نحو حب غير مشروط  / بقلم : محمد عبد الكريم يوسف

آفاق حرة 

يبدأ الحب غير المشروط من البيت الأول فعندما نحب أنفسنا نحب الغير بدءا من أطفالنا وانتهاء بالآخرين وعلينا أن ندرك جليا أن أسمى دروس الحب غير المشروط تبدأ بمحبة الذات .

يحتاج الطفل إلى الحب غير المشروط لكي يتطور وينمو ويزدهر . السؤال الذي يبرز هنا هو : كم من البشر  يمتلك القدرة على منح الحب بلا شروط ؟ كم من البشر يمتلك القدرة تقديم الحب غير المشروط في عصر غريب يضج بالمادة والاستهلاك والانترنت ؟ هناك من يقول أن الإنسان لا يمكن أن يحب أطفاله إذا لم يحب نفسه أولا ولا يمكن أن يفتخر بزوجته أمام الناس أو يقبل يدها إذا لم يكن يحترم نفسه أولا ويجلها ويرفعها إلى مكان سام .  

 تشير أبحاث علم النفس إلى أن الطفولة المثالية تنمي الإنسان من الداخل وتجعله أكثر محبة لنفسه ولمن حوله وهي أسرع طريق لتنمية القلوب وجعلها صالحة للأبوة والأمومة . الحب يحفز الإنسان نحو النمو والتطور والانفتاح نحو الذات والعالم وتحقيق الرفاهية . 

الموضوع يستحق ما يستحقه كل الاهتمام منوهين أنه كلما كبرت قلوبنا أصبحنا أكثر من مجرد أباء بل أسعد الناس على الإطلاق. 

يتطلب تعافي الإنسان مما هو عليه من ألم ومشقة بعض الوقت ، والكثير من الاهتمام والانتباه والالتزام اليومي ، ثم ينتقل إلى مرحلة التدريب وكأنه يعزف البيانو . في البداية ، يبذل جهدا كبيرا والكثير من العناء لكنه في غضون عام كامل من التدريب  يمكن أن يكون عضوا في فرقة موسيقية سيمفونية يعزف ألحانا شجية . 

هناك العديد من الوسائل لتعلم منح الحب غير المشروط يأتي في طليعتها : 

التسامح: 

يعني الحب غير المشروط كتابة قائمة الوسائل التي تحتاجها لتكون مختلفا قبل أن تكون جيدًا بما يكفي في عينيك أنت بالذات قبل الآخرين .   الكمال هو أدنى مستوى يمكن لأي شخص أن يمتلكه.  وبالتأكيد لن نصل إلى الكمال.  نحن نتطلع للحب!  وما يحتاجه الطفل هو الحضور والتقدير الكامل ، وليس الوصول  للكمال.  في بعض الأحيان قد نرتكب أخطاء.  لكن  علينا أن نسامح أنفسنا  وأطفالنا والمحيط ، لنعزز المرونة في  العلاقات. لنبدأ بتغيير طريقة الحديث مع الذات .  وفي كل مرة نلاحظ فيها ظهور النقد الذاتي ، علينا أن نذكر أنفسنا أن الهدف الأسمى ليس الكمال وإنما حب الذات والآخرين في وقت واحد .

التمرين : 

الحب غير المشروط مثل العضلات يحتاج إلى تمرين يومي.  والرحمة هي الرفع للعبء الثقيل للحياة عن كاهل الإنسان .  ونحن نعلم أن بناء هذا النوع من العضلات يتطلب ممارسة يومية للرياضة والتدريب.  لماذا يجب أن يكون القلب استثناء؟ علينا أن نلتزم بمعاملة أنفسنا ومن حولنا برأفة وتسامح.  و في كل مرة نلاحظ فيها القسوة تتسلل إلى ذاتنا أو نحو أطفالنا أو تجاه أي شخص آخر ، علينا أن نتوقف ونبحث عن شيء ما لتقدير هذا الشخص. يجب أن لا يكون هناك استثناءات.  وإذا كان بالإمكان  اختيار التعاطف في كل علاقة مع الجميع ، بما في ذلك الذات ، سيكون الإنسان متنورًا بحلول نهاية شهر من بداية التدريب والتمرين  .

الالتزام بالرعاية الذاتية الجذرية:

نعلم جميعًا أنه عندما نتمكن من البقاء على اتصال بنافورة الرفاهية الداخلية الخاصة بنا ، فإنها تفيض على أطفالنا ومن حولنا ونصبح أكثر صبرًا وحبًا وفرحا.  ولكي نحب أطفالنا دون قيد أو شرط ، نحتاج إلى إبقاء كؤوسنا ممتلئة حتى لا تفرغ.  ومع ذلك ، يعيش معظمنا تحت تأثير ضغوط مستمرة الأمر الذي يستنزفنا ويرهقنا ويهدر طاقاتنا.  ماذا لو التزمنا بالاعتناء بأنفسنا والبقاء في حالة تركيز ؟  أولاً ، لأن الحياة قصيرة ، ونحن تستحق السعادة والحب .  وثانيًا ، حتى تكون الوالد المسالم والمحب والمشجع الذي يستحقه أطفالنا.  

هل سيكون ذلك عملا جذريا؟ 

لمن هذه الحياة على أي حال؟ 

وفي النهاية ، من سيكون مسؤولاً عن مشاعرنا وتصرفاتنا أثناء ذلك؟ 

سامح والديك:

عندما تشاهد الطفل يضغط في البيت على الأزرار ، هل سألت نفسك يومًا متى تم تعلم الطفل  لهذه الأزرار ؟ إذا كنت تريد تحرير قلبك ، عليك أن تشفي جروحك القديمة.  ربما تصلك الرسالة بأنك محتاج جدًا وغاضب جدًا وأناني جدًا  وكسول جدًا   ومهمل جدًا وطفولي جدًا؟  علينا أن نتذكر والدينا بروعتهم وصبرهم ووقتهم وهم يمررون لنا رسالة مفادها أنهم محبون بلا حدود وخالين من العيوب البشرية . سامح والديك وأعد تقييم رسالتهم لك في الحياة . وانقل تجربتهم لأطفالك .  

شفاء القلب ، شفاء للحياة:

 السبيل الوحيد للخروج من الأزمات المتكررة هو من خلال كلمة صغيرة هي “أنا آسف” . لقد كانت الحروف التي نطقتها جانيفر في “قصة حب” ومفادها  ” أن تحب يعني أن لا تضطر أن تقول أنا آسف” ومعنى كلمات جانيفر أنها وصلت في حبها غير المشروط لأوليفر درجة السمو الروحي.   على الإنسان أن يتنفس بعمق وأن يجد ساعة في النهار يخلو بها إلى نفسه وأن يشعل شمعة ويجلس بهدوء.  عليه أن يتواصل الطفل الداخلي في نفسه ويشعره بالتسامح والمحبة والتآلف الداخلي . 

تقبل طفلك دون قيد أو شرط:

الحب غير المشروط ليس فقط ما نشعر به ، وإنما هو ذاك الحب العظيم الذي يشعر به من حولنا بدءا بالشريك والطفل والأسرة والعائلة الكبيرة . صحيح أن هناك قائمة من الثوابت نريدها بأطفالنا دون غيرهم ، ولكن علينا أن ننتبه لإلى ما يفكر به أطفالنا  لأن التفكير مختلف والاهتمام مختلف والرعاية مختلفة .   يمتلك معظمنا قائمة صغيرة من الأشياء التي نريدها دائما في أطفالنا ونطلق عليها ” الثوابت”.  علينا أن نتقبل أراء أطفالنا بصمت وأن نطبق أفكارنا قدر المستطاع . يقول الإمام علي كرم الله وجهه ” عندما  يكبر ولدك اجعله رفيقك ، فإنه خلق لزمان غير زمانك” . الصفات الشخصية الصعبة تثير الرقة  و الشفقة.   ما أجمل أن تذوب كتل الحب المتجمدة وأن تذوب في بحيرة الحب غير المشروط . 

الالتزام بالأبوين  من الحب:

من السهل أن تحب دون قيد أو شرط . لحظة التعلم هي دائمًا عندما يكون المعلم والمتعلم في حالة القبول والإيجاب .  ولا يبنى الثواب والغضب والعقاب على الحب أبداً.   قد يكون القرآن الكريم من الكتب السماوية التي أفردت حيزا مهما لهذا الموضوع حين يقول الله في كتابه العزيز : ” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ” . 

الانفتاح والظهور: 

جميعنا يرتكب الأخطاء  بين الحين والآخر  ، ولكن عندما يرتكب من حولنا الأخطاء يشعرون بالخوف الذي شعرنا به أيام كنا صغارا . علينا أن ندرك أن كل خطأ يرتكبه من حولنا ويتحول إلى درس نتعلم منه خبرات جديدة يصير مفيدا بمجرد تلقينا درسا مفيدا منه . الانفتاح والظهور من الوسائل المهمة في نشر الحب غير المشروط . 

اسلك الطريق السريع سبيلا في الحياة:

هناك أناس يحبون أن يسلكوا الطريق الملتوي سبيلا في الحياة ، وهناك من يتبع الطريق الطويل دون القصير . ربما كان أفضل الناس وأكثرهم حبا هو من يتبع الطريق المباشر السريع في حياته وتعامله مع الناس . يمكن ركوب الطريق السريع من خلال الصبر والدعابة  والمرح عندما تسود أجواء التوتر والإرهاق والاستياء منوهين أن لا أحد يسلك الطريق السريع طوال الوقت . فالإنسان يحتاج أحيانا سلوك الطرق الأخرى . 

التدريب طريق الكمال: 

يتطلب شفاء قدرتنا وأرواحنا على دروب الحب غير المشروط  ممارسة يومية ونحن نواجه منحنيات الحياة وصعوباتها . الوصول للحياة المثالية شيء في منتهى الصعوبة وقد يكون من كدر الحياة أن تحافظ على التفوق والنجاح سنوات وسنوات . وقد يتحول شعور الإنسان بضرورة تحقيق الكمال إلى حالة مرضية يصعب التحكم بها والسيطرة عليها . يمكن للإنسان الاستمتاع بالتدريب للوصول إلى الكمال والمثالية والتدريب فيما يعنيه اقتناع الإنسان بأنه غير كامل وحاجته للمزيد من المعرفة التي تمكنه من النجاح في الحياة . 

الحب غير المشروط حاجة وضرورة في الحياة ومن دونها تعم المادية في الحياة على حساب الروحانية . انتشار الحياة المادية يعني غياب التوازن بين حاجات الروح وحاجات الجسد وتجرد الإنسان من إنسانيته . 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!