحثوا عن أسباب عدم إتقان طلابنا العربية.
لم لا نخصص السنتين الأوليين من المدرسة الابتدائية مع ما يسبقها من مراحل مبكرة لتعليم القراءة والكتابة ليس غير، وبعدها سيصبح التلميذ قادرا على القراءة والكتابة بطلاقة. أليس أقل الطلاب فهما تكفيه سنتان لدراسة اللغة الأجنبية وتمكنه من الدراسة بها؟!
نحتاج إلى مشروع وطني يستشعر المشكلة ويشخص المعضلة ثم يوجد الحلول الدائمة، وعندها يحق لنا الاحتفاء باليوم العالمي للغة، وإن لم نفعل ونتدارك لغتنا وأبناءنا بدءا من اليوم فسيأتي يوم ندرس فيه لغتنا بوصفها لغة ثانية وليست لغة الأم كما نفعل اليوم!.

 (  فرقد )

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!