أنا الشاعر القروي/بقلم:عمار القيسي (اليمن)

أنا الشاعر القروي الذي لم يتعطر إلا بدخان المواقد
ولم يغتسل إلا على حواف البرك الجبلية، لا أعرف التعامل مع المراحيض الحديثة، ولا مع أدوات الأكل الفاخرة كأبناء الشرق والغرب
أبناء الشوارع المضاءة بسيقان الصبايا، وعدسات أعينهن الملونة، نزلاء
الفنادق الفارهة، والمآدب الفاخرة
أصطدم بلافتات المستشفيات الزجاجية والفنادق والكافيهات ، لا أجيد
ارتشاف العصائر الطازجة ب”المصاصات” أنا الذي طالما رفعت الجرار
الطينية بيدين غليظتين لأغمر جمرات الظمأ
لا اجيد تصفيف شعري ولا أطيل المكوث في صوالين الحلاقة
والتردد عليها كثيرا..
أنا القادم من احضان البيوت الطينية الى سفوح
الجبال ومراتع البهم، أرى في الناقة الصحراء والعرب القدامى..
وأرى في المفازة الصعاليك أمثال عروة بن الورد، والسليك..
والشنفرى، وأرى في الرعاة جميل بثينة، وكثير عزة، كيف لي
أن أعبر الشوارع المسفلتة، وأمشي إزاء الصبايا بكل رشاقة
دون أن أتعثر بالخجل؟!
كيف لي أن أحب فتاة المدينة التي تنام على الفرش الوثيرة، والتي
تقضي كل صباح ساعة خلف المرايا فقط لترتب حاجبيها قبل أن
تخرج للمولات أو للتنزه في الحدائق وللتندر مع صديقاتها
الفتاة التي تأكل الشوكلاطة و”الآيسكريم”بلطف وحذر..
تمسح آثارها بمنديل ناعم كما لو أنها آثار لجريمة ما..
خوفا على روجها الطافح بالحمرة، والتي لا تشرب الماء
إلا مثلجا من “البقالات”
الفتاة التي تدلل الكلمات كأن تقول لصديقتها “هلو” ملوحة
بإصبعين أظافرها مطلية بالصمغ الملون
كيف لي أن أحب الفتاة التي تمشي بكبرياء الزرافات؟
الفتاة التي توقظ الشمس من مخدعها بتوقيت ضحكتها المضيئة..
صعب جدا.. علي أنا القروي العبور في شوارع المدن والسفر
في عيون الجميلات وترويضهن
لن تحبك امرأة تنفق كل ما تملك في المكياجات الباهظة، والعبايات
الملونة، والبناطل الضيقة كهذا البلد تماما
أيها القادم من الريف إلى أحضان المدن، وجيبك مثقوب وأنت لا زلت
تسمي القطة “دِمَّة” والبوسة “حُبَّة”، ولا تجيد تناول طعامك
ب”الشوك” و”الملاعق “على طاولات المطاعم والكافيهات..
لكنك بوداعة قط أليف ستحبك امرأة ترى في، عينيك خرير النهر
وخضرة الوديان وأسراب عصافير، ترى في قامتك عنفوان الجبل
وكبرياء الشجر، وترى فيك هدوء الريف وصفاء السماء
سترى فيك جسارة الريفي الدافئ الذي يشرب البن طازجا من
الشجرة إلى الفنجان، الريفي الذي لايخون الحب إلا في القصيدة!