” كانت تدخن ( الهيشي ) ، وتضع حبات القهوة السوداء في جيب ثوبها ، وتستنشق رائحتها بطريقة كانت تثير فضولي ، لا ألقاها إلا ورائحة القهوة تلفها بهالة شهية ، كانت عيونها دائما تنظر إلى مكان بعيد وكنت أسالها دوما بماذا تفكرين ؟ تبتسم ولا تجيب .
كنت أراها غالبا تحت البلوطة الكبيرة في النهار ، تناديني ( شعيلة ) هذا ما أطلقته علي ، ومساء كانت تحتل مقعدا على شرفتي الخلفية تستمتع بهواء الجبل العليل ، أجالسها لساعات دون ملل ، ورائحة الهيشي تدخل أعماقي ، حتى أنني للحظة كنت أشتهي أن تسكن رائحته صدري وتتخذ ه قرارا ، كنت أصارحها بهذه الرغبة ترد قائلة لن تحتمليه .
كانت ترى حياتها أمام عينيها ودوما تعيد لي نفس احكايات وأنا استمع ، لم أقل لها يوما ذلك ، كنت أتمنى لو أعرف أي حزن سكن عينيها ، وأي ألم مزق قلبها .
رحلت دون وداع رحيلا هادئا جدا ، أشفق الموت عليها من شراسته ، رافقها بمنتهى السرعة والرقة ، إلى رحاب أظنها أفضل ، ما زالت أراها كلما شاهدت أحدهم يدخن الهيشي أو أرى حبات القهوة وأشتم عبقها ” .