الخبرة تتجلّى إبداعًا إصلاحيًا عند الدكتور سلطان الخضور في كتابه (رسالة من امرأة)

لصحيفة آفاق حرة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الخبرة تتجلّى إبداعًا إصلاحيًا
عند الدكتور سلطان الخضور
في كتابه (رسالة من امرأة)

بقلم – الروائي محمد فتحي المقداد

العنوان (رسالة من امرأة) الذي صدر حديثًا، جاذب لمعرفة فحوى رسالة، خاصة إذا كانت من امرأة، وتحت العنوان مباشرة وبين قوسين، دلالة على هويّة الكتاب الذي جاء بمواده المختلفة عبارة عن نماذج من الأدب الاجتماعي. والعنوان هو أحد نصوص الكتاب، من الباب الثالث اليُشيرُ إلى (قصص من الواقع). والرسالة جاءت غير مباشرة من زوجة صديق أحدهم، أثناء زيارته، حين قدموا له واجب الضيافة، فكان أولًا كأس العصير كان ساخنًا، فأحسن الظن، بأن ثلاجتهم عاطلة ومتوقفة عن العمل، لكن لما قدموا له فنجان قهوة بماء بارد. فهم بأن صاحبة البيت لا تحب الضيوف، وهو على الأخص ضيف غير مرحب به. فقام من فوره ولم يعد لزيارة صديقه، أيضًا لم يخبره بملاحظته، كي لا يتسبب بخلافات لعائلة صديقه.
والالتزام بتكاليف وأعباء مفروضة على هذا الإنسان، كونه يعي ويدرك حجم المأساة في محيطه، ويتلمس دروب تحسين الأوضاع بشكل عام، والالتزام رديف الإصلاح الأساسي، فلا فائدة من غير تبنْى المثقف قضية ويدافع عنها، وكثير منهم من كان كبش فداء لذلك. والكاتب والأديب والمفكر والعالم لا بدّ أن يحمل قضايا مجتمعه، وقضايا كبرى مرتبطة بالقضايا المصيرية للأمة.

*توزّع الكتاب على خمسة أبواب:
– الباب الأول: إضاءة على الأدب الاجتماعي.
– الباب الثاني : مقالات ومواقف.
– الباب الثالث: همسات.
– الباب الرابع: قصص من الواقع.
– الباب الخامس: رثائيات.
ومن الإنصاف لكتاب (رسالة من امرأة) تناول الفصول فصلًا فصلا، وتبيان ما انطوت عليه من عبر وعظاتٍ وجماليّات، لأنّ كلٍّ منها أخذ منحى مختلفًا عن الآخر بموضوعاته، وكان من الممكن أن يكون بعضها كتابًا مستقلًّا، إمّا عبارة عن مجموعة قصصيّة، أو مجموعة خواطر.

*الباب الأوّل: الأدب الاجتماعي:
بحث قيّم ومفيد للقارئ، ابتدأ بتعريف موجز للأدب الاجتماعيّ من معجم المعاني الجامع للأدب: (ما أنتجه العقل الإنسانيّ من ضروب المعرفة عامّة) ص8، وعند رائد عالم الاجتماع العربيّ(ابن خلدون): “فكر الأمّة الموروث الذي يُعبّر عنه الشّاعر أو الكاتب بلغة ذات مستوى رفيع” ص8.
والأدب الاجتماعيّ يبحثُ في قضايا الناس جمعها، من قضايا حياتيّة يومية ومصيريّة، ومشاكل وتعقيدات، وهو جنس أدبيّ يهتمّ بالحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، ومختلف الشّؤون المنظورة وغير ها.
وأهميّة الأدب الاجتماعيّ تأتي من انتمائه للمجتمع، ويساهم في بنائه القِيَمي، ومعالجة التحدّيات، والنّظر إلى سُبُل الحلول النّاجعة في إرساء السّلم الأهلي والمجتمعي، من خلال إدراك الأديب (سلطان الخضور) المُبكّر لهذه الأشياء، ومحاولة القيام بدور توعويّ للارتقاء بمجتمعه للحالة المُثلى المنشودة في ذهنه. وهذه العلاقة التبادليّة بين الأديب ومجتمعه، تجعل من الأديب مؤشّر إنذار مُبكّر؛ لتحسسه المشاكل ولفت الانتباه لها قبل وقوعها ربّما بزمان طويل.

*الباب الثاني: مقالات ومواقف:
فالعنوان الأول في هذا الباب (الكرامة والأرض)، (إربد.. الوجه الصبوح، والابتسامة الدّائمة)، (بمناسبة يوم الصّحّة العالمي)، (الوحدة الوطنيّة)، (احتفال ومزامير)، (من العدل)، (أمّ النّكبات)، (تعليقات)، (نتائج الثانويّة العامّة)، (رسائل)، (حكاية شعب)، (النّظم مُعطّل).
هذه الطائّفة من العنوانات جئت بها على سبيل المثال لا الحصر، والمتأمّل لها، سيستخلص منها الرّابط بينها، ومثلها بقيّة العناوين في هذا الباب، فهي جميعًا مقالات ذات نهج اجتماعيٍّ إصلاحيٍّ، جاءت من خلال سرد أدبي بأسلوب رقيق قريب إلى النّفس مفهوم للقارئ مهما كانت درجة ثقافته، ومن السّهل استخلاص رسالة الكاتب التي أرادها، ودوّنها لتكون سجّلًا شاهدًا على زمن عاشه وعاين مشكلاته، وهو يتكلّم عنها بروح المُصلح والمربّي الغيور على مجتمعه وأمّته ووطنه.

*الباب الثالث: همسات:
جاء على شكل خواطر تميل إلى القِصَر، وأجمل القول ما كان مُختصرًا مفيدًا، بعيدًا عن تكلّف العبارة، والتزويق الأدبي الذي ما يجنح كثير به من الكُتّاب إلى الرّمزيّة الغارقة تيهًا في سردٍ أدبيٍّ متعشّب في دلالاته، ومن الصعب الإمساك بمفاتيح أيّ نصّ منه، ليكون من المستطاع فهم مراده.
وللتدليل على ما ذهبت إليه، سأنقل عبارات للتأمّل في إعادة تدويرها بطريقة الكاتب سلطان الخضور: (كن حييًا وقورًا؛ لتكسب رضا الله ورضا الناس) ص108، (على من يقرأ أن لا يسأل الكاتب: لمَ كتب، أو لمن كتب) ص109، (لم يكن الانتماء يومًا شعارًا يُعبَّر عنه بالكلمات) ص109، (أدخلوني في نفق مظلم، و لمّا وصلتُ نقطة الوسط، أطفؤوا بصيص النّور الذي كان في نهايته) ص109، (حبّ الحياة سنّة الله في خلقه) ص110، (الحروف كما اللّسان.. ليس بالضرورة أن تقود إلى الخير) ص110، (النقد البنّاء: هو النقد الموضوعيّ المُجرّد الخالي من الهوى، والذي يستدف الفعل لا فاعله) ص111، (مجالسة السّفهاء، كمجادلة الحمقى) ص111، (علينا أن نُعلم أولادنا أن يُعبّروا عن دواخلهم بصدق) ص112.
لعلّ الاكتفاء بهذه الطّائفة من العبارات رائعة المغازي برسائلها، ذات النّزعة الإصلاحيّة، ومن خلالها تتبدّى شخصيّة الكاتب الذي عمل في سلك التربية والتعليم، من الجيل العصاميّ الذي تعلّم وأثبت وجوده رغم المصاعب والفقر. فهو يتكلّم بروح أبويّة بتوجيه النّقد غير الجارح لمشاعر الآخرين، بتقدير قيمة الآخرين واحترام خصوصيّاتهم.

*الفصل الرابع: قصص من الواقع:
-فيقول الكاتب: ” كان محور الشّكوى من الأوضاع العامّة، واليأس وتغيّر الأحوال، والقلق والتأفّف من مصاعب الحياة، وعدم الثّقة بالمستقبل” ص155.
-“لم يعد الأمل من مفردات لغتي. بات اليأس يقتلني؛ فأنا إن بقي الوضع كما هو سأموتُ ألف مرّة قبل أن أغادر مسرح الحياة” ص158.
-“ما هكذا قلوب المؤمنين” ص159.
– “عمرك شُفت حدا بالعالم العربيّ يلتزم بموعد؟” ص160.
(سلطان الخضور) إنسان موجوع بهموم مجتمعه وأمّته، وهو قد عاصر النكبة والنكسة والتهجير، ومكابدة مشاقّ الحياة، فقد خبر دقائق مفاصلها ومخارجها ومداخلها؛ فكان (الرّائد الذي لا يكذب أهله).

*الفصل الخامس: رثائيّات:
فتخصص بمن رحلوا عن الدّنيا إلى رحاب الله، فكان أول مرثيّة لوالده، وللشاعر يوسف أبو حميد، وللشاعر أمجد ناصر، وللدكتور محمود الحمّوري، وجاره أبو محمد الحمّوري.
وفي المراثي عامّة يظهر صدق العاطفة فمن رثاء لأبيه، والذي هو جزء منه، لا يمكن بتاتًا إلّا أن يكون كلام القلب للقلب، بما يحمل من دموع وآهات وغصّة في الحلق والقلب، وكذلك الأمر انسحب على أصدقائه في مجال الثّقافة، وجاره أبو محمد. والرّثاء في الأدبيّات القديمة منذ البدايات الأدبيّة في الشّعر الجاهليّ ممتدّا إلى الحاضر ليكون للنثر دورًا بارزًا في هذا المجال، ليتساوق مع الشعر في تخليد المناسبة، وتمجيد صاحب المرثيّة، وإبراز محاسنه وفضائله.
ختامًا:
الكتاب (رسالة من امرأة) يعتبر سجّلًا جامعًا لزمان ومكان، وأحداث كثيرة، وانتقاد لأساليب التعامل اليوميّ على جميع الأصعدة الحياتيّة، في البيت والسّوق والمدرسة والدّائرة الرّسميّة وفي الحارة والمدينة والوطن العربيّ أجمع، ميدان هذه القصص والمقالات الهادفة النّابضة بالحياة من أجل حياة أفضل.
عمّان – الأردن
30\ 6\ 2020

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!