معان / بقلم : الأستاذ الدكتور   سلطان  المعاني

الأرض  البكر  بتلالها  وأوديتها ، حلم  العارف ،  تجسيد  الرؤى ،  اشتياق  المغامر ،  عناد الحجر  الممعن  بالانتظار ،  حارة باير ،  مربض  قوافل  الإبل  في  طرقات  وادي  السرحان ،  ريح  الصهباء  في  مضارب بني  مرة ”  أخت  إرم  ذات  العماد ” وحارستها ،  مستودع  الذاكرة  من ثمود  إلى  ضجعم ”  نزهة المشتاق ”  في  اختراق  آفاقها ، وجهتنا في  رحلة  الكشف  عن النقش  القديم.
سلسلة الشراة ،  هي  قصة  الأرض  المكللة  بالغار ،  والتي تماهت  دما  في  شرايين  فارسها  العربي ،  فكانت  معشوقته  التي طرزها  قلائد شعر  له ،  وقدمها  أنثاه  الجميلة  فصارت  ندى لوادي  رم ،  وواجهات  البتراء ،  ونبراسا  لدروب  الحرير  والبخور ، وهي  العصية  الجسورة بخيلها  وفوارسها ،  والسهم  الذي  شق  عباب  الغيم  ،  لحظة  لامس  جفنيه  ريح  الصبا ،  فصارت  حجارتها  ونقوشها   مستودع  سرها  وسيرتها ،  وضمير أمتها ،  حيث  لم  تستطع الإمبراطوريات  العظيمة  ،  بجيوشها  الجرارة ، أن  تمحو  سطرا  واحدا  من  ملحمتها  على  حجر  صلد أو  ظاهر  رجم  في  رأس  النقب والحسمي  والراجف  والخزعلي .
معان وأنت  أسيرها ،  أسير ألقها  وعنفوانها ،  أسير  لون  الرمادي في  تربتها  المسكونة  بالغار  على قممها  وسفوحها ،  المضمخة بدم  شهدائها وقد  خبت  خيولهم  في  ميادين مؤاب  وباير  وقاع  الجفر ، وفي  ركني  معان  الشامي  والحجازي ،  وقد عقدوا  العزم  أن  تظل  السيف  الذي  ما نبا ، والقناة التي لا تلين .
معان  وقد  تماهت  في  القريب  البعيد ، وفي  الحاضر الغائب ، في  سويداء  العين  واختلاج الحنايا ،  هي  معان ، دون  غيرها ، مواطن الأجداد  مذ  كانت ،  على مفرق  المجد ، كما الأمس  والحاضر ،  وقف ابنها  فروة  الجذامي ، وهو يقرأ  على أهلها  سورة الإباء ، وهو المهيب في  حضرة  المكان  الذي  أسكنه  أهله قوة  الروح  وشريان  الحياة .
مشكلة  في  ما بعد أعظم أسطورة  بنتها تلك الأكف  السمراء  والأجساد  النحيلة ،  والكثير  من الجوع  والعطش ، الأمر الذي  ساهم  بأن ترفع  دولة  الأنباط العربية  وتيرتها   بقوة  وتعمل  على  صون  تلك المقومات  لها  حتى  تملأ الأسماع  وتغازل   القلوب  وتترك  لنا  حنينا  لا ينضب  للحارث  الثالث ، علاوة  على  ما استطاعت  هذه الدولة  أن تحققه  من  دور  ريادي  بالإبقاء  على حركة  التجارة  المارة  عبر  المنطقة ،  ضمن  مستوى   عال  من الأمن  في  كافة  مناطق  نفوذها ، والذي  امتد  في  كل الأرجاء  والفضاءات  ،  قلبها  الأردن ، وأذرعتا  في  سيناء   والحجاز  وحوران  وسواحل  البحر  المتوسط  في  فلسطين .
وتبقى معان  مستودع  الأسرار  والبوح  معا ، تشكلت  فيها  توليفة  الحروف ، كوفية ، وحجازية  ،  وشامية  هناك ،  تتحدر  الروح  على بواباتها ، بأنسامها  الندية ، وطغيان  موسيقاها  ،  وقد  داهمتك دهشة الحرف  الثمودي   التبوكي  ستة  قرون أفقيا ، رأسيا  ، دائريا ، ليطبق  عليك  جهاتك  الأربعة .
معان ، الأرض  المسكونة  بالوديان  والشعاب ،  شرايين  الوادي  الكبير  وأوردته  الممتدة  على المدى من  الحجاز  حتى  مشرق  الشمس  ومغربها ، في  أودية  شرقي  الجفر ،  ودي  الغرة  ،  حدرج ، آبار بني  مرة ، العاذرية ،  وأم  الظواين .
معان ،  قبلة العاشق  رغم يباب  الأرض  وشح  المطر ، ورغم  هروب  المجرى  وهو يركش  إلى القاع، وإلي  البعيد  حيث اللامستقر .
معان ،  مولد  السهام  الصوانية ،  مناجل  المزراعين الأوائل ، ميدان  طراد  الخيل ،  مربض  الضعائن ، فمنذ  استقام  عود  البشر ، كانت واحة الجفر  بكل  كهولتها  وهيبتها  تشهد أولئك  الذين  جابوا  المكان  في  العصور  الحجرية .
وقد  كرست  النقوش  العربية  الشمالية  والنبطية  ،  تاريخا طويلا  لحركة  دائبة  في  منطقتنا ،  ووشت  بالكثير  الكثير  من أسرارها لاستكناه  مكوناتها  الثرة  والطافحة  بمجد  العصور  الممتدة  إلى  ما قبل  القرن  الثاني  قبل  الميلاد ، مما  يحتاج  إلى  بحث   مستفيض ،  ووقوف  طويل  لاحصاء  ومحاكمة  هذا  الكم   الهائل  من النقوش  والنصوص  والأثر ، وبما  تختزله  حجارتها  من  عوالم  ظلت  صفحة  مطوية  الاف  السنين لأجيالها  الحاضرة ، ولتلك  التي لم تأت بعد ،  بتناغم  مذهل  لاتجاهاتها ،
معان ،  إيقاع  القلب  المسكون  بالرفعة  والقوة  والآفاق ، وهج  الشمس ،  حد  السيف ،  سنان  الرماح ،  اقتراب  الجنة ” طيبة وبارد  شرابها ” ،   حدو  عيس الأردنيين ،  وقدح  الموريات ، وصبح المغيرات .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!