اللامرئية..!/بقلم :رؤى الصرايرة

و مررت بأيام طوال كان صوتي فيها على شظايا الاختفاء يتراقص، و بتّ أحرّك الكلمات بين شفتي لئلا أفقد قدرتي على تحريكها، و حاولت أن أُرغم الهمسات على الظهور، على العبور من بين سيول الزمن المتناسي للعابرين خلاله..

و ابتعدت.. بعيدا بعيدا..

و عُدت..

مُفرَغ من الكلمات..

مُزدحم بالشعور..

مُرهق بعض الشيء من صمتي الذي صار هويّتي الخاصة و مرآة حقيقتي..

وهل يُفلت المرء بمرآته..؟!

و كم من أُناس جابوا أراضي الله  ليتلمّسوا ملامحهم في مرآة ذواتهم،و لم يجدوها..!

و لكنني وجدتها في صمتي..

لقد كان الصمت صديقي الذي علّمني أكثر مما علّمتني الحياة..!

لقد علْمني بأن الكلمات المُتهالكة إن كشفت عن وجهها أُهلِكَت أكثر، وأن الكلمات إن أُهلكت فقدت اتّزانها أبدًا، و غَدَت بعيدًا بلا سبيل عودة، و أن كل  كلمة راحلة ستأخذ جزءا من كيان صانعها، لذا على المرء أن يُداري  كلماته..

وعلّمني أنه و بالصمت سيألف المرء الندوب المؤلمة القابعة في عُزلته ، و سيعيش بقيّة العمر دون خوف حَذِر من أن يلمس أحدهم تلك الندوب فتئنّ باقي ندوبه من مصيرها الآتي..

علّمني بأنه و بالصمت ستلتقي الكيانات  المتشابهة في شعورها و مسيرها معًا..

و قاطعتُ صمتي:-

_ َكيف ستلتقي المتشابهات في مُلتقى واحد وكل منها لا يدري بأن في ذاك الكيان شعورًا يُشبهه  ..؟!

_لو سار خطان في مسيرهما فلا لقاء بينهما ما دام أن التشابه لم يتجاوز حدوده الشكلية فقط..

أما الخطوط المتعرّجة التي تسير في مسارها كأطراف غيمة فستبدو للجميع بأن لكل منها طريقا مُغايرا، لكنها وما أن تشرع في مسيرها حتى  تلتقي في المحطة الأولى، وما إن تبتعد عن بعضها لأقصى مدى حتى تعود لتلقي بمحطة أخرى، و كل بُعد سيأتي بعده طريق للقُرب بانسيابية و تناغم و سلاسة بسيطة و عميقة..

و إن مسار الشعور في الحياة كمسار الخطوط المتعرّجة،ما تشابه منها التقى..

و إن لم يتمّ ذاك الإلتقاء بتلك الطريقة و بذاك الأسلوب الصامت المتحدّث، فلن يكون..

و إنّ من أخبرك أو سيخبرك بأن صمتك هو عيبك الوحيد، فاعلم بأنه لا يُشبهك، و انه كخط مُستقيم سيكسر تناغم الحركة في شعورك، ولا تناغم ما دام الكسر أسلوباً يتبعه في حين أن خطوطك ترسم انحناءاتها بشغف و لين و لا تعرف للكسر طريقا..

و أما من سلك سبيل الصمت المتحدّث، فسيجمعكَ به لقاء جميل، لقاء غريب في تفاصيله لكنه استثنائي بصورة تليق بفكرته العظيمة ..

و إنْ تزَمَّتَ الذي لا يُشبهك في أسلوبك من أسلوبك فأخبره بأنك كتاب مُفتوح، صمتٌ مُتحدّث، كلماتك لا مرئية إلا لمن رغب رؤيتها حقًا..وأن صمتك مُتحدّث لمن ألقى إليه سمعًا..!

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!