في عرين الضجيج(الوهم أشد رسوخًا من الحقيقة) جاك دريدا

مُقاربة نقدية في عالم الشاعرة سهير زغبور من خلال نصها ( ظلك ):
بقلم: محمّد مجيد حسين – سوريا

شرفة تفضي بنا إلى مواجهة الذات من خلال الحبيب عبر مضيق اللهفة الشاهقة والملفوفة بحرير العفاف وعلى مرأى من ماء بردى.

هنا في حضرة ساحر المعبد الموعود وفي روابي المُكاشفة تثور أشجار الحديقة بثبات وتتأهب للسفر لمُدن الضجيج.

انعكاسات الحياة الاجتماعية على شبكة العلاقات المنطقية التي على أسسها تبنى النصوص في فضاءات الحرمان والخيال والجمال والأصالة  والاشتياق من خلال نصّ ( ظلك ) للشاعرة سهير زغبور ابنة الياسمين الدمشقي.

للمكان ذاكرة والشاعرة نشأت في مدينة هي الأقدم في التاريخ ولا تزال مأهولة بالسكان, ولهذه الخاصية انعكاسات تتوسع في متن الذاكرة العميقة ومن زوايا مختلفة, فللأماكن الضاربة في التاريخ ذاكرة ثرية تنعكس بشكل أو بآخر على جوهر الكينونة, لنقرأ النص معاً:

ظلك

يشدّ إزاره

قبل انفلات قدميك

يقطب قوسه

فينجو من فتيل مباغت

لا وقت يجمع فيه الوقت

يكدّس الفراغ

في عنق قارورة

صادر النشيج مؤونتها

ارتبكُ

في جمع مفاصلي المقرورة

وانت

تسحبني من ضجيجي

وكافتراض وهم

هي تلك المسافة

بين قاع الزبد

وتلك الابخرة

تخطط لسقوطك الاعمى

لتفرغ المساحة

من دوائر الشبهات

الم تكن هنا ؟!

اليس هذا وقع زفيري ؟!

الم تكن تلك المرايا

غنائم حربك ؟!

الم يكن هذا النزوح لنبضي

اثراً لشغبك ؟!

كنت هنا ….

هكذا اخبرني ظلك ..

وظلك لا يكذب..

اسقطتّ عنه الاتهام

في ساقية

تناسل منها نقيق القيظ

حتى تعرقت دهاليز الصدى

بكثير من الجدران ….

خديعة الالوان

اتقنت عقم عينيك

هل ابحث عن اله خصب

انجب منه الحب ؟!

هو ظلك ..

لم يفارقني يوما

كان اكثر وفاء منك

سهير زغبور

لنأخذ بعض الصور الشعرية من النص:

( وأنت

تسحبني من ضجيجي

وكافتراض وهم

هي تلك المسافة

بين قاع الزبد

وتلك الابخرة.

كنت هنا ….

هكذا اخبرني ظلك ..

وظلك لا يكذب..)

(وانت تسحبني من ضجيجي )

ثمة بحث دؤوب في جوهر الذات الشغوفة المُدركة لأهمية الاستمتاع بالحياة إلى أقصى الحدود من خلال التأقلم مع المُتغيرات وتطوير الكفاءات بمواظبة دائمة شريطة إراحة الذات أي خلق التوازن.

(وانت تسحبني من ضجيجي)

تقودنا شاعرتنا هنا إلى بيداء تعددية المعنى فربما يكون فعل السحب المُشار إليه هو حركة تحدث بدون تفاهم سابق, ففعل السحب حركة انتقالية من مكان إلى آخر نتيجة رغبة لدى طرف في مد يد المساعدة دونما تفاهم مع الآخر, وهنا يحدث فعل السحب من الضجيج أي أن الشاعرة سهير زغبور تطرح مشهداً هو على الأرجح متعلق بما يجول في صمتها أي الضجيج الداخلي, والذي بدروه يقودنا صوب سهل من التأمل, فقد يكون للضجيج أسباب لا يُمكن حصرها, وأما فعل السحب لا يندرج في ذات السياق, فهو ينحصر ما بين سببين: الأول الرغبة في المساعدة, والثاني وهو الفيصل الحالة الشعورية لدى القائم بفعل السحب من الضجيج.

هنا نجحت الشاعرة في خلق أجواء الرغبة في البحث عن التفسير الأقرب إلى منطق العقل لدى المُتلقي من خلال هذه الصورة المُركبة ( وأنت تسحبني من ضجيجي ) فالضجيج متعدد المصادر والسحب هو أداة تغيير, واللافت هنا عدم مشاركة الشاعرة في المشهد إلا     حركياً فهي لم تشارك في صنع الحدث, إنما كانت في ضجيج لسبب ما وتم إخراجها من تلك الحالة من خلال الحبيب.

(وكافتراض وهم

هي تلك المسافة

بين قاع الزبد

وتلك الابخرة.)

هنا تأخذ الأفكار منحى آخر من خلال هذه التشابيه الدافئة حد الذوبان العميق.

المسافة ما بين ذلك  الضجيج الذي التي كانت عليه شاعرتنا والقرب من الحبيب نتيجة سحبها ما هي إلا تلك المسافة ما بين قاع الزبد وتلك الأبخرة.

ثمة شبه مراوحة في المكان وثمة دلالة رمزية على التعديل الطفيف على حالة الشاعرة قبل وبعد سحبها من الضجيج.

هنا نصل قفلة الصور

( كنت هنا ….

هكذا اخبرني ظلك ..

وظلك لا يكذب..)

هنا تجنح سهير زغبور بخيالها الممتد على ضفتي بردى عندما تخاطب الحبيب (كنت هنا ..)

تؤكد فعل التواجد من خلال ظل الحبيب المحفوظ في قلبها وهنا تتسع مدارك التشابيه ( هكذا اخبرني وظلك لا يكذب .. )

هنا نعود إلى مقولة الفيلسوف والناقد الفرنسي جاك دريدا (الوهم أشد رسوخًا من الحقيقة)

الأحاسيس تترسخ في الذاكرة أكثر من الملموس, والواضح هنا و المرجح أن الترميز (ظلك)هو الذي يقودنا إلى تلك الاحاسيس الصادقة التي وصلت للشاعرة من خلال تلك العلاقة التي كانت بينهما في زمن ما.

هنا ثمة مونولوج في الصميم ما بين العواطف التي يتم تحليلها عبر العقل الذي يؤكد على صدق تلك المشاعر التي تسميه شاعرتنا هنا بظلك عندما تقفل نصها بمسحة هادرة ( وظلك لا يكذب) حيث تؤكد على حتمية صدق المشاعر, فهي على الأرجح غير إرادية أي أنها لا تخضع للحسابات التي تفسد نقاء العلاقات في هذا العالم الذي بات الصدق في التعامل فيه شبهُ مفقود نتيجة التطور المُذهل في العالم المتحضر, فعندما بات العالم كقرية صغيرة  وتم إلغاء المسافات ما بين الثقافات أرخت المنظومة الجديدة بكامل ظلالها على جوهر كينونة الكائن البشري, وسبب له المزيد من العُقد النفسية نتيجة التفاوت الحضاري ما بين الشرق والغرب وعلى مختلف الأصعدة, والتي أجبرتنا في آحايين عديدة على توسيع الشروخ ما بين الظاهر والباطن, وهذا فظيع بمختلف المعايير, وبالعودة إلى الشاعرة المائزة سهير زغبور من خلال نصها ظلك يُمكننا أن نستسيغ أهمية الجغرافية في بلورة المفاهيم, هنا نتحدث عن البيئة الشامية المفعمة بالقيم الراسخة في التعب, ففي منعرجات الذاكرة العميقة يغوص الثائرون هؤلاء المطرودون من يوتبيا أفلاطون والمُسافرون منذ آلاف السنين بحثاً عن كنوز الطمأنينة في محاولة  لاستحضار بدائل لخلق أجواء من السكينة في عالم يقبع تحت سطوة المُتناقضات.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!