ألا عجباً لعهرِك/ شعر الشاعرمظهر عاصف

ألا عجباً لعهرِك أيُّها الشرقي
تغيبُ تغيبُ مثلَ الصيفْ
تتركُني لأفكاري
وترجعُ ضارباً كالغيثْ
مصحوباً بإعصارِ
وتوقظني من الأحلامِ
من أضغاثِ أحلامي
لتصرخَ بي
وتزعقَ بي
أنا عربيّ
أنا شرقيّ
أنا بملامحي بدويّ
أنا بقوامةِ الأمرِ
أنا من حرّر الدنيا
وأنقذها من الوثنِ
أنا من كانَ أجدادي
تدينُ لهم رقابُ الناسِ
في حقٍّ وفي غصْبٍ وفي قهرِ
ومن نسلِ الذي أمضى
إلى نقفورَ تحذيرًا وجاءً الجيشُ بالخبرِ
ومِن مَنْ خاطبَ الغيماتِ
إن عَسُرَت ولادتُها
خراجكِ عائدٌ فامضي
إلى ما شئتِ من بشرِ ومن قَفرِ
فقفْ باللهِ وانظرنِي
لأني ضاقَ بي صبري
سألْطِمُ مثلَ أرملةٍ
على وجهي
على رأسي
على صدري
وأصرخُ فيك: يا عجبي ، أيا عجبي
أنا من كان أجدادي
أنا من كان أجدادي
تكررُها كأنْ لا جملةً في الضادِّ إلاها
أنا من كان أجدادي
تبجحْ واذكرِ الأزمانَ
يا مَن تاهَ في الأزمانْ
سؤالي كم مبارزةً
هزمتَ بها مغاويرًا
أباحوا العِرضَ للأعرابِ
ثم استوطنوا الأوطانْ؟
وكم علجاً قتلتَ لنا
من الأغرابِ
ممن نادموا صنمًا
وردُّوا مالَ جزيتِهم من الإغراقِ في دمِنا
ونشْلِ الطُّهرِ من أحداقِ أمتنا؟
وكم شبراً أعدْت لنا
من الأرض التي اُغتصِبَتْ
وفارقَ قمحُها البلدانْ؟
فضولي بات يجلدُني
لأعلمَ كم مُناشِدةً
تئنُّ أيا ومعتصما
أجبتَ نداءَها للآن؟
وكم من طعنةٍ في الصدرِ
قد شهدَتْ بصدقِ دمٍ؟
وأنك خضْتَ معمعةً
وصُلتَ وجُلتَ كالفرسانْ؟
وكم أشهرت من سيفٍ؟
وكم كسَّرتَ من رمحٍ؟
وكم من مُديةٍ وُضِعتْ بجنبِك أيها الكسلان؟؟
وهل لحقتْ خيولُ أبيك من قرنٍ
جيادَ الفُرسِ في الصحراءِ متعبةً؟
وهل لحقتْ
فلولَ الفرسِ في الوديان؟
وهل كرَّت خيولُ أبيكَ من قرنٍ
على قومٍ
على بحرٍ
على شطٍّ
على نزُلٍ
على بستان؟
على ناموسةٍ أزّت وذلَّ طنينُها الآذان؟
فلمْ تِضربْ.. لأشعرَ أنني الأنثى
ولم تحشُدْ.. لأمنحَ طاعتي المثلى
ولا وبخْتَ ساستَنا
ولا حفّزْت قادتَنا
ولم تأمرْ بمعروفٍ
ولم أشهدْ من النكرانِ إلا أضعفَ الإيمان
ولا من آيةٍ تُتلَى
عن التصميمِ تذكرُها
ولا من آيةٍ للحربِ
في الترتيلِ تقرؤها
تَحيدُ بخيلِك المهزومِ
عن أوراقِ مصحفِها
وتقفزُ عن حواجزِها
وتخجلُ أن تناقشَها…تفسَرها
فهل نُسخت من القرآنِ
أم عَطلْتَ معظمَها؟؟
وهل يكفي من القرآنِ
ربعُ القولِ في القرآن؟
وهل يكفي من التأويل
أن تتمحور الأفكارُ حول الجمعِ والتشريق
حول الصومِ
حولَ المسحِ للخفينِ
حولَ طهارةِ الأبدان
فعلقْ سورةَ الإخلاصِ ..علِّقْها على جُدُرٍ
وخفْ من لعنةِ الحُسَّادِ
إنَّ العينَ حاسدةٌ
ويكفينا من الآياتِ
والأمثالِ والحكمِ
براويزٌ معلقةٌ مثبتةٌ على الحيطانْ
ويكفينا من الأيام أن تتمزَّقَ الأيامْ
ويكفينا من الأحلامِ أن تتضاءلَ الأحلامْ
ويكفينا نصوصُ الحيضِ والميراثِ نذكرُها
وطاعةُ أولياءِ الأمرِ والتسليمِ للسلطان
أنا مذ جئتُ للدنيا
أرى فحلاً يضاجعُني
يشقلبُني ويعصِرُني
يراضيني ويهجرُني
ويطلبُني إلى فُرُشٍ
كأنَّ اللهَ يأمرُنا بمضجعِه وشهوتِه
كأنَّ الجنسَ مِطيتُنا إلى الأديانْ
وزورقُنا ببحرِ العفوِ
حيثُ شواطئُ الغُفران
أنا مذ جئتُ للدنيا
وأنتَ تقولُني في الليل
حتى إن أتى صبحٌ
سلبْتَ الدفءَ من جسدي
مسحْتَ العضَّ والتقبيلَ عن شفتي
وقلتَ بنعرةِ الأمرِ
خزاكِ اللهُ أنساني فراشُك رِقةَ الصُّلبان
فطبْ نفسًا وقِرّ عيناً
فهذا من عفافِ النفسِ
تؤجرُ حينَ تفعلُه
جزاكَ اللهُ
كم قدمْتَ للإسلامِ والإنجيلِ من إحسان
أنا مذ جئتُ للدنيا
وصوتي عورةٌ إفكٌ
يجرُّ حبائلَ البهتانْ
ورأيي مثلَ أحجيةٍ
تُحيطُ بها لتمنعَها
كأنَّ الهندَ لم تصرخْ بحربِ الرومِ: يا عدنانُ،
يا قحطانُ، يا غسانْ
وما حضَّت ولا داوتْ
ولا بالشعرِ قد نادتْ
كأنَّ إشارةَ العذراءِ تحتَ النخلِ صامتةٌ
تعي الأشجارُ والأحجارُ والأقمارُ مَقصدَها
وتحفظُ نصَّها الخُلجانْ
وتجهلُها لأنك في رجيعِ القولِ
ما فرَّقتَ بينَ الشعرِ والشعراءِ
أو ما أنزلَ الرحمنْ
فهل فكري وهذا النبضُ في صدري
من الأحجارِ والأوثانِ؟!
يا مَن حطم الأوثانْ
أنا كخيوط أحلامي وأيامي مُنسَّلةٌ
أنا كنبٌ على السِجادِ.. مِنفضةٌ
أنا في بيتكَ الجدرانُ صامتةٌ
وهل تتألمُ الجدرانُ؟ أخبرني
وهل تتألمُ الجدرانْ؟
صرخْتَ: كفاكِ مهزلةً
ضربْتَ بعارضي قولي
حلفتَ بأن تعاقبَني
فعاقبْني
أنا أرجوكَ عاقبْني
لعلَ الماردَ المحبوسَ في المصباحِ
أو في قمقمٍ بحري
سيوقظُ فيك تاريخاً وينصُفُني
لعل المجدَ يُبعثُ من مراقدهِ
بُعيْدَ الخزيِ في تبعيةِ الصيصان
لعلك بعدَها تمضي
لتسحقَ تِلْكُمُ الجُرذان
أيا أسدا تخلّى عن مخالبِه
وضاع عرينُه في الغاب …لم يزأرْ
وظنَّ الضبعَ والحرباءَ أصحاباً
هنيئا يا طويلَ العمرِ ما قرّبتَ من خِلان
لقد وثبتْ كلابُ الغربِ تنبحُنا
وأنتَ بقصرِك المعمورِ مرتاحٌ
على طبلِ الهُتافاتِ
ومزمارِ السخافاتِ
على تصفيقِ حياتٍ لحياتِ
وأنت تتوهُ لا تدري
إذا ما كنتَ عُصفورا يزقزقُ أم تُرى ثُعبانْ
أيا أسدا تخلّى عن مخالبِه
وأقرضَ نابَه للقطِّ يعلُكُنا ويترَعُنا
فأينَ دفنتَ عاداتِ الضواري؟
الغابُ أرضُك والصحارى
لا القصورُ ولا الملاهي
الغابُ أرضُك
لا دهاليزُ المباني
الماءُ والخضراءُ لا صدرُ الحسان
لذا أرجوكَ عاقبني
وبالغْ في أذاي
فروائحُ البنزينِ أشقتْني
ونفطُّكَ أيها المغرورُ سمَّمني
ويَنبُعُ من دماي
فمالُك يشتري فللا ً
وحسناواتِ أوروبا
ويشري منجماً بشمالِ أفرقيا
ويشري التبغَ من كوبا
ولن يشري لنا الأوطانَ
ممن صادروا الأوطان
ومالُك يشتري تحفًا
ولوحاتٍ
و أحصنةً مسومةً
ويشري البنز مسرعةً
ويشري يختَكَ الراسي على شطآنِ نيفادا
ولن يشري لك الإنسانَ مهما استُعبِدَ الإنسانْ
ولن يشري عروقَ القلبِ والوجدانْ
فلا تنسَ إذا ما أُشعِلتْ حربٌ
ودارت والتقى الجمْعانْ
بأن تشْدو كشِنّارٍ وتتحفُنا بأشعارٍ
وأن تبكي بكلِّ مجالسِ الأمنِ
وتُبدي رعشةَ الخوفِ على شفتَيكَ كالفئران
وتشجبَ قتلَ إسرائيلَ
خولاتٍ برملتِنا
سعُاداتٍ بجِلَّقِنا
وريماتٍ بدجلتِنا
وتطلبَ من إلهِ الغربِ.. أمريكا
من الجلادِ والسيَّافِ والكذَّابِ والأفَّاقِ
نبذ َ العنفِ والتقتيلِ والعُدوانْ
فكيف يجيءُ مجلودٌ يقبِّلُ كفَّ جالدِهِ
ويذرفُ تحتَ خصيتِه
دموعَ الفُلِّ والريحان؟
وكيف يجيءُ مطعونٌ ليطلبَ رحمةَ الطعَّان؟
وكيف تعاظمَ الإحساسُ في وسواسِك القهريِّ
كبومِ الليلِ مفزوعا على كرسيك الخشبي
لتحُملَ كلَّ ماءِ البحرِ
والأسماكِ و الأصدافْ
تقدّمُها مقايضةً إلى قرصان؟!

تناسَ أيها الشرقيُّ
أنَّ المالَ مالُ اللهِ في رمضان
فخذْ من خزنةِ البترولِ
ما تعطيهِ للإسلام
وخذ من قاصة الحرمينِ
ما ترشو به فمَنا
لتلهجَ في الدعا الشفتان
ولا تغتاظ من زمزم
فزمزم سيدي عينٌ وأنت بجودِك العينان

وقد يكفيكَ تقديمُ التمورِ
على السجاجيدِ الطوال
يكفيكَ أن تبقى بعيداً
عن دعاءِ الشيخِ في ذكْرِ اللئام
يكفيك أن تبقى سعيدا
مثلَ حالِ العودِ
في كفِ القيان
يكفيك أن تبنيَ المساجدَ والكنائسَ
طالباً أرضَ الجنان
وتكونُ في يوم اليتيمِ على الجرائدِ كاليتيم
وتكونُ في يومِ العمالةِ كالصراطِ المستقيم
وتكونُ في الإعلامِ في تلفازِك الرسميِّ
مهموماً ومنعقدَ الجبين
فأنت الوالدُ الحاني
وأنت المانحُ العاطي
وأنت العِلَمُ والأحسابُ والأنسابْ
وأنت الفكرُ والتخطيطُ والألبابْ
وأنت اللحنُ نَسمعُه فيطربُنا
فزدْنا -يا رعاكَ الله- من صنّاجةِ الألحان
ومن قولٍ إلى قولٍ
ومن خطبٍ إلى خطبٍ
نراكَ تعضُ أحرفنَا بلا أسنان
نراكَ كقردِ أدغالٍ
تعَلمُنا هروبَ الخوف
ثمَّ الفقزَّ والتصفيقَ
ثم تقودنا في الحربِ أو في السلمِ
نحو مغارة الإذعان
فصه يا وارثَ الفصحى
خطابُك ليس يقنعُني
فما جدوى خطاباتٍ
إذا لم تقنعِ النسوان؟!
وما جدوى حروفِ الشعرِ
والأمثالِ والأقوالِ
إن كانت مؤسسةً على النُكران؟
وما نفعُ اقتباساتٍ
من الأشعارِ والحكمِ
إذا كانت معراةً من التهديدِ والعصيان؟
فلا الشيطانُ يقبلُها
ويرضى أن تخَادِعَنا
فكن في الصدقِّ كالشيطانِ
أو كسلالةِ الشيطان
أنادي: “صادروا أرضي”
أنادي:” أحرقوا زرعي”
تقولُ: “البيعُ بالتقسيط”
وليشهدْ ذوو عدلٍ
ونمنعُها عن الولدان
أنادي:” هدَّموا بيتي”
أنادي:” هجَّروا قومي”
تقولُ: “الشيبُ نورُ العبد”
ثم تقودُ لي مَتناً
لويتَ نصوصَهُ لَوْياً
فبانَ الحقُ بالأذهانِ لا الأعيان
أقولُ:” الحربُ قد حقَّتْ”
وأنت بخيمةِ الأعرابِ
تخبرُني عن الزوجات
وتشرحُ لي
فضائلَ كَثرةِ الأولاد
وعن حورٍ بلا نتنٍ
وعن خمرٍ وعن لبنٍ وعن عسلٍ
وتقسمُ: قد روى الشيخان
فما دمنا أنا أو أنتَ بالدنيا
نعيشُ بلا عروبتِنا
ونحيا دون عزتِنا
فما دمنا تمايلنا ..تراقصنا
على معزوفةِ الخُذلان
وما دمنا نُداسُ بنعلِ إسرائيلَ يا هذا بكلِّ مكان
مسيحييون ما عُتِقوا
ولا عَتَقوا رجالا يتْبعوا الفرقان
فدعْني أبرزُ النهدين
وأرمي الشَعرَ مربوطا ومفروداً على الكتفين
فما دمنا.. أنا أنثى
وأنت كحالةِ الأنثى
فخذْ مَسكَارتي خذْها، وكحِّلْ شفرةَ العينين
وخذْ عِطراً لطردِ روائحِ الإبطين
وقد يبدو مُزيلُ الشَّعرِ كابوساً
ولكن مع تعاهدِهِ
سيبدو آخرَ الأحزان
فقف بالله وانظرني
لأني ضاقَ بي صبري
سألطِمُ مثلَ أرملةٍ
على وجهي
على رأسي
على صدري
وأصرخُ فيك: يا عجبي، أيا عجبي…

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!