هذيان الموت/بقلم:الروائي محمد ارفيفان عوادين

الى روح والدي الشيخ ارفيفان توفيق اسعد العوادين
يلهث صدره بأنفاس حزينة، وخلجات تتضارب ببعضها وكأنما هي طبول الإنذار، فيما النور في عينيه يتلاشى، والصور لذلك اليوم المؤلم، تتناسخ في ذهنه بصوت العويل، فيما الهرج يضرب أطناب المرج بضوضاءه، ويشل العقول الداكنة بجهلها ملقياً رذاذ الوعي على جنبات الطريق، عيناه الزائغه تستدعي ذاكرة أسترجاعها كأنما نما لها شوك حاد يشق خلايا عقله التائه في متاهات عتابه لذاته ، تباً لذلك الخوف المسنن الذي تناقله الناس فيما بينهم من بؤساء الهجرة الأولى، والذي جعل الناس سرعان ما طوت قرار الرحيل عن جنتها الكريمة في حقائب إغترابها، وأسلمت وجهها للريح العاتية وهي تسلخ عنها تباريح التعقل، لا تدرك حجم نفق العذاب الذي ستعبره زحفاً على جمر الأسى، في محرقة الهجير، قبل أن تنفذ للأتجاه الآخر، ولا تدرك أيضاً عويل الحاجة المُضني المتردي في قادم الايام، التي تبدت بعد ذلك كالمارد الفاقد قدرات سحره، كنت أطالع صور والدي خلال زيارته للديار في فلسطين، لقريته لد العوادين في مرج أبن عامر وهو يقف مرتجفاً بهواجس ذلك الإحساس المضني، حين أنبلج خوف الناس لتلك الأخبار التي ترددت على المسامع، وهي تنذر بأقتراب وصول القوم الغرباء المدججين بالسلاح القاتل، وأنيابهم الذئبية السامة تقطر نارها وأحقاد مطامعهم توغل فيهم شهوة القتل، يستبيحون شرف الحرائر، ويبقرون بطون الحوامل، ويقتلون الرجال صفوفاً على أسوار الساحات، فتتلطخ بحمّرة الدماء، كما شلال ساقط من السماء يوشك أن يفيض، من على قبور أجداده كان يرقب أرضه بعينا حائر تغوص بقالب ثلج، تسمع حشرجة أنفاسه وهو يودع روحه في ضجيج مساءلاته مع ذاته، يتراءى له ذلك السبب الذي دفع الناس لأن تبحث عن منجاة لعرضها وشرفها، ليس الموت وحده من تماوج متضارباً في خاطر الناس، لكنها هواجس تراءت لهم كاليقين، جعلتهم يعضون بنواجدهم على أطراف أثوابهم ويولون هاربين بأتجاه شرق النهر، وخرق جهلهم تسابق خطاهم
تعرجت شرايين كفه، وبرزت حتى أطراف أنامله كجذور شجرة
أفترشت تلك الحسرة الناتئه في أعماقه، فمدها على أرتجاف ليجمع ذرات ترابٍ كان يوماً مالكه، ويعبىء من قعر بئر أرضه قدراً من ماءٍ لطالما كان مسقيه وأهله، اختلطت بدموع سحت عن معترك شعور أكتظ بالالم، وهو يهرق جنبات حالة أغترابه في تلك اللحظة العصيبة، حقاً كان أتى به الشوق لدياره الأسيرة، لكنه أحس بذلك الجذب الذي أعترى فتمنى لو أن ترابها فتح له في باطنه مرقداً لا يغادره، فإيه يا دنيا قضمت عمره بأسنان فجيعة الهجره.
لله يا والدي الحبيب، ما كنت أدري أن تلك الأمانة التي أورثتنا إياها، والتي كنت أحضرتها من بلدتنا المحتلة قبل بضعة أيام، ستجبلها يداي وتغوص بها أصابعي لتصبح وسادة لحد تتوسدها وطناًمختزلاً بحجم الإشتياق، أختلطت بها دموعي مع دموعك لتصير وعداً نورثه لجيلٍ يعقبنا يكمل أمانة التحرير.
أطالع صورتك وأنت تتأمل بين ذكرياتك، وأرضاً لطالما رواها عرق جبينك، وقد تبدت في عينيك دعوةً جريحةً تستعجل ملك الموت، فهل كنت حقاً على اتصال وثيق بملك الموت لتؤكد موعداً قريباً للقائكما وكأنكما كنتما على وعد قريب قريب إلى حدود هي أقرب من تدخلات الزمن
رحمك الله وأسكنك فسيح جناته

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!