القبلةُ مابعد الأخيرة / بقلم ميساء محمود العباس

دخلتْ متشحة بالضباب وحزن معمّر في عينيها تنهار قربي وتفتح أناتها إلى السماء:
احتقنت طفولتي العاشقة للحب وللحياة، عوّدت نفسي على الجدية والوقار في حياة لا هدنة فيها، فما بين الواجب والواجب.. واجب
استمريت معه كآلة مبتلعة أحلامي، وعصافير عشقي يسقط كل يوم منها قتيلا
وهو مستعجلٌ هاربٌ ويمضي عمري معه.. مغادرة
ذات الحوار.. صباح الخير.. نعم لتناول الطعام.. لنتابع محمود درويش.. الذي وحده كان يجمعنا لكن.. في مقبرته.. عذرا درويش لوثنا صمتك.
كنت أخفي نظراتي العاشقة.. لا محل لها من الأعراب، وشرقيته الكثيرة تحول بينه وبين مدارج امرأتي.. كتمتُ آلاف القبلات كنت أودّها حين يستيقظ.. حين يغادر. حين يسافر.. حين ينادني.. يا أنت رجولة صوتك في ندائي.. هاوية.
وماذا أقول لربي حين ألقاه ويسألني : أكملت له دينه؟!
فأمد فراغي بورقة شاحبة.. صك زواج.
كنت أحيا طفولتي والعشق الذي يطفو بروحي بعيدة عنه، أغني وأرقص.. كعادات سرية أخاف فضيحتها.. وحين يباغتني أحيانا ويدخل بهو رقصي كنت أقف بسرعة وأعيد ملامحي للجدية والوقار لست لأنني رعديدة لكني متورطة حتى آخر رملة نفضتها عن قدمي، وخلف ظهره أعود لأكمل بعضي لأبقى على قيد أنوثة
كنت أكره الصباح أباغته بانتظاري ثم اعتذراي أقفله وأنام.. تصبح على مساء
وما سأفعل بتلك الصباحات المنتفخة في عيني؟!!
لست لأني متزنة لكن حتى لا تنهبني الحياة ريشة تلو الأخرى فأغدو كصفير رياح في جوف ناي.
تعلمت كيّ بنطاله الذي غبّ ربع العمر وما استقامت خطواته، وقميصه الشاخص بوجهي دونه.
وحيدة أمضي بلا أنفاس، أفرغتها بين يديّ رجل كانتا كقفازين امتصتا البرد والتعب فزدتُ صوفه زخم صحراء ورائحة احتراق لبن.
اقتنص فرصة حلول عيد ميلاده، وأحضر وجبة يعشقها علها تلتقيني عيناه ويعرف كم أنا مرهقة.. فأنا نسيت ُاللغات.. تركت لك باباً مهجورا وشرفة باردة الكرسيين.. كيف ستصعد وتنتف عني خناجري ورقادي………
وحول المائدة يتلقف الطعام.. يهز برأسه مكتفيا : ممممممم حقا لذيذ، وأرد عليه غير مكتفية صحة!
تتوالى ذات الأرقام وذات الصباحات المتآكلة وذات العزلة
وحدك يدري عزلتي في جذورك وما تفعله ريحك في الرقص على قدري………………
تعال واخفض درجة عيني
تتقاسمني يومياتي.. يوميات امرأة عزلاء،
أرتب كل مساء أبجدية الروح حتى لا تتشرد وتضيع مني
وأغفو في حضن أغنيتي….((مين.. مين يلي ياخدني منك.. ولا.. ولاي بعدني عنك ))
على غير العادة يفتحُ بابي بوجه فرح : ممممم اسمعي اليوم سيأتي خالد….
ابتسمت بشدة وتوقف هنا المشهد.. صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود.. وشريط خالد يمر كبرق تلو الآخر.. مرحه، تفاؤله، حبه لي وباقات ورده وانتظاراته قبل زواجي………
واقتطف مشهدي مكملا : سنسهر اليوم ونحتفل بعودته من الغربة وأيضا بنبأ خطوبته من صديقته التي تعمل معه هناك بذات الشركة
هززت رأسي بتودد.. أي نعم.. وغادر
كان يوما جميلا على غير العادة، النشاط والحماس يدبان بعروقي وكل طاقات الحياة الكامنة تفجرت بي
نظفت المنزل بحب وكم كانت زواياه معتمة معنكب عليها قلبي، أخرجت الزهور التي كانت مخفية مثلي بدرج في مكتبة البيت، ووضعتها منتصف القلب والمائدة، جهزت عشاءا بسيطا إلى جانب سلطات وتبولة سورية، واستلقيت وسيجارتي ريثما يحين موعد الفرح وأغنيتي حولي تتراقص دمعا فرحا..(زي الهوى يا حبيبي زي الهوى.. وآه من الهوى يا حبيبي.. وخدتني من أيدي يا حبيبي ومشينا تحت القمر غنينا وفرحنا واحكينا وبعز الكلام ضاع مني الكلام وتريني.. ماسك الهوى بأيدي ماسك الهوى وآآآ………… وقُرع الفرح
ركضت الباب وكلي فضول وسعادة وبقفزات ثلاثية أصل الباب ويدي تشنجت على قبضته ومشهد آخر أبيض وأسود، يدي على قبضة الباب وعيناي خلفه وعمار خلفي..
يا قبضة حياتي عندما تغيب يضيع بابي وتصبح غرفتي ممدوة الألسن وريح هوجاء تنخرني فكيف ستأتي على بردي على هلعي.. تعال غزيرا كدموعي.. لا تأتني متعقلا كحبات مطر أيلول يخبئ تهوره لأشجار الزيتون…….
وعلى صوت خالد المشاغب : ممم وك افتحوااا.. ننتفض من المشهد وفتحته…………….
عيناك تشبه قلبي.. وابتسامتك مثل مراهقتي وعندما تغيب.. أُشبهك كثيرا
ها هي عيناه الواسعتين أملا.. العسليتين حبا اشتبكت بهما وفجأة قدمي من الأسفل تقفز كنابض متسلقه رأسه وأحتضنه لأقبله، منفصلة عن زماني ومكاني فافسحوا لي يا بنات آوى الملتصقات على ظهري وهذه رقصتي على سكة الجليد في عينيه
فتأرجح يا حبيبي على ارتباكي، طاشت أغنيتي أُركب دو.. ري.. الدوري الراحل.. ري مي.. ريمي الحزين.. فا.. صل.. فاصل يطارد عشقي.. صل.. لا…….تهت بينهما أأصل أم لا، ووقعت سي الأخيرة بالفخ
ورمح حارق يخترق رأسي يسقطني منه على الأرض بلا قبلة، أنظر خلفي عمار متسمر ومن أمامي خالد متسمر.. مشهد بكامل ألوانه يبتلعني، أغمض عيني ودموعي تغرغر تحرق حدقة العمر، مازال الباب مفتوحا
كأن سنن الكون اختلت… واختلفت سنن العشق
خرجت منه وخلفي احتفال ينتظرهما، وبخطى مثقلة..((وبعز الأمان ضاع مني الأمان وتريني

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!