قراءة في ديوان حانة ومانة للشاعرة المغربية ابتسام حوسني / بقلم :الاديب سامر المعاني – الاردن

استحضار المشهد التاريخي في سرد الواقع

 تبقى القصيدة النثرية المطالبة بالتجديد والخروج من التقليد والقيود في ادب القصيدة العربية حيث قدمت للمتلقي من خلال نضوج الفكرة والمساحة السامقة التي ترتقيها المفردة والصورة الجمالية البلاغية الوصف الاشمل والشعور الارحب للكاتب الغير معني بعزف على حساب المعنى وتوظيف المفردة الغير مقيدة وهذا ما ارتقت به الشاعرة ابتسام حوسني الشاعرة المغربية في ديوانها الثامن ((حانة ومانة )) بشكلها ومضمونها الحداثي وخاصة اننا امام شاعرة ملتزمة في قضاياها ولغتها وثقافتها النابعة من عقيدتها وموروثها الاسلامي والعربي . حانة ومانة في اربعين عنوانا بين العنوان المقتبس والتناص والحكمة المنتقاة نجد ان العناوين في شكلها الطويل احيانا اكثر ما يشدك في افتتاحية القصيدة التي ربما تكون جملة استعراضية او حكمة او مثل او جملة مقتبسة لها مدلولاتها واشارتها الضمنية والرمزية في قصيدة ابطالها الفكر والوطن والحرية والكرامة في مشاهد تصويرية وتمثيلية بنيت على اهات شاعرة ضليعة في نقل الحالة من الخصوص للعموم وانين الروح الى جراح وطن وامة حيث اللغة الجزلة وبديع ومحاسن لغوية زينت فستان القصيدة بأجمل الحلل والجملة الشعرية القادرة ان يكمن جمالها بتوظيف الحالة الشعورية باقتدار في رفض الواقع المرير وندب الانكسارات الجمة في امل شحيح وضبابية معتمة. “أوطانا شهيدة عدتها أيام أخر، تشرب من دمنا عيونها كثر ما إن يجف نبع يجري بدلا عنه آخر يملأ روابينا بساتين زهر يهفهف له نسيم إشبيلية جوار حسان…” ان المتأمل لقصائد حوسني يدرك بان الحس الوطني والشعور القومي في فضاء الكاتبة لم يكن فقط اظهار قضية واستقطاب عواطف بل كانت ابنة اوطان اتعبها الفساد والسطوة وامة محاطة بأسوار الدم والقتل والاحتلال والحصار , لقد استطاعت الشاعرة حوسني ان تجعلنا نهيم في هذا الكون بين الحقيقة والزيف والغموض والابهام يقودنا الى اغوار الكلمات الناطقة باهات اللجوء وانين الجوع وزفير الحياة الملتهبة بالهموم وغياب العدالة والنزاهة. تأسرك حوسني في جمالية توظيفها لفكرها ولثقافتها الدينية في اقتناص الجملة في تكوين الحالة الشعورية في قصائدها, انيقة الحرف وهائجة الصورة بين الافصاح المبرر من هول المشهد والرمزية بالمقارنة وانطلاق المفهوم كما تدهشك في حين اخرى بالتشبيه المكشوف للقريب والحالة المراد كشفها للبعيد. يكمن مضمون الفكرة في قصائد الشاعرة ابتسام حوسني التصاقها بالأرض والانسان في تجلي الفكرة التي تبدو احيانا كقصة عشق او غرام يسكن وجنتيها لكنها في كل مرة تمسح دمعها من عين الوطن وما يقترفه اصحاب النفوذ. استطاعت حوسني ان تستعيد فينا ارث الامة في اسبانيا في بعض الاشارات و” شيء مما جاء في الكتاب ! ” فهي تستشهد بانتصارات هذه الامة ومكانتها وعمقها بنوع من استفزاز الحروف التي تحمل نعش هواننا في قضايانا المهزومة في القدس وفي كل داخل فينا . نعم لقد ابدعت الشاعرة ابتسام حوسني في نهل جمال وروعة القصص القرآني في توظيف فكرة الكاتبة بين المشهد الدنيوي المنافق والمتناقض كما في قصيدة ” مسيلمة يسقط عنا صلاتين مهرا لسجاحه ! ” ومن هنا نجد قصة النبي يوسف عليه السلام تأخذ مساحة في العديد من القصائد في الديوان من حيث تصوير المشهد كإشارة او استعراض وهذا ما جعلها تختار عنوانا لحادثة مشهورة عبر التاريخ بين المفارقة والانا التي ادت الى ان يدفع الثمن الحبيب والمعشوق . وتعيد الشاعرة سلسلة من الاحداث التاريخية والاسلامية في مثال لنقل عامل الزمن بين الحدث المتناقض والحدث المتشابه ممثلا بقصيدة ” الجالسون على الرصيف … ” وقصيدة ” على الراس تحلق الطير ” وغيرها , كما استطاعت الشاعرة ومن ثقافتها التاريخية الواسعة والعمق الفكري للأحداث والرموز الدينية والعربية عبر المراحل الزمنية والتاريخية وتوظيف الاسماء كدلالات واشارات الى المقاربة الزمانية والمفارقة المكانية والحدث الاصيل والحدث المتوقع والحدث المتزامن والنتيجة الاكيدة والمصير , ففي قصيدة ” الحليب يخرج من فم الفرعون ! ” تقول : لموسى في خروجه الأول ثلاث عبر : الأولى أن ينجي شعب الله المختار من عبث قدر ينسف ما صنع الأجداد منذ عصور خلت و هي تنتظر نزول مهديها المنتظر، و الثانية ميلاد جديد لنكسة كبرى قد نؤجلها مرة أخرى عدة من أيام أخر … ان اكثر انواع التناص المستخدم في ديوان حانة ومانة هو الامتصاص حيث طرح المادة التاريخية وربط الحاضر بالماضي والبناء على الاحداث والقصص في جوهر الحدث المتأزم في وقتنا الحاضر من ظلم واستيطان وخلل اجتماعي وقيمي , كما استطاعت الشاعرة حوسني باستخدام التحوير بقدرة فائقة ودهشة ماتعة من حيث التأويل وقلب المشهد بفتح ابواب الاستفسارات والحوار الذاتي في مفارقة المشهد ” لامرأة العزيز أن تخرج الآن فينا و أن تعلن في المدائن براءة يوسف المسكين و أن قميصه قد من دبر غواية شيطان يسكن فينا ! ” تألقت الشاعرة في استحضار الالقاب والاسماء وتناقلت بها بين المشهد التاريخي المتلاصق بها والرمزية المعترضة له الذي يتجدد مع مرور الزمن الحاضر والحالة التي استحضرته كشاهد على الواقع ربما بهيئته وربما بصفاته الكلية او الجزئية فكان ( العزيز , النبي , الحاكم , العزيز , مسيلمة , حمالة الحطب ,ملكة , خليفة, يوسف , أبرهة بني عبس ,. زليخة , حجاج , فرعون , غسان … وغيرها ) لم يكن الاسم وهو ما ذكر من خلال القران الكريم او التاريخ الاسلامي الا ان يعيد الينا تتبع الجيني للفكر والثقافة العربية ما بين السلطان وادارته للسلطة وما بين السلطان وشعبه الذي تبلبل بالخوف والانهزام على مر الحقب المتعاقبة فكان استحضارها اما لنقل الجور والتعسف او للمشاهد الانسانية التي تم بها اللغط والظلم لتمرره الى مصير امة تتهاوى نحو القاع بالجهل والخنوع والخضوع. ديوان حانة ومانة للشاعرة المغربية ابتسام حوسني ديوان شعري يحمل عنوان القصيدة حانة ومانة تترجم فيه الشاعرة جل تصوراتها للديوان بين واقع الحياة التي نعيشها وتراميها وشوائبها باستحضار السطوة واركانها التي تبطش بنا وهي تعيش بنعيم وما طاب من لهو وفجور يقابلها شعوب ترضخ على حافة الحياة بين الفقر والجوع والخوف من كل شيء .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!