رسائل لا تحتاج لطوابع أو ساعي بريد (4)/ بقلم :عاطف معاوية

رسائل لا تحتاج لطوابع أو ساعي بريد (4)

.

لأننا لا نستطيع اللقاء ، لا نستطيع السفر، قررنا أن نكتب هذه الرسائل على إيقاع الغياب والنسيان .

أنا أمام فنجان قهوة ومكالمتك السابقة التي كانت قصيرة جدا ، لا أعرف لِمَ صوتك رقيق ومخيف اليوم ، لكن سيبقى في ذاكرة الكلمات العقيمة التي لم يخرجها القلب بعد . وحيد في الظهيرة أغرد على موسيقى مرسيل، أجمع بين الصباح والمساء ، أجمع الورد في حديقتي البالية من فكرة سجين هرب . لقد اتفقنا على أن ننام باكرا ليلا وأن نستيقظ باكرا ، اتفقنا على فكرة البعد وعلى الغياب .

أتذكر حين التقينا على فراغ صباح في بداية أسبوع ممطر، تحت سقف منزل مفتوح للأحلام . متى ستعود البداية لبدايتها لنعيد رسم الابتسامة وذلك الحماس ، كانت البداية سؤالا وهل غاب الجواب في نهايتنا ؟ ربما غاب ! غاب كما غبت أنتِ ، كان السؤال كم الساعة ؟ وكان الجواب ما الساعة

واسم من يسأل عن الساعة ؟

رتب العالم لقائنا تحت ما سماهُ الله القدر ، وسمته الحياة بالبداية .!

كانت بداية دافئة وكان المطر خلف الزجاج ينتصر لذاته وللسماء ، ولذلك العجوز الذي يصرخ كل ثانية

“خير الله ، خير الله”. لم تحملنا صورة مربعة لذكرى البداية ، لأسباب أخرى نسينا أن الوقت يمر ، وأتقنا لعبة العينين وفكرة مجردة من صورة تحتفظ ببدايتنا ، بسقوط المطر الأول بعد صيف جاف ناشف …

ها نحن بلا ذكرى ، بلا صورة ننساق بها في لغة البقاء والحفظ . لكننا انسقنا للهروب بذكرى البداية القصيرة المرسومة فينا إلى آخر العمر ، إلى آخر ممر في النسيان .

 

كيف أصف لكِ خيبتي (صدمتي) عندما زرت الطبيب وقال لي : عليك أن تستغني عن القهوة وعن السهر، تقبلت ألا أسهر كما اتفقنا ولكني لم أتقبل أن أضع نهاية للقهوة ، لذلك الطقس اليومي والمذاق الذي يحملني لشفتيك ، لحنينك ، يحملني للزمن الجارح والمدهش فينا وفيما عشناه هنا عبر الساحل المتوسطي ، لكني سأخفف منها ولن أقطعها فهي مهنتي الأولى في الحياة ؛ هي عبادة .

الذين اعتادوا على الشاعر الذي بداخلي أدهشتهم نصوصي النثرية ، أدهشتني كلماتهم وذلك التشجيع المستمر . إنني أصبحت أقرأ كثيرا وأكتب قليلا ، لا زلت أخطأ في الوقت المناسب للكتابة .

حبيبتي ؛ هذا الغياب لن يتمكن من القضاء على رغبتنا الجارفة في البقاء في الحب، في الكتابة .

حبيبتي ؛ لا تخافي، إنني بخير الآن، لدرجة أني أسخر من الصيف بطريقة مختلفة وأكرهه كما كنت سابقا معك أو قبلك . سأنهي رسالتي بقصيدة كتبتها لك ، بعدما تجددت دماء الحياة بيني وبين القصيدة ..

” في غيابكِ ”

 

هل تكفيني النجمات

لأشعل السماء ؟

 

هل يصغي الليل

لموسيقى الكمنجات

و لو مرة واحدة

في غيابك ؟

 

طرق روما أغلقت كاملة

في غيابك

 

في غيابك ألوح

للطائرات البعيدة

ألوح

للعصافير

و أحذية

نسيتْ

أقدامها

 

في غيابك

أعانق وقت الظهيرة

و أسمع لأغانيك

أدخن سجائرا بالية نسيتها قبل عام

 

في غيابك

أعاتب

هموما

تباغتني في حضورك

 

في غيابك

أسرق رسائل العاشقين

من البريد

قبل أن أرمي

آلامهم

في أعذارهم

العارية من الحب

 

في غيابك

تتوقف السماء عن البكاء

و أقتل الوقت الطويل

أقتل

بحراً نائماً

و أكنس وجهي

من صورة

حلم

مجهول الهوية

 

في غيابك أصلح أعطاب قلبي

من البقية

لتكونِ السيدة الأوحد

في سيرة الغياب ..

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!