إسقاطات الحقل الدلالي وتعالقاته بالرمزية الدينية في تأويلات السقوط المنداحة عن نص (خيبة) ل د. جنيد محمد الجنيد

لصحيفة آفاق حرة

***************

كتب : بسام الحروري ( اليمن )

النص
****

(خيبة)

في كل مرة يصل فيها إلى باب الجنة، تكون بانتظاره فاتنة تأسر لبه،
فيقضم تفاحتها بنهم شديد. و فجأة،
يجد نفسه تائها في جحيم الأرض..

جنيد محمد الجنيد

**************

القراءة
******

في نص “خيبة” ل د جنيد محمد الجنيد من جنس ال (ق.ق.ج) يتمثل حرف الجر الاستهلالي “في” عند مفتتح النص كفاصلة لجزئيات سردية سبقت النتيجة/ الخيبة حيث تؤسس هذه الجزئيات لمابعدها وهي النتيجة
وهناجاء السرد بصيغة التكرار ليعزز من تواتر الخيبة ويستنسخها من خلال تكرار المحاولات لتبين عن سلسلة من الخيبات التي يجترحها العاشق تجاه أنثاه الموعودة ، وكذا لتكثيف النص في سياقه المختزل حين يرتكز الكاتب في إسقاطه على أسطورة التفاحة/ الخطيئة المعروفة
التي قلبت حسابات آدام وزوجه تجاه نظرة الخلود والنفوذ وملك لايبلى ، كما جاء في سياقه القرآني في سورة طه الآية 120 (فوسوس إليه الشيطان قال ياآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لايبلى) وفي سياق متصل لم يجردها أي التفاحة من سياقها التاريخي والزمكاني(الكرولوتوب)
وهو هنا يستدعي المتلقي بمواربه ذكية ليوقعه بشرك خفي حين يظن المتلقي أنه سيقف على قصة التفاحة بميثولوجيتها الدينية المعهودة
وبغض النظر جردت التفاحة من سياقها الروحي أم أنه تم تجسيمها بشكل حسي لتتماهى مع جسد الحبيبة إلا أن علائقها النصية تستجر المعنى وتعيد تدويره لتظهر التفاحة بشكل أو بآخر يختزل الحبيبة ويتوقف عندها ولايواصل كفاحه ومثابرته الذي من المفترض أن يكثف من محاولاته متجردا من الشهوات ليفوز بحبيبته جسدا وروحا ،لكن هذا لايحدث حين يغريه المحسوس وتعميه الشهوة فيتوقف عند حد معين الا وهو القضم ( فيقضم تفاحتها بنهم شديد ) بعد أن كاد يصل ويحوز أنثاه على اكتمالاتها الحسية والروحية فيهوي إلى الأرض/ القاع كما شبهه السارد (بالجحيم ) كنتيجة حتمية لهذا السقوط ،ومن جهة أخرى يعيد الكاتب تشكيل المواقع الأخروية من خلال رسمها وقولبة أمكنتها المتعارف عليها في سياقات النصوص الدينية الواردة في القرآن والإنجيل وغيرها من الكتب المقدسة
التي صورتها بإيعاز من الشرائع السماوية , فبعد أن كانت الجحيم أفقية موازاة بالجنة والنعيم وإن كانت هذه الجنان على هيئة درجات لكنها بالمجمل تظل بالسماء على المستوى الأفقي الذي تتوازى به مع الجحيم بدركاتها

لكننا بالمقابل نجد أنفسنا في نص خيبة أمام مباغتة
تصادمية عمودية حيث تكمن الجحيم بموقعها الأرضي عموديا وهي مشابهة ومقاربة تتناص مع توصيف الزبيري في روايته (بلاد واق الواق ) حين أسري به إلى السماء من خلال التنويم المغناطيسي ليلتقي بالشهداء ويعيد صياغة وتشكل الأمكنة بين الجحيم والجنان عبر مخياله الروائي سابحا على متن براق

ومن خلال ملامسة النسق الروحي والصبغة الصوفية بحكم البيئة والنشأة للسارد التي عكست مبدأ الثواب والعقاب والتسامي عن التمادي في اجتراح الخطيئة في نص “خيبة” فإنه يراوح في موازاته للحقل الدلالي لنصه المكثف مابين المعنى والمبنى في سياقاتهما ومدلولاتهما الدينية من خلال منهج الشك الديكارتي من جهة كحديث أبي بكر عن الجنة ” لووأن قدمي داخل الجنة وأخرى خارجها لما امنت مكر الله أو كما قال.. بمعنى أن الجحيم مأوى طبيعي ينتظره إن ألهته مغريات الحياة الدنيا والتهى بقضم التفاحة (حسيا)
ونسي واجباته والتزاماته الأخروية (روحيا) مع استمرارية المحاولة في الوصول دون سقوط إلى جحيم يترصده

كما يأخذنا النص في أسقاطه إلى مفارقة كبح جماح النفس تجاه شواتها وإن كانت المفارقة هنا ارضية/ أرضية حيث يقود طالوت جنوده من بني إسرائيل إلى قتال لاهوادة فيه فتغريهم شهوة الشرب من الماء/ النهر الذي ساقه الله إليهم كامتحان وهو في طريقهم إلى القتال (قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني) البقرة آية 249
فكان السقوط نتيجة لهذا الإنسياق وراء الشهوة والوقوع بجحيم العجز

ومن جهة مغايره تناوله لمغامرات أبرز العشاق الذين عرفهم التاريخ العربي والغربي
حين اصطلوا بجحيم حبهم وهيامهم المبالغ فيه حتى قادهم إلى الموت/ النهاية, كنهاية حتمية لكثير منهم إن لم يكن الشقاء إذا ما كتبت لأحدهم الحياة كقيس ليلى الذي مات مجندلا بين الصخور وعنترة وابن زيدون و(وضاح اليمن) الذي انتهى به العشق مدفوناً في صندوق عشيقته وكثير عزة وروميو جولييت وغيرهم..

كما يرصد الكاتب في إسقاطه للجحيم الفردي للإنسان من خلال معاناته والضياع بتيه من دوامة التساؤلات المتداخلة والمنداحة على اختلاف تنوع المعاناة التي يعيشها وإذا ماأمعنا النظر لوجدنا السقوط مرتبطا بجاذبية التفاحة كما حدث مع نيوتن وليس بالضرورة أن تكون التفاحة هي التفاحة المقصودة أو الأنثى هي ذاتها حين تتقمص شكل الحياة ومغرياتها المادية وأذن فإن السقوط هو السقوط سواء أكان يقاس بسنوات ضوئية من أعالي جنان الخلد أو بمسافة أذرع بجاذبيته مغرية تجاه تفاحة خادعة براقة إلا أنه يظل ذاك التردي الغير محسوب العواقب في جحيم السقوط الكبير

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!