نافِذَةَ الروح والرمادْ/ بقلم أمل عقرباوي

 ما زالَ ذلكَ الماجِنُ يجْلِسُ قُرْبَ نافِذَةِ

غُرْفتِهِ المُطِلَّةِ على طريقِ ذَهابِي

 وإيّابِي

 لِيُراقِبَ خُروجِي كُلَّ يوْمٍ في الصّباحِ

 وعوْدَتِي في المساءِ..

وكمْ كانتْ نظَراتُهُ الحادَّةُ والجسُورةُ

تَجْعِلُ جَسَدِي يَرْتَجِفُ منِ الدّاخِلِ

 هُوَ دائِمُ الإبتِسامِ والصّمْتِ

ولاَ أثَرٌ في وجْهِهِ ولا في عينيْهِ لأي

تعْبيرٍ سِوِى الرّغبةِ الضاريةِ كذِئْبٍ.

لكنَّ صَمْتَهُ غريبٌ غريبٌ

كالهَواءِ الذي يحْمِلُ عِطْرَهُ الجارِحَ لِي

 أمّ أنا فمُبْحِرَةٌ في هذِه الحالةِ الغَريبةِ

 أنْـتَظِرُ كُلَّ يومٍ حُدُوثَ شيْءٍ جديدْ .

لكنّهُ يسْتَمِرُّ في أكْلِي بعيْنيْهِ ويَرْمُقُني

 بالنّظراتِ السّاخِنةِ ذاتِها لكنّهُ لا يُبادر

ُ ولا يخْرُجُ عن ْصَمتِهِ الغامِضَ…

لا هُو يَتَقدّمُ خُطْوَةً نحْوِي

ولا أنا أسْتَطيعُ أنْ أفْعَلْ لكنّني

في أعْماقي أتَمنّى أن يَكْسِرً الجدارَ

 ويَقْتَحِمً عَالَمِي المسْكُونَ َ بالإنتِظارْ

 هُوَ على حالِهِ وأنا أزدادُ تَعَلُّقًا بهِ

 وأغْرقُ في نَظَراتِهِ المُشْتَعِلَةِ حالِمَةً

أنْ يُصْبِحَ حبيبَ روِحِي وَصَديقَ حُزْنِي

 وشَريكَ نبْضِي وأنْ تَنْبُتَ في قلْبيْنا

 آلافُ القَصائِدِ الطّليقَةِ

هكذا أحببتُهُ بصَمْتٍ ولا كَلِماتٌ تُقَرِّبُنا

 ولا همَساتٌ تَجْمَعُنَا وكُنْتُ أشْعُرُ بالدّفْءِ

يَسْرِي في جَسَدِي كُلّما لَمَعتْ عيْناهُ

السّوداوان ِ

وأغْمَدَتَا خَناجِرَ نُورِها في قَلْبِي..

كانَ يَسْتَحْوِذُ على أنْفاسِي وَيَسْرِقُنِي مِنّي

وأخْشَى أن اَمُرَّ يوْمًا ولَا أراهُ

مُطِلّاً على وَقْعِ خطواتِي وعبيرِ أنْفاسِي

 منْ نافِذتِه المفْتوحَةِ على أمَلِي وحَنينِي

ولا أدْري لماذا بدأتُ أشْعرُ ِشيْئًا فَشِيْئًا

أنّ وراءَ ابتسامَتِهِ المُزْمِنَةِ ما يُشْبِهُ كنْزًا

 منَ الحُزْنِ المُعتّقِ

وأنّ عينيهِ الحادتيْنِ كانَتَا تَقْرآنِ البعيدَ

وتَنْفَذانِ إلى المجْهُولْ لكنّهُ ظلَّ

في حُلْمِي الفارسَ الذي يمتَطي صَهْوَةَ الغُيومِ

ويُشْهِرُ سَيْفَ الينابيعِ

لِيَطْرُدَ رِمالَ الصحراءِ الزاحِفَةِ إلي قلْبي

 والوردة التي تُخْبرُني سِرًّا

أن العطْرَ قادِمُ بِألْفِ لوْنٍ ولَونْ

ذاتَ مساء وأنا في طريق العودةِ منَ

 العملِ أكادُ أرْكُضُ للقاْء الحبيبِ الغامِضِ

فاجَأتني عندما وصلْتُ الى الحيّ

والشقّة المُطِلّةِ على الشارع

 حالةٌ من الذعرِ الجماعيِّ

وسيّاراتُ شرْطَةٍ وإسْعاف

ولم أسْتطِعْ أن أرفعَ رأسِي

 وأنظُرَ الي النافذةِ كما كُنْتُ أفعًلُ دائمًا

 فقدْ غابَ عطْرُ النظراتِ الساحرةِ

وامتلأَ الهواءُ بالدّخان الأسْوَدِ

 وكدتُ اخْتَنِقُ وأنا أسألُ الناسَ :

ماذا حدث ؟

ليُجيبوا حريقٌ كبيرٌ في الطابق الثاني

.. وارتجفَ قلبي

 وكان عليّ أنْ أجتَرحَ مُعجزةً

حتى أتمكّن من رفع رأْسِي

والنّظر إلى نافذة الأمل لأرى

 ويا للهول ذاك الغامض جثّةً مُتفحّمةً

 ولا أدْري

 وأنا أصْرُخُ كالمجنونة

 كيف خُيّل لي أنّ الرجل المحروق

الرجُلَ الذي كانَ فارِسي الصامتَ

كان قادرًا على الابتسام والنظرِ

 لي بتلك الطريقةِ المُدْهِشِةِ حتّى

وهو يتْرُكُني ويطلُّ بكاملِ أناقَةِ موتِه

من النافذةِ. النافذة التي صَارتْ

من يومها نافِذَةَ الرمادْ

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!