بين يَدَيْ نص/بقلم:د.صوفيا الهدار( اليمن)

 

رغم الدماء التي سالت من شفتيها والكدمات التي على وجهها، نظرت إليه بتحد قائلة  أنها لا تريده،  وأنها لم تحتمل جحيمه إلا لأجل ابنها،  وكررت طلب الطلاق.
هددها بالقتل، لكنه لم يلمح نظرة خوف في عينيها، وكأنما لم تعد تخشى الموت!
جن  جنونه، صفعها، شدها من شعرها، جرها على أرضية المنزل، ركلها وبصق على وجهها.  فاكتفت بأن ألهبته بنظرة احتقار.
ركض الصغير إلى  حضنها، مسح البصقة عن وجهها، وحاول  أن يعيد ترتيب خصلات  شعرها المنكوش،  ثم طبع قبلة اعتذار على خدها المتورم.
انتزعه بعنف من بين ذراعيها… صرخا،… جره إلى المطبخ،… حاولت اللحاق به، دفعها حتى أوقعها على ظهرها، أغلق الباب دونه، سمعت صرخة مكتومة، خرج حاملا رأس الطفل وألقاه في حجرها.
عند هذه اللحظة توقفت عن  الكتابة، فقد أصبتُ بالدوار من هول الفاجعة، شعرت بحاجتي إلى التقيؤ، ما الذي فعلته بحق ذلك الطفل المسكين؟!
كيف كتبتُ نصا بهذه القسوة؟
حتى أني عندما  تأملت ما كتبته، وجدت أني لم أصف عذابات الطفل في لحظات ذبحه، رغم الدموع التي ذرفتها لأجله لحظة تشكل النص في مخيلتي، ربما لأن لا كلمات يمكنها وصف ذلك.
أعترف أن قلمي قد عجز عن وصف بشاعة ما حدث، كما يعجز الآن  عن تصوير فاجعة الأم في ولدها، ووصف ذلك الوجع الذي لا ينتهي.
جن جنوني، كيف سمحتُ لذلك الوحش باغتيال براءة الطفل ولو كان في نص على ورق؟!  ولكن الفأس قد وقعت في الرأس.
وجهت غضبي نحو ذلك الأب المتوحش،  حاولت أن أكفر عن ذنبي،، سخرت قلمي لجمع كل الأدلة، أولها كان اعترافه بالجريمة، وتبريره لها  كتأديب لزوجته!
كشفتُ زيف التقارير الطبية التي تشكك في سلامة قواه العقلية، والتي حاولت بعض الشخصيات الورقية استخدامها لتبرير فعلته.
أردت أن ينظر القاضي في شناعة الجريمة، قدمت كل الأدلة التي تدينه. ثم تركت القاضي يقلب الأوراق بين يديه.
رحت أفكر في الصيغة التي سأكتب بها الحكم، ترى ما الذي يستحقه هذا المجرم؟
سأحكم عليه بأشد العقوبات و أذيقه مرارات العذاب.
شعرت أنني سأنهي القصة بنهاية عادلة وإن كانت لن تعيد الحياة للطفل، في الحقيقة، ولا حتى على الورق.
في هذه اللحظة  لاحظت أن رأس الصغير الذي تركته مجزوزا في ذلك السطر، يهتز بطريقة مريبة أربكتني، شعرت أنه يريد أن يقول شيئا، ولكن كيف لي أن أعيده للحياة؟
لم أستطع تجاهل ذلك الرأس الصغير فكان لابد من أجد مخرجا لظهور شخصيته من جديد، دون إخلال بحبكة النص.
أعرف أن ظهوره سيثير الرعب بين شخوص القصة، ولكنه بالتأكيد لن يكون بمقدار الرعب الذي عاشه هذا الطفل.
كما أن هذا النص الذي بدا في أوله واقعيا، تطورت أحداثه لتفوق الخيال،
تخليت عن أنانيتي ككاتبة، وقررت أن أرجئ التفكير في موضوع الحبكة، وأن أعطي لهذا الطفل فرصة واحدة ليقول ما يريد.
اقتربت منه، فهمس لي بأنه يقدر مشاعري تجاه قضيته، واستماتة قلمي في الدفاع عنه، ولكنه ليس وحده، هكذا قال، فهناك عشرات الأطفال غيره يموتون حرقا أو تعذيبا أو ضربا بالرصاص على أيدي آبائهم.
أردت أن أقول له بأني سأدافع عنهم جميعا، وفكرت لحظتها في قسوة النصوص التي سأكتبها فانتابت جسدي قشعريرة.
صعقني أخيرا بقوله أن هؤلاء الآباء لا يقتص منهم القانون!
لم أصدق ما سمعت، لكن إيماني بأن الأطفال صادقون و الموتى لا يكذبون شوشني.
ألقيت بالقلم  فتحت شبكة الانترنت على هاتفي، بحثت عن قانون الجرائم والعقوبات، كان رقمه 12، صدمني ما جاء في مادته 59،   بأنه لا يقتص من الأصل بفرعه، وفي أخرى رقمها  233‪ أنه يجوز التعزير بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات،!
لم أرد تصديق هذا أيضا، اتصلت بصديقي المحامي، فأكد لي ما قرأت.
تملكني شعور بالقهر والغضب وأحاسيس لا يمكن وصفها. ألقيت بهاتفي جانبا، عدت إلى نصي، أردت أن أغير هذا القانون ولو حتى في نص على ورق، ولكن عندما  وصلت كان القاضي قد أصدر حكمه….

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

تعليق واحد

  1. كم أنت رائعة دكتورة صوفيا الهدار ، بورك إبداعك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!