بقلم : حمزة المليح ، أصيلة المغرب
سؤال يثير الكثير من النقاش الإستشكالي حول ” هيولي” أو جوهر و أصالة المعرفة السوسيولوجية المغربية الراهنة ، و مدى إمكانية تفردها معنى ومبنى.
وقد يتساءل البعض ، هل كانت لدينا في الأصل سوسيولوجيا خاصة بالمركب الثقافي المغربي ؟ تنهل من المعجم الشعبي الأصيل ، وتنتعش من شرايينه الهوياتية ؟ ثم ما هو عمق الإشكال وحجر الزاوية فيه ؟ هل هو إستمتاع ممنهج و مفتعل بمخلفات السوسيولوجيا الكولونيالية ؟ أم انحراف لا مقصود عن منهج البناء السوسيولوجي ؟ و إلى أي حد يمكن اعتبار الأعمال والكتابات الحالية ممارسة إبستيمية جادة للتخلص من أعمال السابقين من ” جنود البعثات العلمية بالمغرب” ؟ وإلى ماذا تحتاج السوسيولوجيا المغربية اليوم ، هل إلى التنميق ” والتزويق ” واللعب بالألفاظ والعبارات ، أم إلى ضرورة تواجد نسق تحليلي متين يحترم علم السوسيولوجيا ، ولا يثور على هويتنا المعرفية ؟
كلها أسئلة – أخرى – تلوح في أذهاننا عندما نضطلع على أعمال وأبحاث مفكري ” الجيل الجديد ” من أهل علم الإجتماع ، متسائلين عن سبب هذا القلق الجوهري الذي أصاب الباحثين اليوم ، أهل هو عجز أم استهتار أن نلمس تلك التحليلات الجوفاء في كتابات البعض ، ظنا منهم أنهم ساروا على الدرب وواجهوا السوسيولوجيا الكولونيالية وأزاحوها عن ساحة علم الإجتماع المغربي .
ولعل السبب مزيج مركب ومختلط بمجموعة من النواقص التي حلت بأهل المعرفة السوسيولوجية ، من ضعف في استخدام الأدوات المنهجية ، وعناد غير مبرر واعتراف بالكمال المطلق ، ووفاء وإخلاص كبيرين ” للأسلاف ” الفرنسيين …
إذ يبدوا التناقض جليا و منبرزا في تحليلاتهم لأسباب الهوان ، ومبررات الخضوع للسوسيولوجية الإستعمارية ، ففي الوقت الذي يدعون فيه بخطاباتهم الرنانة إلى التخلص والتفرد والتجديد البنيوي و المنهجي والمضموني من أجل بناء صرح علم إجتماع مغربي يتأسس على مبدإ الهوية وقانون الإنتماء في إطاره العام ، نجدهم يكرسون جهودهم ” بوعي أو دون وعي منهم ” لخدمة السوسيولوجيا الكلاسيكية .
أما على مستوى المواضيع التي ما فتئت تتلاعب بسيكولوجية الجماهير الشعبية من طلاب جامعيين وقراء عاديين … فقد توزعت بين مطامح ومساعي بعض ” الملاحدة ” ممن وهبوا أنفسهم وفكرهم ” الهجين ” للضرب والطعن في دين الحق ، ( الإسلام ) بحجة التشريح السوسيولوجي للممارسات الدينية ، و بين متطرفين ممن أخرجوا الدين الإسلامي من دينيته الحقانية ، ورفضوا كل أساليب التجديد والانفتاح البناء الذي يستمد شرعيته من العقل العملي الأخلاقي كما وصفه الفيلسوف الأخلاقي إمانويل كانط ، وبين طرف ثالث وجد نفسه – عاجزا – بين مرج و هرج من التناطح الفكري ، فبين الفئة الأولى والثانية ” برزخ لا يبغيان ” ولا توجد أية غاية وحدوية تروم النهوض بالفكر الإجتماعي وتخليصه من شوائب الإنحطاط و التقهقر .
أما إذا حاولنا مقاربة الدرس السوسيولوجي داخل إطاره الأكاديمي ، المتبع في الممارسات التعليمية في الجامعات المغربية ، فإننا سنصطدم بحاجز متين يشكله ثالوت ” عقدة إثبات الذات / والبحث عن التميز النمطي / والتهكم المايوطيقي على عقلية الطلبة ، والنسيج الذي يجمع شتات هاته المكونات الصرفة ، هو غياب المسؤولية العلمية والأخلاقية التي تعتزم النهوض بعلم الإجتماع المغربي ، وتكوين طلبة أكفاء لهم ما لهم من الثقل المعرفي ، وكذا توفرهم على الرؤية الثاقبة بعين السوسيولوجي المجدد .
وقد تبين هذا جليا من خلال المستوى المعرفي والتكويني لبعض طلبة علم الإجتماع إن لم نقل معظمهم ، مما سيؤدي إلى فقدان الأمل في جيل جديد يستطيع أن يحمل مشعل ” محمد جسوس ” و يبحر به إلى بر الأمان . لكن ما السبيل إلى ذلك في ظل تواجد كل هاته العقبات ” البشرية ، والتنظيمية ؟
و صحيح أن إسهامات الباحثين الحالية ذات قيمة ابستيمولوجية ، تستوفي كل شروط الكتابة و التحليل السوسيولوجي ، إلا أننا ما عدنا نطيق تحليلات بول باسكون ، و بريتشارد ، وغيلنر ، ودافيد هارت ، وجون واتربوري … وغيرهم من رواد السوسيولوجيا المغربية مترسخة بكل أدواتها شكلا ومضمونا – بشكل مبتذل – في دراسات وأبحاث الأكاديميين من أهل علم الإجتماع . فمن الواجب أن نميز بين الظرفية التاريخية التي كانت متأصلة في كتابات ” الأولين ” و التحول الإجتماعي والسياسي الحاصل في آنية النسق البنيوي للمجتمع المغربي
ولأن علم الإجتماع هو علم ” الإزعاج و التنقيب والحفر المباشر في ظواهر الأشياء و جواهرها ، حتمت علينا الضرورة الميتودولوجية ” النقدية ” أن نطرح القضية بشكل مباشر ، مبتعدين في ذلك عن لغة الخشب ، و التحيز النسبي أو المطلق لجهة معينة على حساب أخرى ، وقد كانت هاته الكلمات نابعة من الإحساس بالمسؤولية ، والتطلع إلى الإستقلالية التامة ، و الأمل في مستقبل مغربي سوسيولوجي متفرد ، هدفه التخلص من أغلال السوسيولوجيا الكولونيالية .