قراءة في الفصل الأول من كتاب المصطلح اللساني و تأسيس المفهوم، ل خليفة الميساوي./أعد الدراسة: الطالب، محمد الورداشي شعبة: الأدب العربي

 

 

 

إن من أخلاق العلم و صرامة البحث، و عدم نكران جميل من وضع اللبنة الأولى؛ لتشجيع الطالب الباحث على البحث، ثم كيفية التعامل مع المراجع و المصادر.

و منه أوجه شكري و امتناني بالصحة و العافية للأستاذة الفاضلة” ربيعة العربي” عن منحي هذه الفرصة القيمة؛ لإعداد و تقديم عرض حول: قراءة و خلاصة للفصل الأول، من الباب الأول، من كتاب المصطلح اللساني و تأسيس المفهوم، لخليفة الميساوي؛ فهو أستاذ اللسانيات و الترجمة بجامعة منيوية- تونس، و عضو في هيئة التدريس، بجامعة الملك فيصل- السعودية.

مما أجمعت عليه كل الدراسات و البحوث في علم المصطلحية؛ أن المصطلحات هي مفاتيح العلوم، و كل علم أراد أن يطور من نظرياته، عليه، أن يهتم بجهازه المفاهيمي و المصطلحي، فإن تم الاهتمام بهذين الجهازين؛ فإن النظرية ستخضع لتطوير أبحاثها العلمية.

و في هذا المضمار لا يسع للمرء إلا القول” بأن لكل علم اصطلاحا خاصا به، إذا لم يعلم بذلك لا يتيسر للشارع فيه الاهتداء إليه سبيلا و إلى انفهامه دليلا”

{ التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم، ج1 ص1}

و قد اختلفت آراء المنظرين لهذا العلم في علاقته بمختلف العلوم؛ فمنهم من يزعم أن المصطلحية علم قائم بذاته، له أدواته النظرية و التطبيقية، و منهم من اعتبرها سليلة علوم قديمة… كعلم الدلالة و التسمية و المعجمية، و لا فضل لها سوى العمل على التطبيق المنهجي. من مناصري هذا الاتجاه ساجر{1990}. و هناك آراء مختلفة تحصر مكانة المصطلحية، في المسارات التي مرت منها “تيرازا كابري”، و هي كلآتي:

1- مسار لساني مصطلحي نشأ في أوربا الوسطى و الشرقية، و يعتمد على تقييس المفاهيم و تسمية المصطلحات.

2- مسار الترجمة: اعتمدته المنظمات الدولية المتعددة اللغات.

3- مسار تقييسي: يعمل على جعل المصطلحات يسيرة الاستخدام بين المهنيين و المتخصصين في مجلات التوليد المصطلحي.

و يعزو تعدد التعريفات المختلفة لعلم المصطلحية إلى كون هذا العلم العلم- المصطلحية- يتعامل مع مختلف العلوم؛ كالمنطق و الفلسفة و الرياضيات؛ إذ أنه يهتم بدراسة المصطلحات و محاولة تكييفها مع مجال العلم الذي تنتمي إليه. و كذا جعلها يسيرة الاستعمال بين المتخصصين، ناهيك عن تقييس المصطلحات و التقعيد لها، إضافة إلى دراسة العلاقة بين المتصور و المفهوم و المصطلح؛ أي صناعة المصطلحات و توليدها.

قد يتساءل المرء عن منبع النظريات المصطلحية الحديثة؟

تعود بدايتها- النظريات المصطلحية- و نشأتها إلى البلدان الغربية، شأنها في ذلك، شأن مختلف النظريات اللسانية الحديثة.

يعد هذا التنوع و الاختلاف بمثابة شيء سلبي، بالنسبة للمصطلحية العربية. يظهر ذلك من خلال ضعف مجراها النظري والتطبيقي؛ إذ نجد عدة مفاهيم للتعبير عن المصطلح الواحد، و العكس، إذ نجد مصطلحات عديدة في مقابل المفهوم الواحد.

– الباب الأول:

القضايا الابستيمولوجية و النظريات المصطلحية في اللسانيات

   – الفصل الأول:

القضايا الابستيمولوجية و الدراسات الاستشرافية في اللسانيات و المصطلح العربي.

  استهل خليفة الميساوي هذا الفصل من الكتاب، بقولة لابن تيمية من كتاب” الرد على المنطقيين، ص: 166: “إذا اتسعت العقول و تصوراتها اتسعت عبارتها، و إذا ضاقت العقول و التصورات بقي صاحبها كأنه محبوس العقل و اللسان”

إن ما يمكن استخلاصه من كلام ابن تيمية، و سياقه داخل الكتاب، يحيلنا على عامل من عوامل ضعف الدرس اللساني العربي، فكان العامل الأول هو ضيق تصورات عقل الإنسان العربي، إذ أنه لم يتعود على محاولة الإلمام بالنظريات الغربية الحديثة و المتطورة.

فمنذ بداية مقدمة الفضل الأول، شرع المؤلف في الحديث عن مجالات اللسانيات الحديثة، و سعيها الدائم و رغبتها الملحة في الإلمام بكل القضايا النظرية و العلمية، التي يجمعها  موضوع واحد و أساس؛ ألا و هو اللغة.

فاللسانيات تهتم بالبحث اللساني الصريح، الذي يتناول مستويات تحليلية متعددة، مثل: الصوت و الصرف و النحو و النحو و التركيب، فالدلالة، بهدف ضبط قواعد الاشتغال عليها. ناهيك عن الاهتمام بالمجالات الخارجة عن الدرس اللساني؛ لكنها على علاقة وطيدة به، مثل البرغماتية، و التأويلية، و اللسانيات العرفانية و النفسية، و الاجتماعية و الحاسوبية و لسانيات المدونة، و تحليل الخطاب… كل هذا الإلمام الواسع الذي تنهجه اللسانيات، يحيلنا على طرح التساؤل التالي: أين موقع الدرس اللساني العربي، و قدرته على الإسهام في الدرس اللساني العام؟

  • موقع البحث اللساني العربي من البحث اللساني العالمي.

قبل الشروع في البحث عن موقع الدرس اللساني العربي من البحث اللساني العالمي، أن نعرض بشكل مختصر إلى الحديث عن أهم محطات في الدرس اللساني الغربي؛ حتى يتسنى لنا منهج المقاربة، و طبيعة استشراف الدرس اللساني العربي.

  • محطات لسانية هامة:

مرت اللسانيات الغربية الحديثة بمحطات رئيسة خلال القرنين التاسع عشر و العشرين. فكان الفضل لمجموعة من المدارس الألمانية، و الدراسات اللغوية القديمة عامة، و الهندية على وجه الخصوص {بانيني}، إلى جانب اكتشاف اللغة السنسكريتية سنة 1786م على يد وليام جونس، مما مهد الطريق للدراسات المقارنة. ففي هذا الصدد ظهر كتاب فرانز بوب ” في النظام الصرفي للسنسكريتية1816″  بالإضافة إلى ظهور دراسات علمية إزاء هذه النقلة النوعية {جاكوب كريم، شليشر}، فظهر المنهج المقارن، الذي لم يكن يولي الاهتمام بالبعد التاريخي، ثم جاء النحاة الجدد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ حيث إنهم أدرجوا البعد التاريخي في دراساتهم.

 بعد اجتهادات فلسفية و لغوية… ظهرت بنيوية القرن العشرين مع دي سوسير، إذ كان له دور الريادة لعلم اللسانيات الحديثة، ذلك من خلال هور كتابه” محاضرات في اللسانيات العامة” .1916. مما ناجم عنه تأسيس الدرس اللساني الحديث، ثم وضع مبادئه و أسسه؛ فاهتم بدراسة اللغة بمعزل عن العلوم الأخرى { المنطق و الفلسفة}.

 إن ما يمكن استخلاصه من لسانيات دي سوسير، فهو كالآتي:

  • جاء بالثالوث المشهور: الكلام، اللسان، اللغة.
  • اعتبر اللغة شكلا و ليست مادة.
  • تأثر بالفيلسوف الاجتماعي إميل دوركايم.

          – أهم المدارس التي تولدت من حميم اللسانيات السوسيرية:

  • نشأة مدرسة براغ الوظيفية.
  • نشأة المدرسة الكلوسيماتية مع يلمسلاف.
  • نشأة التوزيعية مع بلومفيلد 1930، هاريس.
  • ظهور التوليدية التحويلية مع شومسكي.
  • مشكلات رئيسة:

1- التراث مشكلة أم حل:

 إن محاولة البحث عن الجذور اللسانية الحديثة في التراث العربي القديم، و هذا الأمر قد يؤدي إلى تعطيل الدرس اللساني العام.

2- مشكلة تداخل الاختصاصات:

 إن تطور المقاربة اللسانية الحديثة، رهينا بتطور مصطلحاتها؛ علما أن اللسانيات تتداخل مع عدة علوم: علم النفس، علم الاجتماع، و الفلسفة، و تحليل الخطاب… مما نتج عنه تشعب الدرس اللساني، هذا ما بات يطرح صعوبة أمام النهوض بالدرس اللساني العربي.

3- مشكلة المنهج:

وقع الدارسون العرب في العصر الحديث في خلط بين اللسانيات، و فقه اللغة، و التراث النحوي و البلاغي؛ وهي مستويات مختلفة في التحليل و الدراسة.و كذا في المنهج.

4- مشكلة التكوين الجامعي:

ضعف الإلمام بمختلف اللغات التي اعتمدتها النظريات اللسانية الحديثة، ترتب عنه فراغ على مستوى: المعجم، و تكوين المصطلح المناسب للتعبير عن العلوم الحديثة.

5- مشكلة الترجمة:

كثرة الترجمة من اللغة الأصل إلى اللغة الهدف، أوقع بالقارئ في تضليل و توهم بالمصطلح الصحيح؛ حيث نجد عدة مفاهيم تعبر عن مصطلح واحد، و العكس، نجد مصطلحات كثيرة مقابل المفهوم الواحد.

  • الدراسات الاستشرافية في البحث اللساني العربي

مما هو معلوم أن كل تطور كيفما كان نوعه، و في أي علم من العلوم يرتبط بالعقلية، و الثقافة داخل الشعوب. إن اللسان هو المجتمع، إنه يحمل هوية الأمة و ثقافتها. لذلك أضحى من الضروري العمل على تطويره لمواكبة النظريات اللسانية الحديثة.

من بين المجالات التي تهتم اللسانيات بمقاربتها:

1– اللسانيات الاجتماعية:

تعد دراسة اللسان من الأهمية بما كان، نظرا لما يحمله من تعقيدات، و تنوع من مجتمع لآخر. فكانت السبل الناجعة للمحاولة الإحاطة بمختلف ظواهره، خلق رابطة ما بين الدرس اللساني، و المجتمع. بأسباب أو بأخرى، أثر هذا المنهج بشكل سلبي، على عدم نشأة اللسانيات الاجتماعية العربية. كذلك، كان للصوفيين الذين يعتبرون أن دراسة اللهجات، و اللسان العامي لا يستحقان البحث الأكاديمي داخل الجامعات، الأثر الكبير في ضعف اللسان العربي.

2- اللسانيات النفسية:

بدأت اللسانيات النفسية منذ الصف الثاني من القرن العشرين، باعتبارها علما مستقلا، تهتم بتأثير الظروف النفسية و الفيزيولوجية في اكتساب اللغة عند الإنسان، و تعلمها لدى مختلف الأجيال؛ خاصة عند مزدوجي اللسان أو متعددي. و قد ساعدت على فهم علمية دقيقة نهجت سبلا و مسارات مختلفة.

3- اللسانيات العامة و التطبيقية:

تهتم اللسانيات العامة بدراسة الأنظمة العامة للألسن، و المتمثلة في المستوى: الصوتي و الصواتي، و الصرفي و النحوي و التركيبي و الدلالي… في حين نجد أن اللسانيات التطبيقية، تهتم ب:

– طرق تعلم اللغة{شفوية، مباشرة}

– تقويم الأداء اللغوي.

– استخدام المعينات في تدريس اللغات، كالحاسوب، و القنوات التليفزيونية…

– إعداد المواد التعليمية و تقويمها.

4- اللسانيات الحاسوبية:

إن الحاجة إلى الحوسبة أدت إلى ظهور اللسانيات الحاسوبية، التي تحاول محاكاة العقل البشري، في فهم الظاهرة اللغوية تنظيرا و إنجازا. لذلك جمع هذا الحقل من المعرفة بين اللسانيات و الذكاء الاصطناعي، و الإعلاميات و الرياضيات و المنطق؛ بهدف نقل الذكاء البشري إلى الذكاء الحاسوبي.                     كيف تخدم اللسانيات المصطلحية؟

تعد اللسانيات محركا رئيسا للنظريات المصطلحية؛ إذ أنها- النظريات المصطلحية- تعمل على ضبط قواعد المصطلح: الدلالية و صياغته اللسانية. هذا ما يجعل المصطلحية في حاجة للسانيات، و هذا مما نلحظه في النظريات المصطلحية الغربية، انطلاقا من ربط علاقة وطيدة مع اللسانيات. و كذا اللجوء إلى الدقة و العلمية، اللتان تتسم بهما اللسانيات.

على العكس، فإن الدقة و العلمية تفقرها الدراسات المصطلحية العربية. كان ذلك جراء الاتصال غير السليم بالمدارس و النظريات اللسانية الغربية، إلى خلق اضطراب مصطلحي عند الباحثين، و لا أدل مما نجده من تعدد المصطلحات للدلالة على المفهوم الواحد، و الشيء نفسه ينطبق على المفهوم… مما جعل نشأة المصطلحية العربية الحديثة معتلة، لا ترقى إلى مستوى الضبط العلمي الدقيق.

اللسانيات في خدمة المعجمية:

إن ما قيل عن العلاقة بين المصطلحية و اللسانيات، ينطبق على المعجمية في الاعتماد على اللسانيات، مما أعطى للمعجمية مجالا رحبا، لتطوير نفسها و تحديد مواضيع بحثها و طرقها المنهجية، و يتجلى ذلك في:

– استفادت صناعة المعاجم الحديثة من لسانيات المدونة و طرق اشتغالها.

– مساعدة المناهج اللسانية و الثورة الرقمية على إعادة البناء المعجمي وفق قواعد علمية دقيقة.

– تطور العلوم المعجمية من المعاجم الورقية إلى المعاجم الالكترونية، بفضل ارتباط الرقمنة باللسانيات.

لسانيات المدونة:

نشأت لسانية المدونة سنة 1961 فكان أول من استخدمها جامعة براون الأمريكية. و هي أول مدونة تستخدم الكترونيا، تشتمل على مليون كلمة اشتقها الباحثون من النصوص الأنقليزية، فتوسعت المدونات إلى 320 مليون كلمة 1996{ المدونة البريطانية}.

من أبرز اشتغال لسانية المدونة؛ الترجمة الآلية و المعاجم التأثيلية، و الدراسات اللسانية العامة المرتبطة بتحليل المحادثة، و الاستعمال المصطلحي و التركيبي ثم اعتماد الحوسبة في دراسة الظاهرة اللسانية، دراسة رقمية بواسطة المعالجة الرقمية للغات الطبيعية.

لسانيات النص/ الخطاب:

لقد تجاوزت لسانيات النص مستوى الجملة إلى دراسة ما هو أوسع شكلا و دلالة. إذ نشأت سنة 1952 مع هاريس بأمريكا، فناجم عن ذلك:

– دراسة القواعد الجزئية و الشاملة المكونة للنص.

– اعتماد النظريات التداولية و الحجاجية ، و العرفانية و علم الجمال.

– تعديل رؤى الدارسين و مواقفهم من فهم الخطاب و تحليله بطرق علمية.

الأطلس اللساني:

عرفت اللسانيات الغربية مفهوم الأطلس اللساني منذ أواخر القرن 19م، مما ترتب عنه: الاهتمام بدراسة اللهجات و استخراج قوانينها، و ضبط قواعدها العلمية. كما استفاد منها المعجميون التأثيليون، ناهيك عن دراسة الطبقات الاجتماعية عند ثلة من اللسانيين الأمركيين.

خاتمة:

تأسيسا على ما سبق؛ فإن البحوث العلمية التي لم تطور نفسها بمواكبة المناهج، لا يكتب لها العيش طويلا. لئن أردنا النهوض بالدرس اللساني العربي، بات لزاما أن نواكب العصر بالمعرفة و العلم، لا بالنقل و الاستهلاك المميت ثم رصد ما يجري من نظريات في الدراسات المتقدمة، حتى يتسنى لنا النهوض بالنظريات العمومية عموما، و المصطلحية على وج الخصوص.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!