آفاق حرة تحاور الشاعر اليمني الدكتور مختار محرم

 حاوره / عبدالرقيب طاهر

 

مختار محرم صيدلاني وشاعر يجيد منح المريض روشتة دواء تحيي جسده المنهك بمتاعب الحياة ومشاغلها المختلفة؛ ويجيد أيضا منح القلوب أبياتاً من الشعر تسمو به النفوس وتصفو به الروح المتخمة بمنغصات الحياة المليئة بالمتناقضات ومتاعب حياتنا اليومية المليئة بالصراع مع كل تضادات الحياة من حزن وفرح و جمع و فراق وحب وكره .. مبدعنا جمع بين دواء الجسد و دواء الروح بين الشعر والطب … قال عنه الدكتور عبدالعزيز المقالح بأنه شاعر منذُ لم يصل فوه إلى الميكرفون؛ أي منذُ نعومة أظفاره فهو يقول الشعر وينظمه بالفطرة …. إنه ضيفي العزيز الدكتور مختار محرم شاعر مجيد.. له ثلاثة دواوين هي …(حنين المسافات) و (ضجيج على قارعة الصمت) و وديوانه الأخير اسمه (على حافة الحلم) .. التقينا به فكان هذا الحوار:

** مختار الطبيب ومختار الشاعر أيهما يكمل بعض ياصديقي العزيز ؟.

 

أولا مرحبا بك صديقي الجميل وأشكرك على هذه المساحة.. وحول سؤالك هذا وبعيدا عن الادعاءات والكلام المكرر عن طب الروح وطب الجسد سأجيب بواقعية.. الشاعر هو الأصل؛ ولد معي وتنفس مع أنفاسي الأولى، والصيدلاني هو التكملة.. فالصيدلة والتطبيب هي المهنة التي توفر حاجات الشاعر وتعينه على الحياة وتبعاتها وعلى الشعر.. إذ صار الشعر في أيامنا عبئا إضافيا من أعباء الحياة وبالعامية (ما يؤكلش عيش).. بل بالعكس صار الشعر يأخذ من قوت الشاعر وقوَّته.. وفي زحمة التزامات الواقع صار الشاعر يحتاج لأن ينفق على شعره وعلى طباعته ليصل إلى الناس.

** هل ترى للشعر اليوم مكانة إجتماعية محترمة على الأقل أم أن المجتمع العربي نسي الشعر تماماً وأصبح مهووساً بالمسلسلات وكرة القدم وسوشال ميديا ولم يعد أحد مهتما بالشعر كما كان سابقاً ؟ .

مهما تشابكت اهتمامات الناس وتعقدت تبقى للشعر أهمية وجدوى عظيمتين على الأقل في نفس الشاعر؛ فالشعر هو الواحة التي يتنفس فيها الشاعر ويزفر أدران الحياة.. وتجد لكل شاعر مجيد متابعيه الذين يهتمون ببوحه وصدى حروفه.. وربما ساعدت السوشيال ميديا أكثر في أن يعود للشعر حضوره ورونقه في المجتمع

**البعض يقول بأن الشاعران (البردوني والمقالح) قد طغيا على الساحة الأدبية في اليمن فتقزم كل من يأتي بعدهم في هذا البلد بعلامة أنه إلى الآن لم يحفظ المجتمع اليمني أي اسم لشاعر جديد ؟ .إلى أي مدى صحة هذه المقولة ؟.

صحيح أن للبردوني حرفه المسيطر على الساحة اليمنية والحاضر في تجارب الشعراء اليمنيين وبعض من الشعراء العرب حتى اليوم هذا في الشعر العمودي؛ وفي المقابل لا يزال الدكتور المقالح هو العلم الأكبر في الشعر اليمني الحداثي.. ولكن هذا الحضور للنجمين لا يلغي أن الأجيال الحالية والقادمة تحمل الكثير من الإبداع.. ربما كثرة الأسماء في الساحة اليوم هو ما جعل من الصعب أن يطغى اسم واحد على البقية.

 ** قلت في حوار سابق بأن قصيدة التفعيلة كغراب أراد تقليد مشية الحمامة ألا ترى بأنك بهذا التصريح تكون ناصبت العداء لكثير من محبين وكُتاب هذا النمط الشعري الحديث؟.

لم اقل ذلك. وأنا أكتب قصيدة التفعيلة.

 ** حراك ثقافي كبير تشهده اليمن رغم ما يمرُ به هذا البلد من ظروف اقتصادية و اجتماعية صعبة كيف تقرأ هذه الظاهرة؟ وهل تؤمن بأن الشعر قادر على تأدية رسالته في مثل هذه الظروف الصعبة؟ .

هناك حراك شعري لكنه يبقى فرديا وغير مؤسس له.. الشعراء والكتاب استفادوا من طفرة التواصل الاجتماعي واستطاعوا أن يظهروا للمتابع حراكا أدبيا.. لكن هذا الحراك في ظل موت المؤسسات يبقى حراكا وقتيا لن يأتي بالجديد ولن يترك أثرا.. يجب أن يكون هناك حراك مؤسسات تكفل تنظيم وتوثيق وتوجيه كل الأنشطة الأدبية.

** يقول أحد الشعراء بان القصيدة كامراة غجرية جميلة حين تاتي يجب عليك حسن ضيافتها والا سوف تتركك وترحل …. أنت بالنسبة لك هل لك طقوس معينة في الكتابة أو التعامل مع القصيدة حين تأتي ؟ وهل تكون أنت ضيفاً على القصيدة أم هي التي تكون في ضيافتك؟.

القصيدة امرأة.. ربما في ذلك شيء من الصحة لكن لا أدري لماذا غجرية! القصيدة كالمرأة.. مزاجية ومتقلبة بحسب عاطفتها.. أحيانا تكون كريمة طيعة وأحيانا أكثر تكون نافرة عاصية! القصيدة والشاعر ليس هناك أحد منهما في ضيافة الآخر.. فكتابة القصيدة هي لحظة لقاء بين الشاعر والحرف.. قد يأتي الحرف فلا يجد الشاعر وقد يأتي الشاعر فلا يطيعه الحرف. بالنسبة لي أهم طقوس كتابة القصيدة هو الصمت والهدوء الكلي الذي لا تشوبه همسة.

 ** أنت مدير تحرير صحيفة أقلام عربية وهو بلا شك صرح أدبي كبير لكثير من الكُتاب الصاعدين من الشباب على مستوى الأقطار العربية .. البعض يريد أن يعرف كيف تبلورت هذه الفكرة الجميلة ومن الداعمين لها؟.

أقلام عربية جاءت لسد فراغ كبير تشهده الساحة الصحفية اليمنية والعربية اليوم.. هناك سيطرة مطلقة على الصحافة الأدبية من قبل مؤسسات وشخوص وهذا جعل أمام المبدع الفرد عقبات في طريق نشر إنتاجه.. نلاحظ وجود المئات من أرباب الحرف الجميل في الفضاء الالكتروني فأردنا توفير مساحة بوح لها

** يقول الشاعر نزار قباني .. الحبُّ في الأَرضِ بعضٌ من تخيُّلنا / لو لم نَجدْهُ عليها لاخترعناه …… الحب شيء مهم وضرورة لا غنى عنها عند الشعراء من لا ينظم للحب ظل شعره رهين إدراجه …ماهي العلاقة الوطيدة بين الحب والشعر وكم أعطيت للحب في شعرك؟.

الشعر هو علاقة حب مفتوحة مع كل شيء في الحياة .

 ** هناك جيل جديد و كبير من الشعراء في اليمن من لفت نظرك منهم ؟.

هناك العشرات من الأسماء المتألقة في سماء القصيدة والشعر العربي اليوم وكلهم رائعون ولو أردت ذكرهم لن يتسع المقام؛ مثلا لا حصرا.. يحيى الحمادي وجبر البعداني وعمار الزريقي ومحمد المهدي وأحمد الجرف وابراهيم طلحة وعبد العزيز الزراعي وزياد القحم وياسين البكالي وزاهر حبيب وعبد الإله الشميري وأحمد الجهمي وعبد الحميد الرجوي وعبد المجيد التركي وعامر السعيدي وطارق السكري وفي الجانب النسائي سمر الرميمة وإيمان السعيدي.. والكثير الكثير من الأسماء الشعرية المتميزة والمختلفة

**ماذا تعني لك الكلمات التالية …. الشهرة. …الغربة … الوطن؟.

الشهرة.. جدران من وهم الغربة … تيه مطلق الوطن.. حلم كلما اقتربنا منه ابتعد

 ** بين الشاعر والسياسي خيط رفيع لذلك نجد الكثير من الشعراء سياسين والعكس صحيح .. من يخدم الآخر ويستفيد منه المثقف أم السياسي؟.

السياسة في الوطن العربي أفسدت كل شيء حتى الشعر! السياسة في بلداننا لا يستفيد منها أي جانب حياتي بنائي سواء أدبي أو اجتماعي أو رياضي فقد هدمت كل مقومات البناء في مجتمعاتنا! والسياسيون في بلداننا طفيليات اقتاتت على كل شيء ولم تنتج سوى الدمار والخراب.

** اسماء كبيرة مازالت عالقة في الذاكرة درويش السياب شوقي وكثير ينتمون الى عدة مدارس شعرية مختلفة .. ماهو سبب تربعهم على كرسي الشهرة حتى الان ؟وإلى أي مدرسة ينتمي شعر مختار محرم؟.

لا أحب كلمة (الشهرة) لأنها قد تكون تشهيرا أيضا.. فلنقل أسماء خالدة.. الأسماء التي خلدها تاريخ الشعر إلى اليوم تجمعها صفة واحدة وهي الريادة.. كل أولئك كانوا روادا في مجالهم وفتحوا للشعر آفاقا جديدة لم تكن مفتوحة من قبلهم لذلك خلدهم الشعر.

 ** لو كنت مكاني ماذا ستطرح من سوال على مختار محرم ؟.

دائما أسأل نفسي لماذا أكتب الشعر؟ الشعر هو حالة نعيشها رغما عنا.. إحدى ممارسات البقاء كالأكل والشرب والتنفس.. لا تحتاج لسبب محدد لنكتب الشعر فهو يأتي ولا نذهب إليه.. نكتبه لأنه أراد ذلك .

** ماذا سيهدي لنا الدكتور مختار محرم من شعره الجميل لمتابعي جريدتنا أفاق حرة ؟ .

ظلُّ الحب

 ما زِلتُ أبحثُ عن ظِلِّي فَلا أَجِدُهْ

 هذا هُو الحُبُّ.. دومًا مَوتُهُ أَبَدُهْ

 هذا هُو الحُبُّ.. دَربٌ في نهَايَتِهِ

 بَحرٌ تَبَرأَ من أَمواجِهِ زَبَدُه

 أَموتُ فِيهِ وأحيا دُونَ بُوصَلَةٍ

وأرتجيهِ وأوهامُ الورَى سَنَدُه

 كَآمِرٍ في سُجُونِ الكَبتِ يَجلِدُ بِالـ

 دُموعِ كُلَّ أَسيرٍ فِيهِ يَنتَقِدُهْ

 يَومِي الذِي فَرَّ مني صَارَ مَوعِدُهُ

 آتِيهِ يَسبِقُ سَبتِي دَائِمًا أَحَدُهْ

أَقودُنِي والخُطَى خَلفي وخَارِطةُ الـ

 أَشجَانِ تَسكُنُ أَمسًا لا يَرَاهُ غَدُهْ

وحدي أُفَتِّشُ عني فِيهِ.. ضَيَّعني

عُنوانُهُ وتَنَاسَى نِسبَتِي بَلَدُهْ

 رَأَيتُهُ في سُطُورٍ لا تَبُوحُ سوى

 بِالسُوءِ.. تُشبِهُ شَيخًا عَقَّهُ ولَدُهْ

 نَادَيتُهُ قَائِلًا: هَل أَنتَ…؟ قَاطَعني

بصفعةِ الصَّمتِ.. غَابَتْ في الفَرَاغِ يَدُهْ

 مُسَافِرٌ كَظَلامِ اللَّيلِ من وطَنٍ

مَيْتٍ إلى وطنٍ ما زَالَ يَفتَقِدُه

 كانهُ نَهرُ أحزَانٍ مُبَعثَرَةٍ

يَعُودُ بِالتِّيهِ والحِرمانِ مَن يَرِدُهْ

 حينًا يَلُوحُ كَسَيلٍ غَيرِ مُكتَرِثٍ

بالدَّربِ يَجرِفُ صَبرِي عَامِدًا جَلَدُهْ

 حينًا يُغَطِّي بثَوبِ الضَّعفِ سَوءَتَهُ

 يَخَافُ من فَأرَةٍ – لَو حَرَّكَتْ – أَسَدُه

 مَرَّتْ عَلَيهِ صُرُوفُ الدَّهرِ أَجمَعُهَا

حتى تَقَوسَ هَجرًا وانْثَنَى جَسَدُه

 وعَادَ والقَلبُ يَجرِي خَلفَهُ أَمَلًا

 كَالنُّورِ يَكفُرُ بِي، دَومًا، وأَعتَقِدُه

 ما زلتُ أَحسَبُ أَنِّي ظِلُّهُ، ولِذَا

فَقَأتُ عَينَيَّ حتى لا يُرَى رَمَدُهْ

 مَحَوتُ من جَبهَتِي آثَارَ سَجدَتِهِ

وعُدَّتِي في مَحَارِيبِ الدُّجَى مَدَدُه

 ماذا جَنَيتُ لِأبْقَى فِيهِ مُنتَظِرًا

يومًا يَفُوحُ ابْتِهَاجًا في الدُنَى كَمَدُه

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!