الرجل الذي مات وهو يحلم/ بقلم :عبدالرقيب طاهر

  أعاد وضع كابح السيارة لوضعه الأول ليخفف من سرعتها الزائدة في تلك الطريق الصحراوية شبه الخالية من السيارات ..تمتم اللعنة .. فقد كان ثمة إعصار أسود يشبه الليل قادم بقوة من الطرف المقابل … تتدلى فكه السفلى قائلاً يا إلهي ماهذه العاصفة السوداء ؟ هكذا تحدث مع نفسه . أخذ قلبه يرتجف من هول المنظر ، عمود من الدخان والأتربة يمتد من الأرض الى السماء على بعد مسافة قريبة ليحجب رؤية كل شيء أمامهُ .. بعض الشاحنات الكبيرة تنحت جانباً خوفاً من العاصفة… أقتربت سيارتهُ الصغيرة رويداً رويداً وقلبهُ يخفقُ بقوة مع كل متر تقطعهُ عجلات السيارة. .. أضاء أنوار سيارتهُ رغم منتصف النهار ، ولهج بمزيد من الأدعية المأثورة التي كان يحفظها بأن ينجيهِ الله من هول هذه العاصفة في هذه الطريق الممتدة في قلب هذه الصحراء الجرداء الخالية من أي خدمات عامة .. لم يبقى غير مسافة صغيرة للعاصفة حتى تلتهم كل شيء أمامها.. كيس من النايلون الأزرق يطيرُ بفعل الهواء فيصطدم بسيارتهِ يَعْلق بنظارتها اليسرى من ناحية باب السائق ليحدث صوتاً مزعجاً .. أزاح بيده زجاج نافذتهِ قليلاً وسحب الكيس سريعاً الي الداخل وأغلق النافذة بسرعة من الأتربة والرياح القوية. وضع الكيس إلى جوارهِ ومضى بحذرٍ شديد نحو العاصفة .. شعر برائحة عطرة تملأُ كبينة السيارة تسآأل في نفسهِ من أين مصدر هذه الرائحة الجميلة ياترى ؟ أحس بصوت يهمسُ في أذنهِ يأمُرهُ بالعودة إلى الخلف لا تدخل العاصفة السوداء لا تدخل العاصفة السوداء . أحس بثنايا روحه بأن مصدر الحديث يأتي من الكيس القابع إلى جواره .. أراد أن يرمي هذا الكيس اللعين بعيداً فشعر بأن يده ليست ملكهُ وأحس بأن سيارتهُ فعلاً ترجع إلى الخلف .. أصدر صوتاً عالياً بكل قوته ماااااااااااااااهذا ؟ لكنه لم يسمع صوتهِ .. لم تعدْ لسانهُ ملكهُ شعر بأنها أصبحت كقطعة ثلج وكل جسده تحول إلى جذع خشبة مرميةٌ على قارعةِ الطريق .. جحضت عينيهِ فجأة وسمع ضربات قلبه كانها مطرقة تطرق قفصهُ الصدري ،، أراد القفز والهروب من هذا الكابوس اللعين .. جأهُ صوت أنثوي غامض لماذا كل هذا الخوف ؟ كانت فتاة بشعر أشقر وفماً يشبه خاتم سندرلا وأنفاً دقيقاً يتوسط وجه بيضاوي قزوني … تضع بين عينيها نقطة حمرا كبنات البنجاب عليها فستان جميل بألوانهِ المتداخلة مع بعضها البعض ، يقف طائراً على كتفها وكانه خادمها تحدثهُ ويحدثها بلغة لا يفهمها هو . .. لماذا كل هذا الفزع ؟ سألته مرة أخرى وأتبعت قائله لن أؤؤذيك ياسيدي .. فقد انقذتني من عفريت هذه العاصفة أراد هو غتصابي فاأنت منقذي ياسيدي ولي الحق بأن أكافك أجر ما أنقذتني من هولائي المردة .. وبحركة من عينيها أحس بنفسه بين أحضانها تطوقه بحنان عاشقة فقدت حبيبها لبضع سنوات. . كان جسدهُ ينتفض كعصفورصغير وقع بين مخالب صقر جارح…. أراد أن يهرب أراد أن يصرخ أراد أن يقاوم لكنه لم يستطع فعل كل ذلك …. ضممتهُ إلى صدرها بقوة فأحس بأن تلك الرائحة الزكية تصدر من بين نهديها الجميلتين وأحس بوجهه الشاحب يغيب بينهما ،،همست في أذنه هل تشعر بالخوف ؟ أنحنت لتضع على فمه قُبلة أحس بعسلها ينساب إلى جوفه فهدات روعتهُ قليلاً وتمنى المزيد .. أراد بأن هذه اللحظة أن لا تنتهي وأن هذا هو الشيء الوحيد الذي ينقصه في حياته منذُ زمن…. أحس بنعاسٍ خفيف وبأن عيناهُ لا يستطيع أن يفحتهما لكنه أحس برغبة عارمة أن ينام في حضنها كطفل ينام على صدر أمه. ….. أراد أن تكون غفوة طويلة ولا يريد الإستيقاض منها إلي الأبد. لكن ثمة جلبة كبيرة وصخباً عالياً و أصوات نشاز تصرخ بقوة. …. ارفعوا السيارة ارفعوا السيارة وليتصل أحدكم بالإسعاف . حاول جاهداً ان يصغي بقوة …. لكنه لم يستطع ان يميز من أين تأتي مصدر هذه الجلبة وسمع أخيراً صوتاً آخر يقول للأسف فقدنا المصاب .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!