من كل وادٍ عصا / بقلم : إبراهيم يوسف – لبنان

تعقيباً على نص:المدير

 الذي يفكر.. بقدميه


تتشابه حروف الكتابة العربيّة في رسمها، ولولا استخدام التنقيط الذي وضعه أبو الأسود الدؤلي في صدر الإسلام، لاختلطت علينا الحروف وما عرفنا أن نميّزها من بعضها البعض، وقد جاء في لسان العرب أنّ نَفِدَ بالدال من غير نقطة تعني:انتهى الشّيء وفَنِيَ وخَلُص، ويقال نَفَدَ الشيء نَفَدًا ونَفَادًا. وقد وردت الكلمة في القرآن الكريم بهذا المعنى: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفدَ كلمات ربي. “والهوى لَحْظُ شآميةٍ رقّ حتّى قُلْتَهُ؛ نَفَدا”.. بالدال.

ألله يْهَوِّنْها علينا وعلى أهل الشام، ممن سبحوا طويلا في برك من الدماء، فتهجّروا وتشتتوا وماتوا وعاشوا كل المهانات.

 

وأما نَفَذَ بالذال؛ والنقطة؟فتعني التخلص من الشيء ومجاوزته، ونفذ الشيء ينفذ نفاذاً ونفوذاً، فعندما نقول نفذتُ من فلان؟ أي تخلصتُ منه وتواريتُ عنه، ومن ينفذ من مأزقٍ أو خطر يقال: بأنه نَفَذْ، وفي قوله تعالى: يا معشر الجنّ إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلاَّ بسلطان. ونفذت الطعنة أي جاوزت الجانب الآخر.

 

وتأتي النافذة المطلّة على السماء والشمس والريح في نفس السياق.مُتَّكى اللوعة والفراق وجمر النار، والضنى والصبر على الغياب وشدة الانتظار. كلّه؛ بتعبير بيرم التونسي وزكريا أحمد والسيدة أم كلثوم؟ في الثلاثية العربية الخالدة، التي ينبغي إضافتها إلى كتاب الأغاني.وْحَطِّيْتْ إيدي على خدّي، وْعَدِّيْتْ بالتانية غيابك ولا جِيْتْ، يا رِيتْني عمري ما حَبِّيْتْ.

 

 

لكن حكايتك (فاجأتني) يا عزيزي مهند..؟ وكنتُ في المرة المقبلةسأنوب عنك بالحديث عن السينما وفيلم “شوكولا”؛فقد سحرني العمل حينما تابعته على إحدى القنوات منذ فترة وجيزة، بتأخير بلغ  عقدين من الزمن على هذا الإنتاج البديع.

 

وتقع أحداث الفيلم في قرية فرنسية، تحيا بوداعةوسط طبيعة خلابة، وأجواء تحكمها التقاليد القديمة؛ عارضَ سكانُها في البداية تصوير الفيلم في قريتهم. الأمر الذي عزَّز العمل لاحقا وساعد على نجاحه،وهكذا عصفت بالقرية الهادئة رياح التغيير، بعيدة من مشيئة بعض السكان والعُمْدة؛ حينما قدمت ڤيان مع ابنتها لتنكد هناءة العيش فيها، وهي تفتح حانوتا لبيع الشوكولا في الساحةالمقابلةلمبنى البلدية، ويبدي رئيس البلدية تحفظا ونقمة ملحوظة على الوافدة والدكان الجديد، الذي يلعب دورا محوريا رائدا،يؤدي إلى حدوث تغيرات جذرية في حياة القرية، لم تكن لتخطر إغراءآتُها في بال أحد.

 

فشكل ومذاق الشوكولا؟ استقطبت اهتمام أهل القرية واستبدّت بهم هواجسهم، وهم يعتقدون ويشيعون همسا أن الشوكولا إكسير للحياة العاطفية الحميمة تتجلى فاعليتها؟ عندما يختلي المحبون بالمحبين! ولم تكن دكان ڤيان وحدها الكارثة التي دهمت القرية وزرعت في أرجائها أجواء العشاق؟ حينما رست في ميناء البلدة سفينة صغيرة يقودها روكس البحار الجميل الذي يلعب دورا عاطفيا مؤثرا مع ڤيان. وهكذا تتوالى الغيرة والصراعات العاطفية التي لم تعرفها القرية من قبل.

 

يروي الفيلم المتاعب الناشئة، والمقارنة بين أمان الماضي الذي كانت تحياه البلدة، والمتغيرات الطارئة التي تعصف بالحياة الجديدة بعد قدوم سفينة روكس ودكان فيان. ويهدف الفيلم في اعتقادي أول ما يهدف..؟ إلى عدم التسامح والنتائج السلبية، التي تحدث بفعل التأثيرعلى قناعات الناس المختلفة،ومنعهم أن يعيشوا الحياة على راحتهم، وهو ما يحصل في الفيلم، عندما يقرر رئيس البلدية بلا توكيل رسمي من أحد،كيف تكون حياة الآخرين، تلك التي تتنافى مع قناعاته.

 

وينتهي الفيلم بحسرة شديدة و مشهد مدهش قل نظيره؟ والعُمْدَة يدفعه هوسه الأخرس ليتسلل ويقتحم الدكان، ويعوم بمنأى عن عيون الآخرين في بحر من الشوكولا،يتلمّظها بفمه وشفتيه ولسانه وكيانه، حينما تعصف به صبابته ورغبته المحمومة إلى ڤيان، بعد نفاق طويل في خداع نفسه وعواطفه، وهي واقفة فوق رأسه تراقب المشهد وترأف بحاله وشكله المزري، يتخبط بثيابه في فردوس من الشوكولا المغري، وَتَعِدُهُ أن تكتم سرَّه ولا تخبر أحدا بما جرى فلا تهتزُّ صورته.

 

وأما الحمار فحيوان وديع وخادم أمين ونشيط. مسالم ومظلوم يستحقّأن نرأفَ به ونأسفَ لسوءِ أحواله. استبدَّ به الناس وأنكر صوته المؤمنون!وارتضى لنفسِهِ أعمالَ السُّخرة والسُّمعةَ المُسْتباحة، دون أن يشكو ويتذمَّر أويبيّت العداوة لأحد.

 

مخلصٌ لأصحابِه؛ صَبورٌ على الشدائدِ والشتائمِ والجوع،فلا يصح أن نمعن في إهانته ونقارنه بأغبياءالبشر! ما دام يختارُ سلوك الطريق الأسهل، فيحفظها جيداً ولا تغيب عن ذاكرتِه مهما طال الزمن! في حبِّه هوس يبلغ حدّ الجنون،فلا يراوغ كالعُمْدَة ولا يضمر الخصومة لأحد. يحمل قلبه على راحتيه فلا يُبدي للسِّوى إلاَّ المؤازرة والمودة والسلام.لكن؛ عندما تتحرك عواطفه تخونه إرادته، وتعلو عقيرته بالحداء فلا يكتم أمره، ويلحق محبوبته ورغباته تتجمع بين ساقيه.

 

لكن “مهنداً” الصديق الكريم ممن يَدْعُوْنَ للرفق بالحيوانات وسائر المخلوقات؟ ظلم الحمار ونال منه وأنكر عليه مؤهلاته كالآخرين..!؟ فحينما رصدوا مالا في إحدى الجزر، لشق طرق تسهِّل السياحة،ومرور العربات وتعزّز مداخيل البلاد..؟

 

استقدموا عروضا باهظة الكلفةلتلزيم المشروع..؟ فاختلط الحابل بالنابل وتداخلت السياسة مع الاقتصاد والمنافع الشخصية والرشاوى، ووقعت خلافات حادة بين الشركات، والنافذين (بالذال) من ساسة البلاد كيف وأين يشقون الطرقات..؟ وهكذا توقف تلزيم وتنفيذ المشروع نتيجة للخلافات المستحكمة؛ كما الحال مع ساستنا المرتكبين في لبنان..!؟

 

حينما حسم رئيس الجزيرةالجدل القائم، واتخذبنفسه القرار المناسب دون اللجوء إلى الخبراء؟ فأمر رئيس وزرائه أن يستقدم حماراً فيسوقه أمامه، ليلعب دور الخبير ويشق الطرقات حيثما يمشي الحمار! وهكذا يا صديقي كفى الله المؤمنين شر الفساد والمنافع والخصام. ألا ليتنا نفعل ما فعله رئيس الجزيرة، ونحذو حذوه في لبنان بل في معظم بلدانالجوار.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!