لحظات رهيبة في سماء بيروت/ بقلم : إبراهيم يوسف – لبنان

 

 

 

 

كل معلقات العرب والعالم لم تعد تساوي شيئا

بعد وقوع الانفجار الرهيب، ولا تعادل

نقطة دم واحدة نزفت من بيروت

في المرفأ والأشرفية والجميزة وساحة ساسين

ومار مخايل..وعين المريسة وكورنيش المنارة

 

ولا تساوي حجرا

 تداعى وسقط من حائط منزلٍ

في المناطق المنكوبة

 

والشكر لكِ مع التقدير عزيزتي القارئة من فلسطين

“فليس يبكي لشجو الحزين…. إلاّ الحزينُ”

يسلِّم خاطرك يا رب.. ويبقى العزم والأمل

أن يتعافى الجميع ويعود الواحد منا يكاتف الآخر

 

يدا بيد وقلبا على قلب وعرقا يتمتزج بالعرق

 ودمعا عزيزا غاليا على من قضى شهيدا

أو من بقي تحت الركام

لنعيد معا.. ولو بالوحدة العاطفية

 بناء بيروت مدينة جميلة كالأحلام

 

 عصر الرابع من آب 2020

تاريخ لن يمحى.. من الذاكرة

 كنت أفتش مرة عن مفعول وآثار القنبلة النووية، التي ألقيت على هيروشيما، ووجدت صورة عن الانفجار بجانب التحقيق، ولو أنني لا أدري إن كانت الصورة تعود لوثيقة حقيقية أم لا؟ إلاّ أن  ما حدث عندنا بالأمس كان مماثلا لانفجار هيروشيما.

 تلا الانفجار وأنا أشاهد ما جرى من شرفة بيتي في رأس النبع، المنطقة القريبة من الأشرفية والمرفأ والسوديكو، سحابةتكونتعلى شكل فطر من دخان كثيف ولهب، ارتفعت عالياًللتو فوق المنطقة المحاذية لنا من الشمال الشرقي،وتبدّلت ألوانها مع مرور الوقت من الأحمر بلون الصّدأ، إلى البنيّ القاتم فالرمادي الداكن.. قبل أن تتحولإلى غبار بفعل انفجار مخزون هائلمن مادة”الأمونيوم”-في مستودع رقم 12 في المرفأكما عرفنا لاحقا – وقد بلغ  2750طنا كما تردد حتى اليوم. لينتشر الغبار الناتج عن الانفجار المريع ويتلاشى رويدا رويدا في سماء المدينة، ويغيب عنها بعد ساعات طويلة. والحقيقة أنني خلال الحرب الأهلية، التي عشتهابأدق التفاصيل من بداياتها حتى النهايات، لم أرَ وأسمع مثيلا لهذا الانفجار.

 للوهلة الأولى تراءى لنا الانفجار في المبنى المجاور،ونحن نقطن بعيدا من مكان الحدث ثلاثة كيلومترات وأكثر،فتعالى صراخ زوجتي وبدأت تتحرك في كل الاتجاهات، كمن أصابه مس من جنوندون أن تفعل شيئا، أو تهدأ وتتوقف عن العويل، حتى بدأتُالصراخ بدوري في وجهها لأردّها إلى رشدها،بأننا لم نمتوما زلنا على قيد الحياة. فاستسلمتْوسكنت قليلاثم ارتمت على مقعد مجاور متهالكة مستسلمة للبكاء. ربّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فأنت التواب وذو الفضل العظيم.كفانا.. كفى عبادك يا ربي فلسنا من قوم لوط لتجربنا بمعاصي ساستنا وتبتلينا بحاكمينا.

 مش ناقصنا يا ربنا ورب العالمين،موتوخوف ودموع ودمار وتلوث،وفساد بكل المعاني، وانتشار وباء أشد وأدهىمن الهواء الأصفر، وانهيار قيمة المال والأخلاق، وجوع تجاوز العتباتوبات وراء الأبواب..  فأنت ربنا ورب العالمين.

 تردد صوت الانفجار حتى خلته في اللحظة الأولى هزة أرضية ضربت أنحاء البلاد، ووصل صدى الانفجار إلى كل المحيط، ثم تجاوز لبنان عبر البحر حتى بلغ جزيرة قبرص. هكذا وجد الناس أنفسهم أمام مأساة كاملة التفاصيل من الموت والخراب.

 لكن ما حدث للأسف لم يُوَحِّد القلوب، ممن أعمت الأحقاد بصيرتهم فانتهزوا الكارثة، لِيُصَفّوا حساباتهم ويصوبوا قذائف ضغينتهم على “الأعداء”. بصرف النظر عن أسباب ما حدث، سواء عن طريق الخطأ والإهمال وربما خلل في الإدارة أو التخريبالمُدَبّر؟ فإنه ليس إلاّ تداعياً أخلاقياً أشد خطورة مما أصابنا في الصميم، قبل أن يسببه لنا الخارج المتهم “بسوء النوايا”.وقد بادرت مشكورة دول المنطقة وسائر بلدان العالم، بإمدادنا بمختلف مساعفات الأدوية وسواها من الحاجات.

 من رأى وسمع بعض المعلقين، على الشاشات عشية يوم الفاجعة، وهم يستثمرون في المحنة المأساة؟ لأدرك على الفور عمق الفجوة  في متاهات قلوبنا وعقولنا، وتأكد له أن المصيبة عندنا لا تجمع.. بل تفرق. ربما سنختلف كيف نغسل ونصلي وندفن موتانا..!؟ لاشيء يمكن قوله أبلغ من منظر أشلاء الضحايا، والعظام البارزة من خلال الجلدواللحم على  الطرقات، والجرحى والقتلى ممن لم تعدتتسع لهم المستشفيات. والدمار الهائل الذي ينذر بمزيد من الضحايا والمفقودين،ومن تداعي الاقتصاد المتآكل.لعلها مناسبة جديدة للفساد وتكديس الأموال؟ ولو من مساعدات المنكوبين..هؤلاء هم حكام البلاد!

 أتمنى هذه المرة أن لا يخيب رجائي، وتأتي الريح وفق ما يشتهي الشراع، فلا يجهضوا التحقيق وقد بدأ بعض المحسوبين على جهات مختلفةمن التيارات، يتقاذفون الاتهامات عن مسؤولية تخزين الأمونيوم، والقضاء لم يباشر تحقيقه بعد.

 ولئن عجزتالسلطةالتي فقدت ثقة شعبها، أقله في استعادة أموال المودعين من المصارف، ليضمدوا جراحاتهم ويرمموا ما تهدم من منازلهم وشركاتهم؟ تبقى الفرصة متاحة أمام هذه الحكومة وأمام الأمن والقضاء، ليستعيدوا ثقة المواطنين فلا يسرقوا المساعدات، ويبرهنوا عن عزمهم على المحاسبة، بإدانة المقصرين أو المرتكبين لما حدث، وأولى الخطوات الصحيحة اقتضت منع سفر وتوقيف، بعض من تشملهم شبهة تخزين الأمونيوم، ممن تسببوا في الخرابونزف الدماء.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!