إضاءة نقدية(قلب قدسي) د. ريم الخش/ بقلم : أ. د .النقد والبلاغة .مدحت عبد الجواد

#_من_دلائل_رضا_الله_عن_عبدته_ريم_هذه_الهدية_النقدية_من_استاذ_النقد_والبلاغة الدكتور مدحت عبد الجواد :فالحمد لله حمدا كثيرا كما أمر….
**********************************
السياق الأسلوبي، وتحويل الدلالة في قصيدة ( قلب قدسي)
***********************************************
للشاعرة الرائعة د. ريم سليمان الخش ….. بقلم / مدحت عبد الجواد …
اسمحوا لي أن أطلق عليها لقب ( رمح القدس ) وإذا فتشتم لعرفتم سر هذا اللقب الذي اخترته لها، وعمقه في التاريخ والحضارات، وربطه باسم آخر صاروخ أعلن العدو الإسرائيلي عنه ؛ لذا فقد آثرت الربط المتنوع الدلالات .
وأقسم – غير حانث – إن لم تكن كتبت غير هذه القصيدة فإنه يكفيها؛ لأنها تضعها في فلك النجوم الشعرية العلوية، تسبح مع قامات الشعراء الفطاحل في فضاء الشعر الأول، وستعلمون أنني أزف إليكم عروس الشعر، ولن يسعني المقام- وإن حاولت جاهدًا – أن أكشف أسرار هذه الدرة الفريدة في عالم الشعر .
نص يثير _ بدءًا من عنوانه – جملة من الأبعاد الدلالية المنبعثة من الربط بين ( قلب ) من جهة، و( قدسي ) من جهة أخرى، وإن من أبرز هذه الدلالات ما يلتقطه الحس العام من اشتمال دالة ( قلب ) على مكونات دلالية معينة منها : المشاعر المتضاربة كالحب بجميع درجاته، والألم ، والحزن ، والتحسر ،… وغيرها من المشاعر المتضاربة التي باتت كأنها بساط افترشته الشاعرة ؛ لترتب عليه ما شاءت أن تقدمه من معانٍ ، أو كأنها خريطة شعرية بسطتها ثم راحت تؤسس معالمها من معانٍ في قصيدتها الرائعة ..
في مقابل اشتمال دالة ( قدسي ) على مكونات منها : ( الهيبة ، والقداسة ، والحب المقدس ، والاحترام ، والعبادة ، وأهمها الدلالة القاطعة على قدسنا الشريف ومكانته في قلوبنا ، والربط الإسلامي التاريخي والحضاري المقدس وغيرها …)
وبالطبع فهذا يفضي إلى ربط بين عالمين ممتدين، ويتجه نحو حب خاص لا يتصف باللهو أو العبث بل يتجه نحو القداسة، والتقرب لله بهذا الحب، وهو عالم شكلته الشاعرة من وجدانها فيما أفردته من معان، وصور بلاغية وتراكيب رائعة.
ومع أن الشاعرة محبة ومتأثرة بمشاعر متضاربة إلا أنها تملك زمام أفكارها تسيطر على ترتيب تلك الزفرات التي تزفر حرها حبًا وحسرة وألمًا ومناجاة …، فلم تتفلت منها المعاني – رغم تضارب هذه المشاعر- فلم تتشابك، ولم تصرع شاعرتنا- ورغم قسوة تلك المشاعر_ وهذا يدل على براعة الشاعرة في ترتيب تلك الزفرات الحارة، والتي شكلت منعطفات القصيدة ، وكانت تمثل ما يقارب إحدى عشر زفرة، وفي كل زفرة منها فكرتان : داخلية تمثلت في المشاعر المنبعثة، وخارجية تمثلت في الأفعال المتشابكة والدوافع، وكأنها تضع نصب عينيها أن العدد يصير ( اثنتين وعشرين )، وهو عدد ( الدول العربية ) التي تشكل الوطن العربي، ولا أعرف إن كان ذلك عن قصد منها أم كان صدفة صنعتها فطرة الشاعرة، ولا عجب فهى عالمة دكتورة قبل أن تكون شاعرة .
فإذا تابعت السباحة في رحلتك من منبع القصيدة العذب قاصدًا المصب، مستعذبًا الرحلة في بحر مشاعرها مستسلمًا للموجات الشعرية السابحة في فضاء الكون الشاعري، فعجبًا لن يسقطك تنافر، وتصارع المشاعر – رغم ما تحويه من صراعات – لأنها تنساب كأنها تصنع قصة قصيرة تأخذك أحداثها، وتنعطف بك إلى قمة الصراع، لكنها لا تسقطك من تلك القمة بل تحملك كالأرجوحة؛ لتهبط ثم تصعد، ثم تنعطف كأنك في وسط مجرى مياه لعبة ( النهر السريع)، وأنت تترقب النهاية التي تعلمها عند المصب .

قلب قدسي
أنبئيهم عمّا يطوّقُ قدسي
من خناقٍ مُدلّسٍ فيه تمسي
من صراعٍ على البقاء بعصفٍ
رام خسفا مزلزلا ذات بؤسِ
وكأنّ المدى العروبيَّ حكرٌ
لدعيٍّ أراد بيعة بخسِ
***
لا وربي ماريعنا لمزادٍ
لا ولسنا على الخيانة نرسي
إنْ يكن إبليس اللعين تمادى
فكفاحٌ مؤججٌ مثل شمسِ
قد يُمني الجسورَ أنّ انتصارا
بعد عزمٍ مكللٍ بالتأسي
***
إنما العمر صرخةٌ تتشظى
بين أوجاعٍ ثائراتٍ ورمسِ
وبقاءٌ للوارفات غصونا
واندحارٌ لكلّ عصفٍ مؤسي
***
إنّما الفجر من (إرادة )حرٍّ
وهب الأرضَ جرحُه ألفَ عرسِ
***
ويقيني بأننا كحديدٍ
من نجومٍ عملاقةٍ ذات بأسِ
جعل الله قلبها دون خرقٍ
خصّها السرّ محْكما دون مسِ
***
إننا الثقل في الرواسي وإنّا
ثقة الأرض إنْ طغى صوت هجسِ
فاكتسيني من الحديد اقتباسا
كلباسٍ من الإباء الدمقسي!
ربّ فجرٍ مبشّرٍ بانبلاجٍ
شقشق الليل داحرا كلّ نحسِ
*****
يالجرحٍ ينزّ ماانفك يجري
زاد نزفا مابين طعنٍ ودهسِ
منذ بلفورَ والطعان تتالت
في انصبابٍ من الزمان الأخسِّ
وئتدنا ونحن أحياء ظلما
آلة الشرّ والولاة كرمسِ
في ارتهانٍ لحضرة الغرب أمسوا
كطغاة على الرقاب بدعس
***
بتُّ كالعصف قد ذرته رياحٌ
هسهس الآه من مرارة تعسِ
يلعب الشرّ بالمصير نفوذا
باستنادٍ على العمالة رجسِ
كلّ نصبٍ مهيئٍ كعميلٍ
جنّدوه لكي يسود بنقسِ
لاعلومٌ لا منعةٌ لاارتقاءٌ
هو للبؤس حارسٌ رجل كرسي
جعلوا الخبز مطمع الناس إمّا
فزّ جوعٌ على الشعور مؤسّي
*****
خصّنا الله بالرسالة جنسا
عربيا محققا نبل أُسِّ
لغةٌ قد أرادها ككليمٍ
وهو الله مبدعٌ كلّ جنسِ
فضل العرْبَ عن جميع البرايا
بكتابٍ مخلّدٍ دون درْسِ
كدليلٍ على اكتمال عقولٍ
وامتيازٍ لكلّ طيبِ غرسِ
واصطفانا من بين روم وفرسِ
بلسانٍ مخاطبٍ قوم عبسِ
***
حكمة الله أنْ نظلّ بحفظٍ
لامساسٌ من الضياع المخسِّ
بيدَ أنّ المشيطنينَ كلغمٍ
يمنع السير في انفجارٍ مجسِّ
ماهدأنا من انفجارات حقدٍ
وشظاياه أثخنت كلّ نفسِ
لم يدع للشروق جبهة شرقٍ
مثل ثكلى ترمّلت يوم عرسِ
*****
ياإلهي أللتباغض نحيا؟!!!
كم نعاني من الحسود بنكسِ
***
ياإلهي جميع خلقك يهذي
بهوى الربّ إذْ يروح ويُمسي
منذ إبليسَ والغرام شَرارٌ
في اضطرامٍ مهدد كلّ أُنسِ
أخوة الجبّ قد أتوه عشاءً
بافتراءٍ …وقد شروه ببخسِ
هم جميعا لربّ يعقوب صلّوا
في دياري وحائط الدمع قُدسي!!!
لك ضحوا (إلهنا) من عروقي
لك قاموا أحبّة دون قعسِ!!
لك جاؤوا جحافلا لاقتتالي
سفكوا (الدون) من إمام وقسِّ!!
***
تابع الرؤية النقدية :
اللوحة الأولى : أخبار القدس:
ارتكزت الشاعرة على الفعل ( أنبأ ) وهو دون الفعل ( نبَّأ ) فالأول يستلزم شرحًا مختصرًا لحال القدس، وهو ما يتناسب مع وضوح حالها، أما الفعل ( نبأ ) فهو يتطلب معنى التفصيل والشرح وهذا غير مطلوب هنا ، وهذا يدل على دقة استخدام الأمر في تركيب يتعاضد مع المضارع في ( يطوق ) الذي يوحي يتجدد الخناق مع محاولة التفلت المستمرة والإضافة في ( قدسي ) التي توحي بالخصوصية، والاعتزاز ثم براعة الاستهلال والجمع ين قدسي وتمسي ، وتوظيف اسم المفعول ( مدلس ) للكشف عن الزيف الذي استباح به هؤلاء حرمة وقدسية القدس، وما نشره الفعل تمسي من ظلام يوحي بالنهاية للنور وبداية للظلام .
يقابله ( صراع )، وهنا نصبح أمام صورة حركية قوية حوت كل أنواع الحركة، تتعاضد التراكيب البلاغية المتنوعة ؛ لتكشف أغراض الدعي الذي ينهب ثرواتها ويبيع الأوطان .

_ اللوحة الثانية : صرخة استنكار :
رفض يمتزج بالقسم ويتكرر معلنًا بعدم الإقامة على مزاد الخيانة، وهنا تكمن دلالة إبليس على الغواية والخداع والعداء وضرورة الكفاح الذي اتخذ هنا طابعًا مقدسًا؛ لأنه واجب ضد عدو الله، ولنا أن نتخذ ممن سبقونا قدوة ( والتأسي ) جمعت بين الاقتداء بالسابقين وحذو حذوهم في الكفاح ، وبين التصبر وهذا ما يتطلبه الكفاح والعزم عليه ، والبراعة في استخدام كلمة ( ريعنا ) ؛ لأنها جامعة لكل الخيرات من ماء وزرع وتجارة واقتصاد وغيرها..
اللوحة الثالثة : العمر صرخة :
الاتكاء على أسلوب القصر الذي يمتزج بالتشبية والاستعارة ويجمع بين المتقابلات؛ ليعلن الشمول بأنه يبدأ بآلام وينتهي بـ ( رمس ) وهي دلالة وكناية عن الموت؛ لأنها تعني حثو التراب على القبر، والجمع في تركيب رائع بين متقابلات الحياة، وملاذها والتي حتمًا تنتهي إلى نهاية حزينة عاصفة سريعة مهلكة وما صاحبها من صور بلاغية .
اللوحة الرابعة : فجر الحرية :
ارتكزت على أسلوب القصر؛ الممتزج بالاستعارة مع التقديم والتأخير، وتصوير الفرحة التي نبتت من جراح الشهداء، وتخيل اللون مع دلالة رمزية الفجر، وحركة ( العرس)، وتميز( الهبة ) ، وهي العطاء دون انتظار المقابل، فما أعظمه من عطاء وتنكير كلمة ( حر) التي زادت المساحة؛ لتشمل كل الشهداء الأحرار، والجمع بين النفس الداخلية ورغباتها الذاتية، وبين الفعل الناتج عنها ..
فأي شاعرة أنت؛ لتصنعي بيتًا بهذه التراكيب التي وصلت ذروة البلاغة ؟!
اللوحة الخامسة : العلم والإرادة :
تجمع بين العلم الكوني والديني في آن واحد معتمدة على التركيب المزجي بين التشبيه، والحقائق الدينية في وصف الذات بأنها تشبه صلابة الحديد المنبعث من النجوم، وكذلك الحقائق الدينية التي جعلت النجوم لاتمس بقدرته في إشارة بارعة إلى عدة آيات بالقرآن الكريم .
وترتكز على التوكيد؛ لتعمق التشبية والاستعارة التي تبين قوة قومها، وصلابتهم، في مقابل ( الهجس ) وهو أحاديث النفس، وتتكأ على الأمر؛ لتأخذ من الحديد ( اقتباس )، وكأنها تقتبس نارًا والدلالة تحيلنا لقصة سيدنا موسى عندما آنس من جانب الوادي نارًا فقال : لعلي آتيكم منها بقبس …..
وتربط التشبية هنا بأنه ثوب إباء وكرامة، وكأنه ديباج مطرز من الحرير وقد جمعت الشكل بالقيم العظيمة بكلمة ( دمقسي ).
وتنتظر الفجر أي فجر يزف إليها خبر انقشاع الظلام ؛ لبدد ظلام الليل النحس، فهي لم تفقد الأمل بل ترتقب النصر ، وتأمل المصدر ( انبلاج ) الذي يوحي بالقوة التي تكمن في( شقشق) وهو صوت يعلن باندحار الليل وصوت الفجر وصوت العصافير.
ـــــــــــــــــــــــــ
وحتى لا يطول بنا المقام، ويمل القاريء الهمام، فالزم حبيبنا ذلك الدرب تغنم لذة المدام
ولأن للسامع والقاريء طاقة فإننا ننصرف قبل أن يصرفنا .
ومن طلب الاستزادة فإن في الكتب الإفادة
ومن تابعنا نكرم أهله بالوفادة .
دام إبداع الشاعرة العملاقة …( رمح القدس )
تابع القصيدة :
إنّ ديني منزّه عن ضلالي
هو كالشمس باعثٌ دفءحسيّ
خلط الناس بين كبْرٍ ودينٍ
فارتوى الكون من تخاريف مسِّ
إنما الله جامعٌ للبرايا
ناشر السلم كالشعاع بشمسِ
في هواه : بحق من زان نفسي
سوف أحيا محبّة كلّ نفسِ
في دمائي محمد الحبّ نورٌ
وحسين الشهيد قد كان قبسي
***
تكْنُلوجيا هي الحياة بعصري
فاطلب العلم لا تُصاب بضرسِ
واسعَ دوما إلى التنوّر يُجلى
بانبهارٍ جَلاله دون لبسِ
ليس كالعقل منقذٌ في صراعٍ
صار للشرّ قوة ذات بأسِ
طائراتٍ بغير طيّارَ تغزو
وأخو العرْبِ راكبٌ ظهر عنسِ!!
فاصنع العلم لا تُقايضه مالا
تلقَ سجنا مغلّقا مثل رمسِ
تبقَ عبدا فلا تُصيب المعالي
كيف للمجد أن يُرى إثر طمسِ ؟
***
فاصنع الفلك راكبا ظهر فكرٍ
وامخر الأفق أو تُرى حيث تُمسي!!
***
في اكتمالي ورفعتي وانفتاحي
سوف أسعى محررا قلب قُدسي
د. ريم سليمان الخش

عن جودي أتاسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!