معالي طه الهباهة : لفلسطين ركن مهم في حياتي – الجزء الأول

عمان –  آفاق  حرة
اجرى الحوار  محمد  صوالحة .
ترددت   كثيرا  قبل   ان   التقيه … وكنت  اسأل   نفسي … هل  سأحاور وزيرا  ام  نائبا؟.

  هل  سيكون  حواري   مع  مثقف   ام  مع  اعلامي ؟  وكان  من اسباب  التردد  ان  لكل  صفة  من  هذه  الصفات   مدخلها  الخاص  فكيف   اذا بشخص  واحد   يحتوي     الصفات  جميعا ؟.   وكنت اردد في  ذاتي  كيف  ساحاصره  بالاسئلة؟. بايها  ابدأ ، وكيف  انهيها ؟.  ولم اتوقع  في  لحظة  ان  الحوار   سيكون ممتدا  وطويلا  وخاصة  ان  تلك  الابتسامة  التي  تعكس  لك    صورة  تلك النفس  الطيبة التي  تقابلها   وتتحاور  معها .
معالي  طه  على  الهباهبة  الانسان   اولا … النائب  والوزير  والاعلامي   والمثقف  والمتابع  للحراك  الثقافي  صاحب  الرؤيا  الواضحة والمؤلفات  الدبية والتراثية الكثيرة  …  كانت  لي  معه  هذه  الوقفة  والتي  ستستمر  في  اجزاء  وحلقات  اخرى  لنتابع   ولنشبع نهمنا  لفترة  لم نعشها  او كنا  في  طور تشكل  الذاكرة  وضيفنا  يسلط الاضواء  على جزء  من  هذه الفترة  المهمة  في  حياة الاردنيين  السياسية  والثقافية .

** الولادة  في  بلدة  ابو مخطوب  التابعة  لبلدة  الشوبك … وكما  نعرف  فإن للبيئة   دورها  في  بناء  الشخصية… فكيف  كانت  علاقة  معاليك  بهذه  البيئة ؟، وما هو تأثيرها عليك ؟.
–  أنا  كما قلت  ولدت  بقرية  أبو مخطوب  التابعة  للواء الشوبك  بأسرة بسيطة  مثلها  مثل  بقية الأسر في  ذلك  الوقت ، إلا أن بيت  والدي  كان  مضافة  لأبناء  العشيرة  والضيوف  الذين  كانوا يفدون لهذه  القرية  لاسباب  عدة ،  وقد وعيت  ذاكرتي  على الكثير  من  مجالس  الرجال في  تلك المضافة ، خاصة الغرباء  الذين  كانوا  يأتون  لاسباب مختلفة  اقتصادية  واجتماعية  واصلاح  ذات البين ،لذلك  تفتحت  ذاكرتي  على الأحاديث  التي كانت  فاكهة  السهرات في  تلك الليالي من  حكم  وأمثال شعبية  وروايات  بطولة   واستعادة لمواقف  كثير من ابناء  العشيرة  الذين  استشهدوا على أسوار  القدس  وباب  الواد .
ومن  هنا  كانت فلسطين  ركنا  مهما  في  حياتي ، فقد  كان هذا المكان  من  أبرز الأماكن التي  أخذت  بعدا مهما  من حياتي  وتربيتي  وطموحي  المستقبلي .
وأعترف  هنا  ايضا  أن  ابناء  جيلي  من أبناء  العمومة  والجيران  هم  أيضا  لا يقلون  أهمية  عني  فهم أيضا  عاشوا ذات  الظروف  التي عشتها  . ومن  هنا  فإننا  قد  تقاسمنا  ذكريات  المكان  والزمان ، وأذكر  كيف  أن  أحد  أبناء  الهباهبة  استشهد  على أسوار  القدس  وكنا    ونحن  صغار  نسمع  نساء  العشيرة   وهن يرددن  بعض  الكلمات  الوطنية  التي تحض  على الاستشهاد  وحب  الوطن   ومن  هنا  كنا  نشارك  ونحن  في  الصفوف  الأبتدائية  في  كثير  من المظاهرات  والاضرابات   التي كان  ينظمها  الطلاب  الأكبر  سنا ، وذلك من أجل  تحرير الجزائر  والوقوف  مع الثوار  والتبرع بالقليل  القليل  مما  نملك  من  مصروفنا  الى  اللجنة  التي  كانت  مخولة  بجمع التبرعات .  وكان للاساتذة  من  ذوي  التوجه  الوطني  والقومي  الأثر  الفعال  والدور  الكبير  في  خلق  هذه  الروح  الوطنية  في  نفوسنا  كأطفال  وهذا  دور  هام كانت  تقوم  به  المدرسة كمؤسسة  تربوية  واجتماعية   وثقافية .

** كطفل  لم تكمل  مرحلة  الطفولة  في  القرية  … حيث  كان الأنتقال من  بين  الأقارب  والجيران  الى المدينة .. حيث  الأختلاف  الواضح  في  العادات  والتقاليد والأعراف …وفي  فترة  كان  فيها  الفقر  هو  سيد  الموقف … كيف  تأثرت   بهذا  كله وأنت  ما زلت  على مقاعد  الدراسة .. وكيف  اثر  في   تشكيل  شخصيتك ؟.
= كان  الانتقال  من الشوبك  الى الزرقاء  بواسطة  القطار  حيث  كان  هو  وسيلة النقل  الوحيدة، لعدم  وجود  طرق  بين هذه المدن ،  والقطار  رحلة حيث  تمتد هذه  الرحلة  لأكثر من (12) ساعة ، وهذه  الرحلة  تعتبر  عالما  مستقلا بحد  ذاته  وكنا  ننظر  لعجلات  القطار  وهي تجتاز المسافات  وتنهبها  نهبا وصوت القطار   عندما يصل  للمحطة  التالية  ، اعتقد اننا  وصلنا  الى الزرقاء  بعد منتصف الليل  حيث كانت السيارة العسكرية في انتظارنا  بمحطة القطار .
في الشوبك كنا عائلة  واحدة  لا تختلف  في شيء ، وفي  الزرقاء  كان الأختلاف  كاملا حيث  تجد  جارك  من الشام  او فلسطين  او من بلاد  القوقاز .
فكان  هذا  الجو  ومع  توجيه  والدي  من  أخذ  حذرنا  بالاختلاط  مع  بعض الطلبة  الذين  يخلقون  المشاكل  وكان  دائما  يذكرنا  بأنه  موجود  هنا  في  الزرقاء  من أجل  مستقبلنا  وكان  دائما  يوصي  بأن  يكون  معشرنا لطيفا  مع الجيران وزملاء  الدراسة   وأن  لا نختلط  بالأماكن  التي  بها  وسائل  اللهو   والسينما   وأماكن البلياردو  وكان  يصر  ان  نكون بالبيت في  السابعة مساء وهذا الامر  اثر لدرجة انني  أختار  اصدقائي  وأختار  الأصدقاء  اصحاب  الميول  الثقافية  والأدبية  وهم  الذين  فتحوا  نوافذ  تفكيري  وأصبحت  أشارك  في  بعض  الصحف  التي  كانت  تصدر  اسبوعيا  وبالذات  جريدة  (عمان  المساء)  و( أخبار الأسبوع )  .

وكان للاستاذ  الشيخ  منير ارسلان  مدير  المدرسة  الأثر  الطيب  في  نفوسنا  كطلبة  عاصرناه  في  هذه الفترة، لعلمه  ,ادبه  وتمسكه  بأهداب  الدين  وكان  لا يميز بين  الطلبة  .. وما يميز  طالب عن  غيره  من الطلبة  اجتهاده   في  المدرسة وانضباطه .
وفي  المرحلة  الثالثة  انتقل عمل   والدي  الى عمان  فذهبنا  معه  حيث  كان  الاستقرار .. وهناك  تلقيت  تعليمي  في  مدرسة  العلوية  الأعدادية  بالمحطة  وفي  هذه المرحلة خضت  تجربة  (  المترك )   امتحان الأعدادية( الثالث  الأعدادي .  وفي  هذا  الوقت  استشهد  رئيس  الوزراء  هزاع  المجالي  رحمه  الله  في مكتبه  برئاسة الوزراء  في  شارع  السلط ، وقد  سمعت  دوي  الأنفجار  ونحن  في  جبل  القصور ومن هناك  هرعنا  وأغلب   رجال الحارة  لكي  نعرف  ما سبب هذا الانفجار  وعلمنا أنه  أودى  بحياة  رئيس  الوزراء . ومما يذكر ان احد ابناء الشوبك   الشهيد احمد  حسين الرواشد  قد  استشهد في  هذا الحادث
بعد  ذلك اغراني  مجموعة  من ابناء  الهباهبة  الذين  كانوا  معي  في  طفولتي  بالشوبك  بالدراسة  في  مدينة معان  ، وكنا  نعيش في  سكن  داخلي  حيث كنا  نقيم  وندرس على  نفقة الدولة   وتحت اشراف  معلمي  المدرسة  وطمعا  في أن  احصل  على منحة  دراسية ( بعثة ) وأمضيت  ثلاث  سنوات  عجاف  طمعا  بتلك المنحة .
وكانت  معان  في  تلك الفترة  مقرا   مهما  للحركات  الأسلامية  وتحديدا  حركة الأخوان المسلمون  وبعض  عناصر  احزاب  قومية  وشيوعية  وفي  تلك الفترة انخرطت  في  حزب البعث العربي  الاشتراكي . وكنا  نشارك  في  بعض القضايا  البسيطة  كتوزيع المنشورات  واقناع الشباب  في الانخراط  بالحزب   والتعرف  على  خلايا  اخرى  في اماكن  اخرى ، وقرأت  فصولا  من  كتاب  ميشيل عفلق   المعنون بــ ( في  سبيل البعث ) وكنا  بين فترة  واخرى  نصطدم  مع  بعض القوى السياسية  الأخرى ولكن هذه  الاختلافات  لم  تكن تؤدي  الى التصادم  وكانت  ضمن العادات  والتقاليد  المرعية  في المجتمع  المعاني ، لاننا بالاصل نعمل  دون  علم  اهلنا  وأقاربنا  .
واذكر انه خلال  دراستي في  مدينة  معان  قمنا  برحلة  مدرسية الى الضفة الغربية   وزرنا مدينة القدس  ونابلس  وجنين وقلقيلية وطولكرم   وأمضينا  ثلاثة ايام  من أجمل  ما  مر  على ذاكرتي  من  ذكريات  جميلة ، وأذكر  اننا  ذهبنا  لمدينة نابلس  فقط  لنتناول  الكنافة  من  محل ( العكر )  والأجمل اننا التقطنا الصور  لهذه الأماكن  والتي  تزين البومي  اليوم .
والأهم من ذلك انني  لم  احصل  على  منحة دراسية  جامعية   بل  حصلت  على منحة  في  كلية مجتمع  في كلية ( بير زيت )  بالضفة الغربية  ولكن  شقيقي  الأكبر غازي  كان  ضابطا  في  القوات  المسلحة  فأصر  على أن اكمل  دراستي  الجامعية  في  دمشق  .. وذهبت  الى دمشق  وسجلت  في كلية الحقوق  ، وعندما عدت لعمان  لجمع  اشيائي  تم  قبولي  بالجامعة  الأردنية  (في كلية الأداب  )  وكان  في  حينها  الدكتور  ناصر الدين الأسد  رحمه الله  رئيسا للجامعة الأردنية  والدكتور  محمود  السمرة  عميدا لكلية الأداب .

**    بالتأكيد   حين التحقت  بالجامعة    وجدت ان الاختلاف  كان  كبيرا بين  الدراسة في  المدرسة  والدراسة  الجامعية .. وفي  فترة  الدراسة الجامعية   جرت  حوادث  كبيرة ومهمة في  عالمنا  العربي   منها  احتلال  الضفة الغربية .. فكيف  تأثر  معالي   طه الهباهبة بهذه  الاحداث  وانت  ابن  القرية     في  الجامعة .

– مرحلة  الجامعة كانت  مرحلة مختلفة تماما  عن جميع المراحل  السابقة  ذلك  لانه في  الجامعة   وحينها  كان  معالي  الدكتور  ناصر الدين  الأسد   يتمتع  بشخصية  قيادية  محبوبة وكانت  له افكار  بناءة  هي  محل  احترام  جميع الطلبة  من  مختلف  الفعاليات  وألاحزاب  والمستقلين ، وكان في  بداية  كل  عام  دراسي  ينظم مهرجانا   اسمه  مهرجان الربيع  يستمر  لمدة اسبوعا  يتفرغ   به الطلبة  الى التعرف  على بعضهم   وعلى الاستراحة من الكتاب  .. كما  يتعرف  الطلبة  على  جديد  الجامعة  وخاصة  انها  كانت  حديثة التأسيس . ولا ننسى  ان  نظرة المجتمع الاردني  لهذه الجامعة كانت  نظرة ايجابية  ومحترمة  بدليل  ان  معظم   شخصيات الأردن  كانوا  طلبة فيها .
ثم ان  هذه  المرحلة  شهدت  تطورات   اجتماعية  وسياسية  خطيرة  وان الصراع العربي الاسرائيلي  قد  بدأ  يشتد   وبدأت  المطالبات  بالتجنيد  وفتح مراكز  للخدمة  العسكرية (  خدمة العلم )  والدفاع المدني   والمقاومة الشعبية .
وفي  تلك الفترة  كان العمل  الفدائي  موجودا  بعد ان تم تأسيس  منظمة التحرير  الفلسطينية  وظهور  فصائل  المقاومة الفلسطينية  على الساحة  الأردنية  بشكل  علني  وصريح  وتطورت  الأمور  السياسية  عربيا  ودوليا  عندما   زار   الرئيس  التونسي  ( الحبيب  بورقيبة )  الضفة  الغربية  وعاد لعمان   وأطلق  تصريحه  المشهور  والذي  نادى من  خلاله  بالتفاوض  مع اليهود   والاعتراف   بهم .  وبعد  هذا  التصريح   عمت المظاهرات  عمان  وكافة المدن الأردنية والفلسطينية والعربية  .
ثم  بعد فترة  اقل  من  عام  حدثت  معركة السموع  والتي  استشهد  فيها  الطيار  فراس  العجلوني   والرائد  محمد  ضيف الله  الهباهبة ..  وقد  اسرته  قوات  الاحتلال  وهو جريح   باكثر من  ثمانين  اصابة   ولكنه  توفي  بالمستشفى  ثم  قامت  الحكومة الاسرائيلية  بتسليمه  رسميا  وعسكريا  عبر بوابة ( مندلبوم  الدولية )  ونقل  الى  مثواه الأخير  في  قريته  ابو مخطوب .
وفي  العام  67  حدثت معركة حزيران و كنت في  السنة الجامعية الثانية  .
ثم  تم  تأجيل   باقي  الامتحانات  للمواد   لوقت  لاحق . وانتهت  المعركة  بالنتائج  المعروفة  للجميع .

  عن  موقع   شرق  وغرب 

 وللحديث  بقية

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!