تعبت من حقائب السفر الفارغة التي أحملها كل يوم . لا أريد السير على خطى المجانين ، وأن أعلق أمنياتنا في نوافذ الموت .
لست بخير هذه الأيام ، أعاني من آلام جهة القلب ، قلب حبيبك أصابه التعب ، ترتفع أحيانا سرعة الضربات وتنخفض أحيانا أخرى ، أحس بجسدي يريد السقوط ، وأنا أريد الوقوف من أجلك ومن أجلي ، لا أعلم ما هذا الشيء الذي يحفر بشراييني .
لكني سأصبح بخير ، لا زال لنا وعد في اللقاء ، لم أعد مسكونا بالخوف ، حتما هو الموت ليس مرعبا ، حتما سألتقيه بدون شك في مكان ما وفي زمان أخر ، لكن ليس الآن .
أتمنى أن أكون معك وأن أمسح عنك الدموع المنزلقة من عيناك الصغيرتين .
فكرت البارحة أن أحزم حقائب السفر الفارغة وأن أشعل سجارتين في نفس الوقت ، وأن أشتري لجارنا الوحيد ساقا خشبية يتكأ عليها لتسنده في المشي ، ويساعدها في الوقوف . لا زال يفتح نافذته للحمام وللعصافير و يسقي وردته البيضاء ، يخسر كل يوم في لعبة الورق والإغراء ، يغريه المساء في جولة طويلة العمر بجانب البحر
والغابة ، لكنه لا يستطيع عاجز عن المشي، عن الحلم .
تؤرقني فكرة أن لا نكون معا ، أن أمشي وحيدا على الطريق ، على ذكرياتنا وصوت الريح . إن الفكرة هذه تدفع رغبتها الجارفة في الانتقام مني، من غيابك ، من حضور الحنين وفنجان قهوة يتجاوز جريمتها ، جريمة الانتقام مني ، سلامة على حروفها على حضورها ونسيانها .
إنني أحبك و أحب حكاية “بين القوسين” هل تتذكرينها ؟
كم ضحكنا حينما حكيتها لي ، لا زلت لا أنسى ذلك الطفل الذي ضحك معنا . هكذا أنا أحارب الفكرة التي تؤرقني والفكرة التي لا تصلح سوى للنسيان …
إنني أحاول صيانة ذاكرتنا المشتركة ، ذاكرة بحر
وشجر و ورد و قصائد وعناق و قبلات تعانق شفتين ، تعانقنا و تجتازنا قبل الشروع في كتابة هذه الرسائل الفارغة من ساعي بريد يحملها .
على ذكر السفر في رسالتك الأخيرة ، أنا أحب السفر لكن كل الطرق مغلقة باتجاهك ، فلا الطائرات تحمل قلبي ولا السفن الطويلة العالية تتسلق إلى قلبك . إنني هنا أسافر إليك كل يوم ، كل حين عبر الخيال والذاكرة ، عبر رسائل تتجول سائحة تنثر كلماتناوتجمعنا في غيابنا ، تجمعنا في الشقاء
و الفرح ، في مذاق القهوة وتغاريد العصافير التي تطل كل يوم على نافذتي منزلقة من رتابة الحياة ، من صور الغيم وأغصان الشجر ، تطل واقفة تنظر إليّ وأنا حامل لصورتك التي أتسلق بها مراتب الغرق .
حبيبتي إنني لست بخير هكذا ، وهكذا بصمت أمرر هذه الأيام الفارغة في لوعة النسيان .
أنا هنا في الليل ، وعلى عجل تُبنى بلاد بلا أسوار في رأسي، كأن يحرسها الجندي و هو راعيا ، أو أن يمسك البستاني مهمة الطبيب حيث فقط كل البلاد مطمئنة . هكذا أنا أقضي أغلب الأوقات في الليل، لا أستفيق من خيالي حتى يُقرع الباب
و يدخل الآخر بكل قوته ليخرجني مما كُنتهُ وما كنت سأكونه ، إنني أحبكما كثيرا ؛ أنتِ وأنتِ ، لا أحد ينتظره الماضي ولا أحد يتذكره صديق قديم هنا . لهذا أحبكما بلا سبب في الحب …
لا أحد اليوم سينقذني من هذا الليل الطويل لا أحد ، لا الحنين ولا الغياب ولا نسياننا ولا دخان قبلاتنا ، لا أحد سيقذني سواك ، إن قلتِ أنا قادمةٌ أنا قادمةٌ ، حينها سأجهز لك قصائدا ويدا وكأس نبيذ وقبلة تشعل النار .
إنني أبحث عن نفسي ولا أجدها فهلا قلت لي شعرا رائعا في رسالتك القادمة ، أكتبِ لي كيف تراك المرايا ، كيف يذوب السكر فيك ، كيف تمسكين الورد وكيف هو عطر الغموض في “كولونيا” ، وكيف هو مذاق القهوة في شفتيك ، كيف هي خطواتك السريعة والبطيئة ؟؟ .
أخبريني كيف تعيش حمامتي البيضاء في الغياب البعيد البعيد .
سأترككِ الآن لأنني سأخرج مع بعض الأصدقاء إلى المرسى حيث نمنا تحت الغيم فوق الماء ، نمنا بجانب الملح بلا حارس الحدود الشمالية ، الذي كان اسمه القلق .
وداعا إلى رسالة أخرى ، إلى حنين و وردة …