تراجيع أغانيها / بقلم : إسماعيل هموني

ما زلت أدندن تراجيع أغانيها في خلدي؛ علمني نايها أناشيد البقاء

 

هي من تعبر ؛ واقفة كالنخيل ؛ وجداني ؛تغسلني من أتعاب النسيان ؛

 

وتهديني عبق الصحراء الأصيل.

 

لساني من يردد ماهي نافثة فيه من سحر , كأنما فطر من حبها

 

هي فقط .والهوى غلاب كما يقول أهل القلب . لساني لا يبرح أن يلهج

 

بذكراها ..يذكر مشيتها على الرمل ؛ يوقع إيقاع قدميها الصغيرتين

 

على الكثيب المهيل ؛ يراها كالظل تتمايل وخصرها المياس يذوب في الفضاء

 

يرسم رشاقة غزال بري يعبر البراري بكل خفة و أناقة .آه ؛من مشية

 

طفلة الصحراء على نسمات الروح .تحلق روحي بعيدا في أجواء

 

العشق.أراني أقبض على روحي منصهرة مع نبضات قلبها ..تقول لي :

 

“تمسك جيدا بأهداب لوعتي ..ولا تفارق أبدا خيمة وجدي ..”

 

كدت أدرك أن المطر لا يبلل فقط ما ظهر منا .ولكن مطر اللوعه هو ما

 

يفيض من دواخلنا ؛ ويبلل قلوبنا ؛ويهبنا الأشياء في بكارة لا تبلى أبدا.

 

بدأت أفيض حقا من داخلي ؛كل شيء في بدأ يتحلب اشتياقا .

 

يستبق عوارض التعبير إلى دلالات الرقص بالوجدان . الصحراء لا تحب

 

الزيف ؛ تحب الفناء في الذات ؛والبقاء لأطول مدة في العراء .صياما دائما

 

عن التخمة..وإعلانا للسحروالحكمة.. حسبي منها جرعات من

 

العطش أقوم بهن أود وجودي. كنت أتحسس حلقي حين أسكب من

 

روحي ماءها ؛أجدني أشرب حبا يبري مني العظم ؛ ويحيلني نبتة برية

 

تقاوم كل عواصف البراري وتبقى دائمة الحياة؛في نبضها حيوات

 

كثيرات.. لم يعد قلبي يرضى لعلته بلسما سوى لسعات عطشها .

 

حتى إذا تمكن منه العطش ؛و تمادى في الإزدياد.. تحسن حاله ؛

 

وترعرع بالإنتشاء مقامه. تقول لي:

 

” لن تنال إدراك ودي مالم تقم بوجدي ..”

 

فهمت أنني مازلت طفلا في مدرستها تسير قدماي بخطى وئيدة ؛

 

أكاد أتعثر من قلة زادي .لكن الصحراء لا تتخلى عن صغارها أبدا ؛تقاتل

 

بشراسة لتحميهم من الاقتلاع ؛ وتلفح ؛ بفحيحها ؛ كل متربص بهم

 

دوائر السوء. لذا كنت أسير غير مكترث بوحوش الخلاء.سلاحي اليقين

 

الصادق بحدبها الرؤوم ؛ورغبتي العارمة في البقاء ملتصقا بها على مر

 

الدواهي و الأيام.

 

ليس بالمطلق أن الرغائب دوما عسيرة المنال ؛ فالدربة و التمنع عن

 

الابتذال جديران بالتمكن والإمكان . الرغبة سليلة الفداء ؛ وكل بقاء

 

مدعاة لهتك العراء . بالإعمار ؛وحده؛ ينبت جيل من أرواح السماء ؛ لا

 

يعرف سوى أنه منذور للحب و الصفاء.. تعاليم لا تجدها إلا في لوح

 

الصحراء. كأنما كتبت في بكارة التاريخ بمداد الحناء.

 

ليس زعما هذه العقيدة التى تراها معلقة على أهداب الوقت وأنت

 

تجوب معالم من صفاء البيداء..دوما تقودني طفلتي إلى أنوية صغيرة

 

من نقط الماء . حتى أشرب ظلي منحوتا من زهرة تقاوم عطش الحياة

 

ولاتتبرم عن النماء,بل تتبرعم في عطاء.. أينا سيكون عبرة للآخر؟

 

ذاك هو سر الصحراء ؛

 

ذاك هو سر الصحراء.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!