من طهران إلى جنوب لبنان (٢)

بقلم – محمد فتحي المقداد

الجزء الأول من المقال سلّط الضوء على مجيء الإمام (موسى الصدر) إلى لبنان في العام ١٩٥٥، ومن الوهلة أن يثير العنوان، من الغريب أحد الأدباء رغم صداقتي معه منذ سنوات، لم ألحظ ولم إعجابا لمرة واحدة على من منشوراتي الأدبية، رغم أنه ذو باع طويل في الحقل الأدبيّ، المثير أنه يرجو بكلّ إخلاصه: “بأن لا أثير الطائفية”.
وبالعودة إلى المقال ما هو سوى إعادة قراءة تاريخيّة لحدث مجيء الإمام إلى لبنان، وتأثيراته التي امتدت خارج لبنان إلى جارتها سورية، وانسحبت تتابعات ذلك إلى أيامنا هذه، ولتكون بلدي ميدانًا للمشروع الفارسيّ الصفويّ.

• الإمام موسى الصدر، وأحداث الدستور في سورية:

مع بداية العام ١٩٧٣، وبعد اعتلاء الرئيس (حافظ الأسد) سدّة الحكم في سوريّة بسنتين، كان قد طرح الدستور الجديد للاستفتاء، وهو المعدّل عن دستور ١٩٢٥، جرى لغط وجدل كبير حول بعض مواده، وخاصّة المتعلقة دين الدولة الإسلام، قال فريق: “بأن الدولة لا دين لها”، وآخرون: “دين رئيس الدولة الإسلام”، وهناك طرح على طريقة لبنان: “يجب أن يكون الرئيس مسلم سنّي”.
*جاء الحل بإقرار المادة الثالثة من الدستور: “الإسلام أحد مصادر التشريع في الدولة”.
*إشكالية دين رئيس الجمهورية القادم من أقليّة طائفيّة في سورية، وقيل ما قيل عنها في المصادر التاريخيّة والدّينيّة، وكانت معضلة للرئيس الجديد، حاء الحلّ من لبنان، ومن عند الإمام (موسى الصّدر)؛ بفتواه الشّهيرة: “بأنّه يشهد بأن حافظ أسد هو مسلم يعتنق المذهب الجعفري الإثني عشري”. ولما للمشهديّة الدينية السورية الممثلة بعلمائها من ثقل اجتماعي، وتأثير واسع.
وكان لفئة منهم انبرت لتكون عرّابة للموقف السياسي، وإضفاء نوع من الشرعية، بتبريك الوضع الجديد والتهليل له، ولتشكّل ظاهرة زواج عُرفيّ بين الفريقين، من خلال شبكة علاقات معقّدة من المصالح الظاهرة والخفية، تحت شعار مصلحة الوطن والمواطن.
وتزعم هذا الاتجاه الشيخان (أحمد كفتارو) و(عبدالستّار السيّد)، الأول صار مفتيًا للجمهورية إلى توفّاه الله، رغم أن لم ينل إجماع أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى في سورية بانتخابه، إلّا أنهم خالفوا النظام الداخلي للمجلس، باعتبار صوت رئيس المجلس مرجّحًا، لإنجاح الشيخ (أحمد كفتارو) لمنصب مفتي الجمهورية. والشيخ (عبدالستار السيد) جرى تعيينه وزيرا للأوقاف لسنوات طويلة، وهو من أقوى الوزراء على الإطلاق خلال توزيره في حكومات تعاقبت على الحكم، وبعد خروجه من الوزارة، سيارته الوزارية والحراسة بقيت معه إلى أن توفاه الله. في السنوات الأخيرة اختير ابنه الشيخ (محمد عبدالستار السيد) وزيرًا للأوقاف.
انتهت أحداث الدستور حينها، من خلال حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من الفعاليات السياسية والثقافية والدينية، وانتهت في حينها، وطوتها صفحات النسيان، لأنه لم يمض عليها أشهر قليلة، حتى كانت حرب تشرين ١٩٧٣. الحدث الأكبر على الإطلاق، وهي التي كرّست قبضة الرئيس على مفاصل الحياة السورية، وإحكام قبضته بحركة إزاحة معارضيه الأشداء، والنصر الإعلامي الذي تكلّل باتفاقيّة فصل القوات التي تخلّت إسرائيل عن (٦٠) كم مربع وهي مدينة القنيطرة، بضغط وبرعاية زطير الخارجية الأمريكي العم (هنري كيسنجر).

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!