صراع المرأة وحلمها في قراءاتي النقدية في قصيدة (ببسالة حلم) للشاعرة المصرية / هدى عبد المعطي)

بقلم:علي أحمد عبده قاسم .اليمن

أولا النص:

((ببسالةٍ حلم جريح
يتسلّق ندى صوتك غصن الشوق
ويغرق النبض فى يم الحزن العميق
حين تنمو سكرات الموت
كحديقة عارية الجراح فى بوتقة العدم
وتغفو أمنية اللقاء في هشيم اللاشعور
تعبرني الذكرى كنسيم من حبور
ويحتل أنفاسي ثبات عقيم
غضّة مواعيد موؤدة
تترنح في سديم عطرك ولا تفيق
فقد كنت أنت ….!!!
قصة مبتورة المعني
تنمو فى كنف أعماقي منذ الأزل
وتزهر فى جوف اليأس نرجس الأمل
سعادة مهداة لعمر مهدور
مسجي فى قبر من علل
تتأكله الأوجاع ويعلوه السقم
كنت أراك ….!!!
تقف على حافة الرحيل
وصوتك يرفع رايات الهجر
فلا يسعني الصراخ
خشية أن تقع فى جب النهاية
ويسيل عبق القلب قطرة .. قطرة
على نافذة الأمل !!!!
فلا يواسني دفء الذكرى
ولا تحتويني أنفاس اللقاء !!!!
فأتساقط بصمتٍ
كغبارٍ تحمله ريح الغدر إلى وادي الأحزان
محملا بسر قديم
يحكي قصة من عطر المنى
كانت للخلود عنوانا وللأمل أسطورة
يتغنى بها الشوق فى صمت مرير !!!

هدى عبد المعطي.))

ثانيا القراءة :
“ببسالة حلم جريج”
كم المطلع يثير الإنتباه وكم هو موفق لشد إنتباه المتلقي ليتشابك مع النص ويتابع قراءته فالنص قد صور “الحلم” بجندي في معركة جريح وهذا الجندي شجاع وفدائي لايخاف ولايتردد في متابعة التضحية والجود بالنفس والمشاعر الغالية في سبيل من يحب وإذا سأل المتلقي نفسه ماذا يفعل هذا الحلم ليكون بتلك الصورة العميقة؟ ستأتي بأنه” يتسلق ندى االصوت على غصن الشوق”
فهذا شجاع مقدام سامٍ مرتفع أخضر ندي فهو من الجمال بمكان .
ليس هذا فحسب بل هو ” يغرق في يم النبض الحزن حين تنمو سكرات الموت” ياله من حلم موجوع غارق غارق بموت الأشواق”
إذاً نحن وحدة موضوعية اكتملت فيها حبكة القصة وانتهت نهاية أولية مدهشة وفيها الشخوص وهو الحلم والذات المتصارعة به ومعه ويتضح ذلك من خلال من
“حلم باسل
يتسلق
يغرق في النبض
حين تنمو سكرات الموت”
واذا كانت الألفاظ والتراكيب تتحول في الصورة الشعرية والنفسية إلى طاقات تعبيرية شعورية ترسم الدلالات النفسية فإن الصور جاءت مشهدية كلية كفيلم درامي يرتسم بمشاهده المتوالية في مخيلة المتلقي”و ببسالة حلم جريح” فهذه تنعكس في المخيلة جندي حب وحنين جريح على تلة المعركة”
وهذه صورة تجريدية وسريالية لامعقولة
وتأتي مثلها ” يتسلق ندى صوتك”
” يغرق في يم النبض”
” حين تنمو سكرات الموت”
فتحولت إلى صور تعالج قضية الذات والأشواق ومايتعمل في الأعماق الموجوعة المسكونة بالجمال للماضي والموجوعة بالحاضر وكل تلك الصور تجسد التحدي رغم الجراح ومصارعة الموت وكل تراكيبها تجريدية سريالية لامعقولة مدهشة تهذي الحقيقة وماهو ظاهر لتصلةللحلم
لتأتي الصورة التشبيهية المفردة” كحديقة عارية” هذة الصورة مفصلة كثيرا ولكن النص يستدرك ذلك فيوردووبإدهاش ..” عارية الجراح” ليكون الجرح واضحا موجعا خريفيا مميتا فتحولت التشبيه لصورة تترابط مع عوالم النفس المتحدية الموجوعة المكشوفة الجراح ليس فحسب بل هذا الجراح أحالت الذات لعدم وموت ليتناسب ذلك مع نمو سكرات الموت في غصن الندى في معركة الحلم
ويلحظ المتلقي انثيال الذات بألفاظ مناسبة ” ببسالة حلم ، يغرق في الحزن ، يتسلق ، تنمو سكرات الموت. في بوتقة العدم” وهذا دلالة لصراع آلام الذات الموجوعة المصدومة المكشوفة الجراح والتي تتعلق بالجمال والحنين والعذوبة فرغم اليأس هناك احضرار وحياة وجمال. وحركة وحدائق تحتاج للسقياء ويتحول الخريف ربيعا ”
لكن الفاظ الحلم عذبة وعميقة لتدل على الحب والحزن معا” حلم ، النبض ،يم، غصن ، حديقة ،” وكلها معادلات للذات العذبة المحبة وللحلم الذابل المتحدي الباقي في الذات والمفارق لواقع الحنين
لذلك تتوالى الصور موجوعة يائسة محلقة في الوجع والمعاناة واليائسة من الحلم الذي تحول يبابا يخلقه الأمل ” تغفو أمنية اللقاء في هشيم اللاشعور”
كانت الصورة تغفو أمنية ” استعارتين مكنية للتماهي مع مع الحلم وتصريحية في الوقت نفسه حيث شبه الأمنية بامرأة غافية أو طفلة تنتظر الموعود والوعد واللقاء ولكن النص يربط الصورة بالانصدام والدهشة فسريرها” هشيم اللاشعور” ليتحول أمل محترق جدبا يبابا في اللاشعور لم يعد لذلك مكانا في المشاعر والأحاسيس
لذلك يحتل الأنفاس ” ثبات عقيم” وهو معادل رمزي للتببدد مع حضوره في الذاكرة
وتبلغ المعاناة في الذات والمتلقي” يحتل أنفاسي غصة مواعيد موؤودة” فغصة تناهيد لاتفارق الزافرات ولاتفارق الأعماق فتغتص بها الأعماق وكأن المواعيد قتلت بالحياة بلا ذنب لها سوى الإخلاص فكانت المواعيد تلك معادل رمزي للأمنية التي تغفو للقاء
وهي تترنح ميتة في السديم العطر المتلاشي فاحتارت الشاعرة صورة لتعبر معاناة بألفاظ وصور مميزة وتؤدي لنفس الدلالات” حديقة عارية الجراح ، هشيم اللاشعور ، سديم عطرك ، مواعييد موؤودة”
لذلك النص يرسم شخصية المرأة المحبة المتفانية الشجاعة والمقدام وهي ذلك الندى وهي نبض اليم وهو السديم والهشيم واللاشعور فغيبت الرجل والمخاطب ولم تذكره بصورة لأنه غائب من الواقع وغائب من المشاعر وأتى بصورة مباشرة في” فقد كنت أنت” تعبير دال على التوحد والذوبان ودال على الماضوية ” كنت”
ورغم ذلك ” تزهر في جوف اليأس ” لماذا لأن الحلم باسل مقدام جريح في الأعماق وليس ميتا وربما المؤؤدة من الأماني ينبعث من
” نرجس الأمل”
وأن حمل الحلم ” رايات الهجر ” ثمة تحد وأمل دون بكاء صارخ لايكتب الموت النهائي” حتي لاتقع في جب النهاية” وإن الوقوع الجب ميلادا فيوسف عاد من الجب ملكا ونبيا ومحبا
والملفت في النص الإدهاش والنهايات الصادمة ” حتي لاتقع في جب النهاية
فيسيل عبق القلب
“قطرة قطرة” موت محقق ولكن على ” نافذة الأمل”
لأننا نحيا بالأمل وبدونه الحياة سوداء بلا معان وجمال ” فانساقط بصمت في غبار تحمله ريح الغدر”
وكأن اليأس هو فترة عابرة ستزول ولم تنزل الحلم الهشيم من صهوة الاخضرار والوفاء
وفي الأخير
نحن أمام نص مدهش مرسوم بصورة مدهشة وملفتة ألفاظه عذبة وصورة مكثفة فارقة تعالج صراع الذات بالحلم وتعالج بدلالات صراع اليأس والأمل والحضور والغياب وثمة تحد الغياب واليأس والهحر والغدر ويتلخص ذلك التحدي بعمييق الأمل الراسخ في الذات بوصف الأمل جياة
هناك جدلية مابين اليأس والأمل والهحر والحضور والغياب والوأد والحياة ويرسم النص شخصية امرأة تحيا بالأمل وتتجاوز كل الجراحات التي تميت الحياة بالحياة
وشاعرة لها الحضور الكثيف ولغيرها الظل فهي الأصل. لم ترسم الرجل ببشاعة وبجسدية مفرطة بل هو حلم لاتتوقع منه الغدر وستظل القصة خالدة في الأزل مادام الأمل يحدوها ويلازم الروح فالنص يتجنب الموت وكل أدواته للوصول للحياة
كان النص مترابطا شكلا ومضمونا وعميقا مدهشا
العنوان لم يكن موفقا فالعنوان اختزال لمضمون والعنوان كلمة أوتركيب إضافي
والمفترض أن أسطورة تحقق الأمل بالفعل لأن الخطاب جعل من الأمل أسطورة على سبيل التحدي والإرادة القوية من المرأة التي تمتلك العزيمة رغم محاصرة اليأس إلا أنها تشعل الأمل وتحيا.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!