رمزية الأسماء في كتاب “لي في الوداع حكاية” للكاتبة إلهام أحمد جربوع

بقلم : رائد العمري

إنَّ القارئ لنصوصِ هذه المجموعة النثرية سيبحرُ في عالمٍ إبداعيٍّ في عالم الوصفِ والتشبيهات الدالةِ على اطلاعِ الكاتبة وثقافتها وخبرتها في صنعِ الصورةِ الأدبية واستغلالها على الوجهِ الأمثلِ الذي يقتضيهِ الموقفُ الذي تحاولُ إيفاءه حقَّهُ منتصرةً لنفسها في كلِّ مرة غيرَ مستسلمةٍ لأي تحدٍ يمرُّ بها أو حزنٍ بل لتصنعَ لها موقفا تثبِتُ فيهِ لنفسها أولا ثمَّ لمن حولها أنها ما زالت قوية وصلبة رغمَ ضعفِ بتلاتها وشحِْ مواردِ سقياها في صحراء المشاعر من حولها واشتدادِ الريحِ التي حاولت لأكثرَ من مرةٍ اقتلاعها من أرضها ولكنَّ هذه الريح كانت تبوء بالفشلِ في كل محاولة…

وإنَْ المطَّلعَ البصيرَ في هذه النصوصِ سيجدُ انتصارَ الكاتبةِ لاسمها ” إلهام” الذي كرَّرتهُ في العديدِ من النصوص وكذلكَ الياسمين الذي تكني به عن نفسها أيضا كما وردَ على صفحة الغلاف وتحت العنوان الرئيسي “لي في الوداعِ حكاية” لتضعَ وصفا هو ( إلهام الياسمين)، حيثُ كانت الكاتبة تجيدُ توظيفَ اسمها لتخلصَ إليهِ سواء كانَ مشهدا للحزن أو القوةِ أوالفرحِ أو الحبِّ أو الوداعِ، ولتشيرَ أيضا لنبضِ الإلهامِ الذي تضعُ القارئ في حيرةِ التفكّرِ فيمن يكون هذا النبض مصدرُ إلهامها أهو فقدُ الأبِّ ووداعه الأخير في شباط الحزن كما تصفه، أم هوَ لشخصٍ قد يكونُ حبيبًا أو صديقا مخلصًا أو شريكًا للحياة فكانَ توأمَ روحها، أم أنَّهُ حرفها وبوحها الذي لطالما كانت تهرب بهِِ و إليه بكلِّ أنفةٍ وعزةٍ مما تعانيه، أم هو اعتزازها بذاتها التي تراوحت في أن تتكلمَ عنها مرةً بصيغة المذكر وأخرى بصيغة المؤنثِ والتي كانت تعيدهُ ليكونَ هو النبضُ لإلهامها ومصدر قوتها لتشيرَ إلى كل هذا الثبات والقوة..

فمنذ النص الأول المعنون بِـ ” مفردة خططتها بشرياني” تقول فيه :
نسيتُ بحور شعري
وتاهت مني القوافي
نسيت حتى نفسي
وغابَ عني إلهامي
لم أرَ إلا حضور طيف

لتوظفهُ في الحديث عن الغياب لشخصٍ عزيز وغاب معه كل شيء، ثمَّ لتخبرنا عنهُ في نص “تحية” إذ تقول فيه:
السلامُ لمن يحاولُ أن يكونَ توأما لكَ في عصرٍ أكثرَ ما يسودهُ هو الخذلان..
السلامُ لنبضِ إلهامي العازفِ لحنَ حبٍّ حيثما حلَّ وكان..

وفي موضع ثالث تحت عنوان ” رسالة على ورقة صفراءَ” تقول في نهايته :
فقط تمنيتُ ان أسندَ رأسي على كتفك
وأغفو….
إلهامي بين بداية ونهاية…
وكأنها في هذا الأخير تعبِّرُ فيه عن صديقِ الروح الذي ابتدأت به نصها هذا عندما بدأته بالسؤالِ : تدري يا صديقي؟ لتقولَ أنَّ معهُ البداية والنهاية التي هو مصدرُ وجودِ الإلهامِ فيها..
وفي نموذج رابع من نصوصها تحت عنوان “دفء الكلمات” تقول في وصف ذاتها وحالها:
أشبَهُ بما لا يُشبَّهُ..
وكم من مشبَّهٍ لا مُشبَّهَ لهُ!
إلهامي وسكينة روحي
لترى التفردَ في ذاتها وحالتها الخاصة عمن سواها، فلا ترى لها شبيها يُماثلها أو حالةً تماثل حالتها..

وفي نصٍ خامس تحت عنوان “على حاشيةِ الكلام” تقول:
ألف حكاية وحكاية حكتها شهرزاد
أسَرت بها قلب شهريار..
لتصلَ لقولها :
سأبعد عن نفسي الملام
لأكتبَ أسفاري
لأخطفَ ألواني
لأُحيي طيف أحلامي
لأغني فيضا من إلهامي
وأخطَّ بنبضي نصَّ أشعاري
إلهامي أحلامٌ من نسج الأوهام
لتصلَ بنا للحديث عن حروفها وأشعارها وما يمتلئ بها قلبها من فيض أسراره، ثمَّ لتتراجعَ وتخبرنا بأنَْ كلَّ ذلك كان وهمًا كما تصفه، هاربةً من بوحٍ قد سرى وأفصحَ عمّا يخبئ ..

وفي آخر شاهد سأذكرهُ في هذا الصدد في نص “قمر” الذي تصفُ فيه قمرها لتصلَ وتقول في نهايته :
قمرٌ يغرسُ في الأحلام
ويشيح بوجهي عن الأوهام
ويزيح بطيفي عن الآلام
ويكونَ لقلبي هو الإلهام

لتبيّنَ لنا أنَّ هذا الشخص الذي وصفته بالقمر هو مصدر إلهامها وقد أبدعت الكاتبة في الكنايات والتوظيف لاسمها إلهام بمعناهُ ورمزيته ودلالته عليها في كل المواضع الكثيرة في نصوصها والتي لا مجال لذكرها جميعا في هذه الإطلالة النقدية..

وأما عن الياسمين ففي نفس النص الذي ذكرت سابقا تخبرنا إذ تقول لصديقها :
تدري يا صديقي؟
أنا لستُ هشَّةً كالياسمين..
أنا قويةٌ كشجرة سنديان مُعمِّرة…

وكأنَّ بها تخبرنا بشكلٍّ مبطَّنٍ عن مظهرها كالياسمين جمالًا وعطرًا فواحًا وهذا ما يُحقِّقُ أنوثتها، ولكنَّها بقوةِ السنديانِ عزيمةً وقدرة وقوة إرادة…

وفي شاهدٍ آخر من نص تحت عنوان ” نبضة على عتبات الروح” تجدها تذكر الياسمين إذ تقول فيه:
على هذه الأسطر الهادئة
تمايل فيضٌ من خاطري…
ونقشتُ بقلمٍ من عروق النرجس
اسمًا تعطَّر عشقًا
بياسميني المعتق

لتجعلَ من الياسمين المعتق سببا للإبداعِ والذي عطَّرَ العشقَ بدورهِ لينقشَ ذاكَ الاسمَ المبهمِ في سريرة الكاتبة بقلمٍ جعلته من عروقِ النرجس، لنرى جمال الوصف وقدرة الكاتبة في خلقِ الصورة المرئية والمحسوسة والمركبة التي تحملنا معها نحوَ الجمال والطبيعة الساحرة..

وفي شاهدٍ ثالث على ما وظفتهُ الكاتبة لدورِ الياسمين في العشقِ والحضور فيما تكتب، فتقول في نصها المعنون ” على سبيل الجمال” :
كسمفونية عالمية ألَّفها قلبٌ
وأهداها لتوأمهِ
في أمسية صامتة
عزفها نبض قلبين هائمين
على درب الياسمين

لنرى للياسمينِ دربٌ يسلكهُ العاشقون لينتهي بهم نحوَ الجمالِ غير مبالٍ لكلّ ما يراهُ البائسون..

وفيما تذكرهُ الكاتبة أيضا عن الياسمين في نصها الموضوعِ تحت عنوان “هواجس” إذا تقول :

أما آنَ لها أن تمسحَ تجاعيدَ قلبها
وتداوي ترهلاتِ روحها؟
أما آنَ لها أن تلوِّنَ بتلاتِها لتعودَ ياسمينةً بعبق معتَّق؟؟

وهنا تظهرُ الحسرةُ والألم لما آلَ له حالها وتتساءل بضمير الغائب عن موعدِ استئناف حياتها وعودتها من رحلة الحزن والخيبات والكوابيس لتلونَ من جديدٍ بتلاتِ ياسمينتها لتعودَ تفوحُ بشذاها المعتَّقِ الأصيل..

وفي الشاهد الأخير الذي سأذكره على الياسمين في نص الكاتبة المعنون بِـ “دوائي دائي” إذ تُفصحُ أكثرَ بأنَّ هذهِ الوردة كما تصفها هي الرمز لذاتها والذي يعبِّرُ عنها وعن شيفرتها وجمالها إذ تقول:

نداءٌ خفي يستتر خلفَ مُسماي
زادَ شغفي وإدماني بوردة باتت رمزا يختصرني
ياسمينتي
كلمةُ سر تشرع لها بوابة قلبي في صباح لا يكتمل
ياسمينتي
سنابل قمحٍ تخضّرُ فصلا، وتيبس فصولا
ومع ذلك تبقى قوتا تقتاتُ بها روحي
ياسمينتي
توقيع يختم ميثاقا بين ارضٍ وسماء
بين شرقٍ وغربّ
بألا يفترقا وإن لم يلتقيا
ياسمينتي
نعتٌ أثارَ فوضى مشاعري
وحولَ هدوئي إلى ضوضاء
أربكت مفرداتي

وبهذا يتضح تعلق الكاتبة بهذه النبتة التي حضرت معها في غالب نصوصها تصريحا أو تورية وعلاقتها بهذه النبتة المفضلة التي تمثلُ العشقَ السرمدي المعتَّقَ والسر المدفونَ في جبِّ النفس والذي فضحته الكلماتُ التي لم تستطع الكتمانَ..

وأما عن ثقافة الكاتبة إلهام أحمد فيبدو أنها مطلعة جيدا على العديد من الثقافات والحكايا والآداب والرموز، ومما يثبتُ ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر ذكرها في نصها المعنون “خربشات بلون الربيع” الكاهن الأصهب عازف الكمان الشهير أنطونو ڨيڨالدي صاحب المعزوفة الشهيرة “الفصول الأربعة” في حديثها عمن يقدر جمالَ العيون والتي ترى فيهما بريقَ اللجين الصافي وتجدُ في عيونِ من يقدرها أيضا نايًا يعزفُ لها سيمفونية الفصولَ الأربعة لڨيڨالدي بعدَ أن يحولها للفصولِ الخمسة فيتفوقُ عليه…

الكاتبة إلهام أحمد جربوع مدهشة حقًّا في لغتها وبيانها وتمكنها من ترويض الحرف، إضافةً إلى براعتها في اختيار العناوين لنصوصها التي تحتاجُ وحدها لدراسة وتأمل ينصفها فلا يمُرُّ بها المتلقي مرورَ الكرام إلا بعدَ أن يسترسلَ في فكرهِ في بواباتِ هذه النصوصِ التي تزيدُ من تشويقِ المتلقي ولهفتهِ في الولوجِ لعالم النص..

هذه إطلالة سريعة لضيق الوقت في نصوص الزميلة الكاتبة إلهام تاركا لكم متعتة التلقي لنصوصها ولذة القراءة والاطلاع والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!