أقفاص/ بقلم:شوقي دوشن( اليمن)

الكوة في أعلى أحد الجدران نافذته الوحيدة للعالم الخارجي . لم يكن نزيل هذه الغرفة الوحيد ولكنه يشعر بالعزلة تماما.الأرضية الأسمنتية غير المستوية تشغلها الحفر المبعثرة هنا وهناك وفراش غير سميك يقيه لحد ما من وجع تلك الحفر .
أستجوب مرات عدة وبعد كل مرة يعود إلى هذا المكان المخيف المزري. ظل مرارا وتكرارا يخبر المحقق أنه برئ وأن لديه الدليل على براءته.
لكن لا دليل ملموس ، ملف وضع فيه كل تلك الأوراق الموقعة من قبله على شكل نسخ احتياطية.فُقد الملف ربما في مناسبة ما في المنزل.يبدو أن الخالات والعمات قد وضعنه في مكان ما. دأبت زوجته على البحث عنه منذ ذلك الحين.بعد مرور عام وجدته أخيرا مخبأ في شوال في ركن من المخزن.

أخيرا أصبح حرا وهذه هي الحرية التي مكث ينشدها أشهرا عديدة وعلى كرسي مدولب خرج من بوابة السجن تدفعه زوجته.
نظر حوله وتفرس في وجوه المارة من أمامه وتساءل ( هل هم أحرار فعلا؟!! أم أن على الجميع دفع ثمن ما ليفقدوا حريتهم يوما؟!)) .مر من أمامه الكثيرون ، كبارا وصغارا، ذاهبين وغادين بعناوين مختلفة. أصابته حالة اكتئاب حال رجوعه إلى المنزل.ركن إلى الصمت ولم يبارحه. في قرارة نفسه تذكر سبب دخوله السجن ، حين قدم إليه ( حمدان) زميله في العمل أوراقا مشبوهة ليوقع عليها .كمدير للحسابات في مرفق عمله فقد رفض رفضا قاطعا التوقيع لشبهة تتعلق بسرقة المال العام .خرج حمدان من المكتب حانقا ومتوعدا إياه بالندم كثيرا. ما كان ليوقع سوى تلك الأوراق غير المشبوهة ويستودع نسخا منها في ملف خاص قبل أن يستدعى فجأة للنيابة وهناك وجهت له تهمة سرقة المال الحرام .
حاول أن يمحي تلك الذكريات من رأسه وقد حرك رأسه يمنة ويسرة كمن ينفض عنه حمل ثقيل لكن بصمت مطبق. أخذت زوجته إجازة من العمل للاعتناء به ولتأخذه في نزهات بين حين وآخر ، أرادت أن تذكره بحبه للعصافير فذهبت به إلى محل بيعها. بمجرد أن رأى الكناري ، تذكر كيف أنه كان يتوق يوما لامتلاك واحد كي يسمع تغاريده كل صباح.
مع ذلك لم يصدر أي ردة فعل حيال حديثها عن جمال صوت العصافير. نظر الى رجليه العاجزتين بألم.تلكما الرجلان اللتان قيدتهما جلطة مفاجئة قبل يوم من إعلان براءته، شلل نصفي بعث به إلى ليل مظلم طويل ومستقبل لا يحمل بشارات قط.إنعقدت لسانه وثقلت عن الكلام .حرك بيديه
كرسيه المدولب وتقدم باتجاه العصفور الذي كان يتململ مرفرفا بجناحيه محاولا الطيران في فضاء القفص الضيق ليصطدم مرات عدة بأسلاكه الحديدية ، يستسلم قليلا ويعاود الكرة من جديد. رأت انجذابه للعصفور فابتاعته له، ما أن أمسك بالقفص حتى قام بفتح بابه الصغير مطلقا سراحــــــه مصاحبا ذلك بحركات من يديه اللتين صارتا تحلقان مقلداً جناحي الطائر عند الطيران فسرت النشوة في جسده وارتسمت ابتسامة عريضة على محياه .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
%d مدونون معجبون بهذه: