كانت أمي / بقلم عمر محمد

كانت أمي تَدسُ القصائِد في فِنجانِ قهوتي في كُل صباحٍ
قبل ذهابي للمدرسة وتضعُ بعض معالق الحروف فيه كقطع سُكر، وتهمس في أُذني لا تُحفظُ الكلمات يا صغيري أن لم تتكرر
ومعادلاتُ الرياضيات و الفيزياءِ في بحرُ ذاتُكَ تُسجنُ وتتحرر
أنتَ السجانُ لها وأنتَ السجينُ ذو العقلِ المُدبر
حرر هواكَ وأزرع في قلوب البشر بذراً مُثمِر
وَلَكِن في غربتي كنتُ كطفلٍ يتيمٍ مُنذ أن فارقتها ما زلتُ أبحثُ
بين الأطباقِ عن ملعقةِ تعصر…درر!
والقصائدُ أكررها لأستخرج عسلاً مُكرراً …
عسلاً كان يقطرُ مِن أصابعها كخليةِِ مِن سخائها
حباً وكرماً في بطون السطور تَقطُر ،،،
كُنتُ صغيراً حينئذِِ ولم أكن أعرفُ أن النصوص التي تُكتب
تمرُ بخجلٍ مِن بين يديها
ولم أنتبه كثيراً لهذا الشيء ربما لأنني كُنتُ أغفو على صفحاتِ قصائدها التي تُحيكها بعد صلاة العشاء
وتطرزها بِبسمِ الله لتبدو فاتنة كما المُعتاد فأثملُ أنا بالقصيد
رغم صغر سني كُنت أرىّ الحروفَ على هيئةِ مكعباتِ سُكر
ولطالما كُنتُ أُخبِئُها تَحت السريرِ خوفاً مِن أن تراني أمي
وأنا أكثرُ في الِليلِ مِن تذوقِ ألذ ما يُذكَر
كانت تلك الحروف تضيءُ لي عتمة قلبي الصغير عندما أغفو بين أحضانها
ألا أنني أكتشفتُ مؤخراً أن أمي لم تكن تكتب
ولا تجيد القراءة
كانت أمي مُثقفةً في أدب المحبة، شاعرةٌ رحمةٍ في عصر الظلم،
كاتبةُ نصوصِ العطف والحنان في موسوعة قلب أطفالها
تلك القصائد التي كُنت أقرأها كانت دموعاً وبعضُ
الأحزانِ مِن خيباتِ الدهرِ التي قابلت أمي ….

أذا كانت أحزانُكِ بطعمِ السُكر فيا أمي ما هوا مذاق أبتسامتكِ ….!

عن جودي أتاسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!