لعَصير أبو لَسْعَة

كامل  النصيرات 

ذاتَ عصيرٍ صيفيّ ..كنتُ أمشي بلا هُدى في شوارع وسط البلد ..وأذكرُ فيما أذكرُ ..كيف قرّرتُ أنْ أقتحمَ عمّان بمفردي ودون رفيق ..كنتُ قد حفظتُ غيباً غبيّاً سرفيس العبدلي ..لذا ..لا ينقُصني سوى المغامرة ..غامرتُ وركبتُ السرفيس وحاسبتُ مثل الرجال الكبار ..آه ..نسيتُ أن أذكر لكم كم كان عمري ..عشر سنوات ..أقلّ ولا تزيد ..نزلتُ عند آخر السرفيس ( علِمْتُ بعد عشر سنوات أُخرى أنّه سوق الذهب ) ..
وقبل أن تبدأ ( السّرْمحة الكامليّة ) علّمْتُ مكان النزول بشجرة نخيل صغيرة ..!! ماذا سأفعل الآن ؟؟ لا أعلم ..ولماذا جئتُ ؟؟ لا أعلم ..هل أعرفُ أحداً ؟؟ بالقطع لا …!! كيف أعود وأفشل في مغامرتي ..؟؟ يجب أن أقضي اليوم بطوله هنا ..يجب أن أعود بأسماء محلاّت كثيرة …هناك صبيان سيشيدون ببطولاتي ..!! إذنْ ..ما أفعل ..؟؟ آه ..هذا محلُ عصير ..كم أعشق عصير الليمون ..!! تناولتُ كأساً ..ما ألذّه ..فيه لَسْعة تروقُ لي ..طلبتُ كأساً أُخرى ..لبّى صاحبُ العصير سريعاً ..تركته بعد أن ( مَعَطْتُ ) الكأس الثانية ..ما كدتُ أدير ظهري حتى رأيتُ محلاًّ آخر للعصير ..فرحتُ ..وطلبتُ كأساً ثالثة ..تركته وغادرتُ ..يا لهول ما أرى ..منطقة وسط البلد مليئة بمحلاّت العصير …جاءت الفكرة ..أقضي الوقتَ بشرب العصير بكلّ محل أمرّ عنه ..فاللسعة الليمونيّة في مُنتهى الروعة والإغراء ..!!
لا أدري كم من اللسعات شربتُ ..ولكن فاق العددُ العشرين ..!! لثّتي بدأتْ تؤلمني ..وعليّ أن أعودُ فقد تأخرتُ …صرتُ أبحثُ في الشوارع عن شجرة نخيل صغيرة …تلك العلامة التي تركتها عند السرفيس …ما أغباني ..!! شوارع عمّان مليئة بالنخيل ..أيّ شجرة منهن ..؟؟ عجزتُ عن التخمين ..قررتُ السؤال عند أوّل نخلة تواجهني ..تقدّمتُ من رجل بدين جدّاً يرتكي على سيارة قرب نخلة : عمّو وين سرفيس العبدلي ؟؟ خَبَطَ على سيارته : اطلع هون ..الدور إلي ..!! ما أغباني للمرّة الألف ..ولكنّ اللسعة الليمونيّة تستحق كلّ هذا الغباء ..!!
ها أنا الآن في العقد الرابع ..ما عاد لعصير الليمون لَسْع ولا حتّى طعم الليمون ..فقد أنهكتني دبابير الحكومات ..لسوعتني في كلّ مَسامٍ من جسدي ..وها أنا ألعنُ اليوم الذي أحببتُ فيه اللسع العمّاني ..فقد أتقنوا فيّ اعتصار ألمي وتجريعه لي كل يوم ..ودون أنْ ألفّ في أي شارع ودون أن أتحرّك من مكاني ..وحتّى دون أن أسأل عن شجرة نخيل صغيرة ..فلسعاتُ دبابيرهم تصلّ إليك أينما تكون ..فخدمة التوصيل مجانيّة …!!

غن / جريدة الدستور 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!