مقعد الكارثة ../ بقلم : عامر الطيب

أنتظركَ في مقعد الكارثة
لقد اجتزتُ مقاعدَ اللعب و الخيبةَ
و النسيانِ و التعود .
كانت رحلة خرافية
لكني أكملتُها و وصلتُ بقميص فاتنٍ
و جسد منحط.
هدأتُ قليلاً ثم اتصلتُ بكَ لأطمئن،
قلتَ:
لي أنك في مقعد النسيان
نبهتك كن قوياً
سيدور بك مرتين فقط
ستتوارى عن معرفة نفسك
لكن مقعد العادة سيجعلك
بصحة جيدة مرة أخرى.
سألتني:
حسناً لم لا تكملين طريقك
ما زال النهار مناسباً ؟
فأجبتُ
بعد مقعد الكارثة يوجد مقعد الحب
هذا ما أنا متأكدة منه الآن
أقصد أنني لا أستطيع أن أنتظرك
في مقعد الحب وحدي!

أنا في هذه اللحظة التي آكل فيها
شيئاً سريعاً و أكمل تعبئة نفسي
أشبه امرأتين وحيدتين
في بخار كثيف
يسبان مصيرهما.
لقد عاشت كل واحدة منها
نذالة ملاكها الحارس.
قالت إحداهما :
تخلى عني من أجل امرأة بارزة
فردت رفيقتها :
لقد فعل الأمر ذاته
ولم يخبرني .
أنها القصة التي ستتحول إلى سخرية
ساعة ما يكتشفان
أنه الرجل ذاته
الذي هجر كل واحدة منهما على حدة
و أحبهما معاً !

يجب أن تعلم الوردة على المشي
إذا غبتَ أو انشغلتَ
انتقلت خلف الليل
أو اختفت عن الأنظار .
ثمة عاشق يقطع الوردة لأنه مستعجل فقط
و ثمة آخر يفعل الأمر
لأنه اعتاد مثلاً .
يجب أن نعلم الورد كله على المشي
أو على الانحناء إن أمكننا ذلك
حبنا في القادم سيكون صعباً
و لن تساعدنا حبياتنا إلا إذا
أهديناهن وردة
تنحني لتبدو مبجلةً
أو تمشي لتبدو و كأنها فهمت الدرس!

منظر حبكِ ببدلة أنيقة
على الصليب لم يخطر على بال أحد
قبل أيام.
لكني تخيلته الآن
بأعصاب منهكة يحاول
إرخاء ربطة عنقه.
و كلماته الأخيرة يجب أن يختارها بعناية
لا يمكن أن يخاطب الله
كطفل ضائع في الحال:
” أبي لماذا تركتني؟ ”
لم تعجبه العبارة فحاول أن يقول:
” أبي لماذا تركتَ بدلتي تتسخ؟”
بدت نهاية غير مناسبة للأبطال
فأعادها بحذر أشد:
فلتكن أطراف الصليب نظيفة على الأقل!

بيننا شعرة حادة و رفيعة و لا أقول
ذلك لأني قلق من أن يقطعها
أحدنا بفورة ندم و بهتان
إنما لأني أخاف
من أن تتصلب أو تتحجر إلى أن تبدو خشبة
لا يمكن اللعب معها
و عندئذ يصير لحبنا اللطيف
صفة واحدة
و هذا أمر مضحك مثل إحاطة المرء بكل شيءٍ
لأنني أعرف عاشقين
تحولت شعرتهما الرفيعة إلى خشبة
فتزوجا فوراً !

إذا قدرتِ أن تطيري
فافعلي ذلك بإلحاح الآن لا غداً.
ان إمكانية فعل أي شيء في حب نادر
يجعلنا سعداء لأوقات طويلة
نموت و تعاد سيرتنا
للتندر و عدم التصديق
أو نشيخ فيتودد لنا الصبيان لنحل لهم الأمر.
ستكونين قد نسيت أنك طرتِ في حياة غابرة
أصلاً
لذلك أطلب منك
أن تحاولي فعل شيء عادي
لكن أشد إسعاداً
لنفسي من الطيران!

يمكنني أن أرتجل حبك الآن
بطلاقة أكمل كل شيء وحدي.
أنصب نفسي رفيقاً و أتعذب في الفراغ البارد
أو أحمل مصباحاً سحرياً و أضيع طريقي.
يمكنني أن اتمثل النهاية
مرة أخرى من دون أن تكوني حاضرة
تلوحين في مكان قصي.
فعلا أن ذلك الهرج لم يحدث في الواقع،
ابتكر العشاق الرومانسيون
مشهداً سخيفاً للتخلي
كأن يغادر المرء غاضباً و متأسفاً
فتلح المرأة بالتلويح فقط .
تلك هي الحلقة الأكيدة:
يجلس العاشقان بهدوء رتيب
ثم يغادران معاً
و تظل الموسيقى راكدة
لأن العالم لم يؤلف بعد
ألحاناً سريعة للنسيان !

لم يسلبني الله حريتي.
وهبني
يدين و عينين لأتعرف على المقبض،
طعم المرارة و طعم المرح
أيضاً .
حماني من الصحبة و شاهدني أبدد
سعادتي ولم يفضحني.
لم يسلبني الماء و لا الهواء
حتى في السجن جعل الضوء بديلاً
إضافة إلى صور النساء الحسناوات
التي كانت تنعش ذاكرتي الملساء .
لم يسألني أين انقطعت
و لم يلح علي لأعتذر،
لم يهبني فرصة أخيرة لأحبه
بطريقة مبتكرة أخرى
كانت تكفيه الصدفة الأولى :
أن أتأكد منه في الظلمة النائية
و أطفئ النور !

رأيت ما خلفي و ما أمامي
فلم يطب لي الوقوف
ولا القفز .
كلمات حادة كانت تتردد على لساني
و لو قلتها لعرف الآخرون
إن كنت شجاعاً أو مرتعداً .
صبرتُ لعل النهاية لم تكن مكتوبة
على غرار هذا المشهد
و كانت هناك فرصة أن أتبين
المتاهة الطيبة بين حدود الألم !

عامر الطيب

عن جودي أتاسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!