من وحي نثرية بهية ) شذرات في محيط مبدعها الدكتور(وليد الرشيد الحراكي)

  كتب  الشاعر  محمد الحراكي 

أبدى من الحنين ما يملأ الغياب،  تحدثت حروفه عن وجع العاثرين ،توطّن في كل محطات الأصالة، مسح على الأحزان والأسى ناثرًا دموع وجدانه، مغلِّبًا الجانب الإنساني على أي قيمةٍ ما دونها، ساهم في إغناء بناء الفكر وعمارة الإبداع، طوّع الكلمات ومنحها الهوية، ولم يأبه للمارقين والفزاعات ولا لحراس الرذيلة طالما باعوا صكوكهم، وحلق في عالم  الملكوت واستمدَّ من الشمس سموه وإضاءاته.

إنه الأديب والشاعر الحر الدكتور (( وليد الرشيد الحراكي )) الباحث عن كيفية التغيير وتقرير الأمة للمصير، هو ممن حافظوا للأدب على أصالته ولم يبتعدوا عن غايته ، ورغم هذا كان من المجددين اللامعين فصارت مواطن الأصالة في نتاجه امتدادا يرتقي للعالمية والمجد في جمال الكلمة وعبقرية التأثير،  لكوثر كلماته ضفتان.. ماضٍ ممتدٌّ بأصالته للحاضر، وحاضرٍ يطمح للتجدد والتأنق لم يتخلَّ عن جذوره الراسخة رسوخ التاريخ والعراقة، مضى في أدبه المتنوع مثيرا للأسئلة الوجودية والكونية من منظورها الإسلامي واستمدت حروفه فلسفتها من حضارة عريقة ينتمي لها ويعتز، تلك التي أمدت العالم بالمعرفة والعلم  دون تزييف أو تكرار.

في مجمل أعماله عرّج على الفتوح وحاكم الظلال وراح يخط شمم الإباء .. وعانق الرسوم والأطلال وخلد للتاريخ شواهده .. وداعب شموخ الغار وفوح الخزامى وشقائق النعمان .. وعبَّد  للسائرين الى العلا دروبًا من نور .

هذا الأديب الشاعر الذي عاش في بيت هادئ تقليدي بسيط، في ظل حنان معهود للأبوين .. استقى منهما معنى الانسانية والمحبة والجمال، ومضى في طريق الإبداع دون أن يضل الحق .. فاستقام له الطريق. 

أحب  وطنه بطريقته الخاصة .. كل ما فيه ومن فيه (والحديث هنا له )  ممن لم يسفحوا الجمال في غياهب قبح ظلامهم، وأهدروا مقدرات سلاله في أسواق التبعية المغلفة بوهم الصمود ، وممن لم تتلطخ  صحائفهم بارتكاب دمائه النازفة من وداجيه وأوردته.

يتابع الأديب وليد الرشيد والحديث له :

(“هذا أنا .. ببساطة”

لَسْتُ مِمَّنْ وُلِدَ قُرْبَ بَيْدَرٍ وَلا عَاشَرْتُ المِنْجَلَ مُنْذُ رَحِمِ أُمِّي , وَلَسْتُ مِمَّنْ تَعَشَّقَتْ في أَسْنَاخِهِ نَسَائِمُ اصَّاعَدَتْ بُرُودَةً , وَلَسْتُ أَيْضًا مِمَّنْ فَتَحَ عَيْنَيهِ بُعَيدَ وِلَادَةٍ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفٍ قِمَاشِيٍّ عَلى مَشْهَدِ قَعُودٍ نَاخَ علَى فِرَاشِ رَمْلٍ دَافِئٍ , وأُذُنَيهِ عَلى بُكَاءِ نَايٍ وَتَذَمُّرِ مَاعِزٍ وَثُغَاءِ حُمْلَانَ وَصَهِيلِ خَيْل …لا، ولَسْتُ مِمَّنْ ألِفَتْ أسْمَاكُ الشَّوَاطِئِ رَائِحَةَ أجْسَادِهِمْ السَّمْرَاءَ المَمْشوقَةِ …

أَنَا الَّذِي انْتَزَعُوهُ يَومًا عُنْوَةً ذَاتَ قَيْصَرِيَّةٍ فِي صَفِيحِ إِحْدَى السُّفُوحِ المُكْتَظَّةِ باِلبَاحِثينَ عَنْ بَعْضِ مَأْوىً , وَأَنَا الَّذِي أسْلَسَ لِمَسِيرَةِ الكِفَاحِ فِي شَتَّى الحَارَاتِ والأَزِقَّةِ صَهْوَةَ صَبْرِهِ , بَاحِثًا عَن طَرَفِ مَقْعدِ يُبَلِّغُهُ فِيهِ رُسُلُ الحَرْفِ رِسَالَتَهُم , وَ(ورْشَةٍ) يَتَفَضَّلُ فِيهَا عَلَيْهِ مَسَاءُ اليَوْمِ بِقِطْعَةٍ نَقْدِيَّةٍ تُعِينُ فِي إِعَالَتِهِ .. وَخَارِجَ أَسْوَارِ هذا العَالَمِ ولَيْسَ بِبَعيدٍ , كَانَ التَّرَفُ يَرْفُلُ بِوَاسِعِ أثْوَابِهِ بَينَ شَاهِقَاتِ المَبَانِي ومُنِيفَاتِ القُصُورِ وفَاخِرَاتِ السَّيَارَاتِ ….

لكِنَّني رُغْمَ كُلِّ هذا أعْشَقُ تَغْرِيبَةَ التَّنُّورِ، وصَوْتَ هَسِيسِ اشْتِعَالِ القَشِّ تَسْبِقُ فَوْعَةَ نُضْجِ الرَّغِيفِ , وأطْرَبُ لِلْعَتَابَا والمِيجَانَا تَصْدَحُ بِها حُنْجَرَةٌ لَقنَتْهَا القِمَمُ القُوَّةَ والعُذُوبَةَ مَع الهَوَاءِ النَّقِي … 

وَأسْتَلِذُّ بِحَلِيبِ نَاقَةٍ طَازَجٍ، وقَوَامِ فَرَسٍ مَمْشوقٍ، وزَفِيرِ صَيْفٍ مُلْتَهِبٍ, ورَعْشَةِ شِتَاءِ مُبْتَلٍّ، وفِتْنَةِ رَبِيعٍ مُبْتَسِمٍ، وعُرْيِ خَرِيفٍ مُصْفَرٍّ، ويَسْتَميلُنِي رُكُوبُ المَوْجِ والرَّقْصُ عَلى الرِّمَالِ , وَيَسْبِينِي أنِينُ دَوَائِرَ مِن خَشَبٍ تَشْتَكِي لِمَجْرَى نَهْرٍ، فَيُسْبِغُ عَلَى سِحْرِ حُزْنِهَا رَذَاذَ دُمُوعِهِ البَارِدَة، ويَجْذِبُنِي ضَجِيجُ الآلَافِ السَّائِرينَ كَسَيْلٍ يَجْتَاحُ كُلَّ الجِهَات .

أحِبُّ حَكَايَا المَدينَةِ والقَرْيَةِ والجَبَلِ والبَحْرِ والنَّهْرِ والسَّهْلِ والبَادِيَةِ، ووَصَايَا اليَاسَمِينِ والجُورِيَّ وشَقَائِقِ النُّعْمَانِ، وتَأْنَسُ رُوحِي لِلُغَةِ السَّنَابِلِ وهَمْسِ الأَعْنَابِ وبَوحِ الزَّيْتُون .

أُحِبُّ الفَقْرَ ولَا أكْرَهُ الغِنَى , وأُحِبُّ التَّعَبَ ولَا أرْفُضُ الرَّاحَةَ، وأَحِنُّ إلَى الشَّقَاءِ فِي خُطُوَاتِ الوُصُولِ إلَى الرَّخَاء .)

   —  نعم إن غاية شعوره وصدقه ومقاصده  السامية إضافة لموهبته ومخزونه اللغوي الإبداعي كانت ولا زالت قادرة على خلق الصورة بفنية عالية.

  الأديب وليد الرشيد مثال للعربي الأصيل والشاعر الحر المتمكن المنافح عن الوطن وعن الأمة وعن لغته.. وعن حريته.

يشيع الأمل ويبحر زاخرا في المستحيل، لم ترهبه العنقاء وضخامتها، مبصرا حين تعجز الرؤى عن تصور الحجم المتسرطن من الصواب، يشعل في الربوع ضياء وتراه كالبرق حين يبشّر بالغيث القادم ..

يحلق كالطير ويعلو ما اعتلى فيه الإباء، ويعود صادحا على أسماع الورى في شدو يتردد صداه وسناه.

 والحق أقول ( وهذا من وجهة نظر شخصية لا يشوبها رياء ) أن  وليد الرشيد رافد من روافد الأدب العربي الحديث، ينهل من معين سائغ شرابه، بعد أن كثرت على أطراف البحور شطوطهم وسقط المحدثون حينا بفخ الاجترار الممجوج وآخر بفجاجة التخلي عن الجذور, وأن شاعرنا  خبير متمرس في الغوص يأتي من الأعماق بالدر الثمين.

تتوهج حروفه وتموج بالحياة متزينة بكل معايير الجمال، ترددها نسائم العشاق حين يفوح عطرها الياسميني،  وتبدو كالنوار مكتحلة في أبهى حللها موشّاة بكل الأماني والمعاني السامية مختالة في إمارة الأدب والشعر والبهاء.

فكل المحبة والاحترام وكل التقدير للأديب الشاعر الحر الدكتور وليد الرشيد الحراكي.

                ابن العابدين 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!