الكورونا ما بين الواقع والمأمول / بقلم : دعاء العوايشة و مريم إياد

في بادئ الأمر لم يكن يتناسب مع اسم ” التعليم عن بعد” بل كان ” البعد عن التعليم” بينما أنت طالبٌ لا تناسبه سوى التفاعلات المباشرة، في ذلك اليوم عدنا إلى بيوتنا، كما العادة بعد انتهاء يومٍ دراسيٍّ حافل، أتى المساء ولم نع بعد أن أُعلِنت حالة الطوارئ أن الصباح سيحتاجُ أسابيعا كي يطلُع … وأن الحياة ستتوقف بشكل مُفاجئ ، المفلت في الحدث الكبير أن الحياة الجامعية ستتوقف بشكل عملي ، كل التوقعات فاقت القدرة على السيطرة …

كان شيئا جديدا، استُحدِثَ كما تُستَحدَثُ كل الأوبئة الجديدة، وكان الوضع الراهن يُقرَنُ بِأُسبوعين ” لِفحص الحالة أو لِنسيطر على الأوضاع أو لِ….”  كنا نتخطى الأيام الواحد تلو الاخر، والأحداث خبرا يتبعه موجز ومن ثم قرار دفاعيٌّ جديد ينص على ” كذا وكذا” سلامة المواطن هي الأهم، والوباء يتفشى، وعادوا ل يقولون لنا ” مع الشمس بينشف وبيموت” يعني أن الصيف ببهجته وسهراته اللطيفة وليله القمريِّ سيحل كل شيء،. أجل، لن نبلغ شتاءً آخر ونحن على هذه الحال، سيغدو الشتاء القادم في المعاطف وعلى الطرقات والأرصفة وقاعات التعليم ومقاعد الدراسة، و…. بيئةٌ جامعيةٌ نُسِفَت وننتقلُ فُجاءةً لِأُخرى …

لم نكن على استعداد

أعلنوا إيقاف التعليم لمدة أسبوعين أن ذاك ثم نستنكف حياتنا، كنا ننتظر أن ينفض الصباح أشرعته، تتوالى الروتينات والاحداث الجمة والصباح ما زال في سبات، عبرنا الأسبوعين ثم علمنا من الصديقات أن التعليم انتقل نقلا كاملا إلى ال” عن بعد” وأين أقف، عند أي فكرة؟ الصديقات ام التعليم أم عن بعد تحديدا فهنا كانت السيئة الكبرى،. مراحل التعليم كافة، من رياض الأطفال للمدارس بمختلف مراحلها الصفية بالقدم إلينا ” الجامعات” وأول ما يخطر بالبال بعد التعليم الذي نُسِف عن بكرة أساسه وجذور لُبِّه هو الكلمتان المتكررتان اللتان تتلفظ بهما الأغلبية ” الأولاد ضاعوا” …..

ضعنا و تشتت الأفكار فكرة بعد أخرى ، ضاع أمل من ينتظرون شهادة التخرج و تنازعت الاقتراحات حول تعليم بديل ، أصبحت الجامعات مجردة من الطلاب ، مجردة من الحس فيها، أين من كانوا يجوبون بين الممرات والأزقة، عند مكاتب العمداء والأساتذة المفَضَّلين، وهروباً بالمشي على أصابع الأقدام من أمام مكاتب الأساتذة الذين قل ما يروقون لِأحد، ذهابا للباحة، دخولا للحرم الجامعي، والمكان الذي كان في الشتاء يعج بالشعور الذي لا يُفسَّر، تدفئ نفسك بكوب النسكافية، بعضهم ينجز فروضه ويحفظ ما حدده الأستاذ في الامتحان، وبعضهم يآخي آذانه لصوت الريح في الخارج متأملا نزول المطر كي يغسل ما في القلب من غل على هذا الصرح الذي عشقه واختاره بعناية بالغة، وبعضهم فيروز ترافقه، وصوت ” معلم المطبخ” يروح بالمكان ” سفري ولا طاولة؟” يدخل البعض موحلو الأقدام، والبعض الآخر يصرخون، ” عم ترمي ثلج برا” يهرع الجميع اناثا وشبان، ها، ننسى البرد وننزل لنغتسل ولنحيا من جديد، ” يا بنت لك بديت محاضرة العشرة ونص” تركض مجموعة من الفتيات إلى القاعة لينهلن من ثقافة الحياة وعلم الأشياء،. هذا ما كان يجب أن يكون عليه حالنا الان لكن، نكتفي بالصراخ بين اهلينا” مش عم بفهم يا ماما، النت بضل يفصل عندي بدي افهم وأخذ معلومة انا، ماما” وتكتفي بخلق النزاعات كي نفرغ عن أنفسنا، أو البكاء،.

اما الان وقد أصبحت مناقشة مشاريع التخرج شبه سرية وتستمر الفوضى ، أصبحنا ننتظر كل إعلان حول الفايروس وننتظر خبر ينقذنا من فجوة التعليم الإلكتروني.. وماذا ننتظر بِالله ماذا؟!!!

 

لست أدري كيف لكلمتي ” الاولاد ضاعوا” أن تعبر عن كل ما فات،. أو لست أدري كيف لكلماتي أن تقول ما يجب أن يُقال، الكلام يكثر،. هنالك صنف كبير لا يفقه أن لم يتواصل مع استاذه في القاعات الصفية وجها لوجه ويتلقى المعلومة من أمام وجه الحضور، وصنف آخر لا تمكنه إمكانياته المادية والمعنوية وبيئته من المشاركة وإعطاء مهمته الدراسية حقها على الوجه الأكمل … لست أدري إلى أين يجرنا هذا الواقع الفاسد، وهذه التطورات الغير مرغوبة، طابَعٌ فُرِضَ علينا،. وحربٌ لا علم لنا متى تنتهي والبعض يردد ” أُلعوبة” والبعض الآخر يكاد يموت خوفا،. أريد أن ارتدى ثوب تخرجي في الغد ككل الخريجات، وأريد أن أحمل شهادتي التي أفنيت من أجلها سنينا طوال في مراحل الدراسية وألوح بها عاليا،. وأريد أن أقبل رأس ابي والدموع تغمرني، واقول لأمي : ” لقد فعلتها” اريد ان لا أحصي لفرحتي قدرا ولا عددا، أريد ان أبكي فوق منصة التخرج كالجميع،. وأن أدخل في دوامة ” تحضيرات ما قبل التخرج” التي تمتد لاسبوعٍ على الأقل، وأبكي فيها لأنني لا أجد الوقت لأنهي كل مسؤولياتي اتجاه فرحتي، التي يلبسني الخوف غدا من أن أقول عنها والدموع تغمرني حين اذهب للجامعة ل اخذ شهادتي بكل هدوء وانا اكمم وجهي وكفاي وأتعمد عدم الاقتراب من أحد كأنني وباء لا يزول إلا بترياقٍ ما  ويا فرحة ما تمت “………

أريد متأملة وخائفة من واقع يمتد فيحرمني مما أريد

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!