لاشك أنكم عرفتموه ، هذا بائع قبضات منسمة الشاي متجول ، يجر عربته كل صباح بين دروب الحي أحد أقدم الأحياء في المدينة ! كل سكانه تقريبا مدمنين على شرب الشاي ، لذلك تجده كل صباح هناك يصرخ بصوته المبحوح المعتاد على مسمع كل الحي ، حتى الأطفال تعرفه من ترانيم صوته و طريقته الخاصة في المناداة ، يطلق الكلمة مرخمة دون إكمال الحرف الأخير فيها مع تضغيم الوسط ثم سكون ! أ ال نع نا ! تطل إمرأة من الباب يعطيها ربطة و تمد يدها له فقط لتسمع منه الله يخلف أ لالة ، تنزل إليه فتاة أخرى برداء خفيف من ملابس المنزل الصباحية ! يدور حديث بينهما و إبتسامة ، تسمع فقط حتى المرة القادمة و أكملي الصرف .. ثم يكمل جره العربة يجب أن ينتهي من الحي كله في غضون ساعة أو أقل ، ف مواعيد فطور السكان هو واحد ! لا تختلف طريقة شرب الشاي من بيت لآخر الكل يفطر في وقت واحد ،و الكل في الحي يعرف الكل بحيواناته الأليفة ، هذاك قط فلان ، أتى من الزنقة الخلفية ! لا شيء يخفى و كأنهم عائلة واحدة ،الكل أحباب طبيعي لأنه حي شعبي ، و للشاي فيه مكانة مهمة يلعب دورا إجتماعيا بإمتياز ، قد تقضي كل أمورك في جلسة شاي واحدة ! و قد تكون أيضا وعدا حبي لقضاء مصلحة :عندما تأتي و سنشرب الشاي ! في جلسة الشاي العائلية يدور حديث عن الحياة و متطلباتها و عن المستجدات و الأحداث ! بين الفينة و الأخرى ينقطع الحديث عند الأخبار المتلفزة فتسمع أحدهم يلزمهم الصمت بجملته : اسمعوا ماذا يقول هذا المخلوق عنا ! و الله ما يحشموا ، لا تكفيهم كل هذه الزيادة في الأسعار؛ الساعة الحادية عشر صباحا تقريبا يكون بائع النعناع قد إنتهى إلى آخر درب و منه يطل على الشارع الرئيسي ، و هنا تتغير إستراتيجية البيع فقد وصل إلى دائرة الراحة و هي بعيدة عن منطقة راحته النفسية ، تكون محفوفة مخاطر ، خصوصا مع المنع ، ليصبح متأهب بكل جوارحه ، يبيع و منتبه للحكومة ، لا يدري في كل لحظة قد ينزل عليه أحدهم ، لا يعرف من أين ! أنا أيضا لا أعرف كيف لعمي مسعود أن يختار هذه المهنة الشاقة و هو رجل قد جاوز السبعين و هو الذي كان يشتغل شاويش في إدارة ذلك المدير المعلوم !هل تتذكرونه ! و هل هذا سؤال حين نعرف كم تركت له الشركة عند التقاعد ! بعد تصفية معاشه لم يعد له ما يكفيه حتى لمساعدة أبنائه لإكمال دراستهم الجامعية ! صراحة إنه ظلم من نوع آخر بكل المقاييس !إحداهن ماستر و الإبن الأوسط قانون عام ! واحد فقط منهم من خرج عشور بالمعنى المتعارف عليه لدينا و هو الإتجاه المعاكس و لكنه يساعد في المصاريف و كثير محنة على الماستر و القانون ! مع إبتسامته المتجهمة لهما !” قراو نتوما ،طفروه لي قراو فهاد البلاد السعيدة ” كيف يعيش الإنسان الفقير في هذا البلد السعيد ! أو بالأحرى المعيشة ممكن يعيش و يعيش لكن دون ريش ! كيف يحقق أبسط أحلامه ! إكمال تعليم أبنائه مثلا ، شراء فستان جميل لزوجته أو حتى له من حقه يفرح بقميص جديد ! لا ! الإنسان الفقير ليس له الحق في التفكير حتى لشراء شيء جديد و يلمع ! كيف لا يسأم الفقير تكاليف الحياة اذن ! و مع ذلك تجده دائم النكتة ، كل المعاناة تحول إلى ضحك و تقشاب و استهتار و حتى تهكم من أولئك أصحاب القلوب المتحجرة ! أتركهم ينعمون ماذا سيأخذون معهم منها !؟
تتوقف سيارة فاخرة بجانبه ، إنها سيارة أحد الأعيان من كبار المدينة ، يطلب من سائقه النزول لشراء قبطات نعناع له ! رائحته الزكية أنعشت جيوبه الأنفية و جعلته يتذكر كل الإجتماعات المهمة مع أمثاله و حين كانوا يبرمجون للاستحقاقات الكبرى و المشاريع المهمة مع التنفيحة بطبيعة الحال ! آ آ أ أ آ تشن يطلع من النفوخ ! صينية الشاي و الحلويات من كل الأشكال .هذا الشخص بسن عمي مسعود تاريخ مشترك فقط مفترق من الناحية تلك ،عارفنها ، كلها و رزقه يعني و هو يعرف حتى الأماكن الجيدة لنبتة النعناع في المنطقة ، طبيعي جدا فهو يملك كل القطع الأرضية هناك التي كانت البارحة مروج فلاحية و أصبحت الآن مشروعه السياحي الخاص ،بعد مضاربات خفية مؤثتها ليس إلا جلسات الشاي بالنعناع لم تنجو منها غير بعضها و القريبة من الوادي الحار ، و منها كان يأتيه سائقه بالنعناع أيام الإنتخابات فينبه سائقه أن يشتري كل الربطات المتبقية عند مسعود ، فهي بعيدة عن فيلا جوعان منافسه اللذود فهو يسقيها من العنصر و أحيانا من ماء النهر على قلته ، ينزل السائق و هو يبحث في جيبه عن دريهمات ! و هل يعقل أن يطلب من مشغله بضع دراهم لأشياء تافهة كهذه ! ف المعلم مشغول بالحسابات المهمة التي تؤدى فقط بالبطائق و الشيكات ! ينزل و يفكر سأضعها في الفواتير ، لكن أي فواتير ! و يعود عند سيده ليسأله : المعلم ! و الشيبة ؟ -” الشيب نشعلله!! إوا قضينا شغلنا بكري ! أ سير فيساع أ سير .. البوليسي ينظر إلينا ، الوقوف ممنوع ! صبح مخالفات هذا ! أنت من سيدفع هل فهمت ؟
“