قضايا وهموم في ديوان (شرفات الغيم ) للشاعر شفيق العطاونة

القاص والناقد / محمد رمضان الجبور

(شُرُفات الغيم ) باكورة الأعمال الشعرية للشاعر شفيق العطاونة ، يقع الديوان في 169 صفحة ويضم بين دفتيه 69 قصيدة من الشعر الكلاسيكي العمودي ، وقد أهدى الشاعر ديوانه إلى روح أخيه المرحوم حابس العطاونة ، ثم ثنّى بإهداء شعري جميل جمع فيه بين حب الوطن وحب الوالدين وحب الزوجة و الأهل والإخوة …

ديوانُ شعرٍ عانق الغيمات ِ

قد غازل الأقمارَ والنجماتِ

أهديه للوطنِ المهيضِ جناحه

للكادحين الرافعي الهامات ِ

أهديه للأطيار في وُكُناتها

للدّوح ،للفجر العذيّ الآتي

للأمّ ما زالت تُفيضُ دعاءها

للزّوج للأبناء للأخواتِ

لأخي منِ احتضنتْه أسفارُ العلا

لأبي عليه واسع الرّحَمات ِ

لمجاهدٍ بالحرف ينذُر نفسَه

حبّرته ليلمّ بعض شتاتي [1]

قدم للديوان الشاعر” سعيد يعقوب” فأثنى على القصيدة العمودية

 

، وتبرأ من الذين يدعون إلى قصيدة النثر أو شعر التفعيلة أو ما سمي بالشعر الحر ، ثم ذكر الشاعر” شفيق العطاونة” وإبداعه وتميزه في اغتنام المناسبات وذكرها: ” الشاعر الأردني المبدع شفيق العطاونة شاعر مفتوح الحواس على الواقع ، فلا يكاد يترك حدثاً في محيطه القريب ، أو في المجتمع الأردني ، أو في العالم العربي إلا ذكره بشعره ” [2]

تعددت الأغراض التي تناولها الشاعر في ديوانه شرفات الغيم ، وغلب عليها طابع شعر المناسبات ، فالشاعر في ديوانه يطل من شرفته على مناسبات وموضوعات متنوعة جمعت ما بين حبّ الوطن وتمجيد ورثاء الشهداء وذكر معارك البطولة والفداء .

يتضح للمتلقي والقارئ من القراءة الأولى للديوان أن قصائد الديوان قد كُتبت في فترات زمنية متباعدة ، فهي حصاد سنوات مضت من حياة الشاعر ، فتنوُّع الموضوعات التي تناولها الشاعر في ديوانه تُظهر لنا مدى الدقة التي تمتعت بها ذائقة الشاعر في اختيار عناوين وموضوعات ديوانه ، فهو يقتنص ما يدور حوله من أحداث ومناسبات ليوثق هذه الأحداث بجميل شعره .

وتحضر قيمة الوطن في ديوان ( شرفات الغيم ) بأسلوب قوي ومهيمن ، فالشاعر في أكثر من مكان في ديوانه يغني للوطن ، ويرسم الوطن بريشة يغمسها بقلبه ، فهو يعشق وطنه ، ويبكي مدينته (بئر السبع ) في أبيات موجعة ، فهو يتمنى لو عادت ، ويصبغ عليها الجميل من الأوصاف ، حتى قهوتها أجمل مذاقاً وأطيب ، فهو يقف على أطلالها ويناجيها كما فعل شعراء الجاهلية في معلقاتهم :

قف بالطّلول وناجِ الرّبعَ والتُّرَبا

واستشرف المجد والتاريخ والكتبا

طوّفت حتى أنختُ الرّحلَ في شعَفٍ

قرب الديار أحيي “السبع” ” والنقبا”

لما شمَمتُ عبيراً من مرابعها

كَوابلٍ هَطِلٍ دمعي قد انسكبا

قومٌ “سِباع فلًا ” لم تخْبُ نارُهُمُ

و “نفحُ قهوتهم ” بالمسك قد رُضبا [3]

القضية الفلسطينية من القضايا التي استأثرت اهتمام الشعراء منذ أمد بعيد ، وأصبحت الهمّ الأكبر بعد أن وضع الصهاينة يدهم عليها ، ولا يكاد يخلو ديوان من دواوين الشعراء العرب إلا وكان لفلسطين النصيب الأكبر منه ، وشاعرنا شفيق العطاونة من الشعراء الذين جعلوا من القضية الفلسطينية الهمّ الأهم والأكبر في حياتهم ، فقد تناولها الشاعر في أكثر من محور ، وزيّن ديوانه بأكثر من قصيدة تحكي الهمّ الفلسطيني ، ومن عناوين القصائد التي خصّ الشاعر فلسطين بها ، قناديل الصمود ، فلسطين ، من مثل غزة ، وعد بلفور ، المسرى تاق لنصرته ، شيخ الأقصى ، يوم الأسير الفلسطيني ، الختيار ، ففلسطين حاضرة في شعر الشاعر ، بل لم تغب ، فتارة يذكرها باسمها ، وأخرى يذكرها برموزها الشامخة مثل قصيدة الختيار التي نظمها في رثاء الرئيس الكبير ياسر عرفات أبو عمار ، وقصيدة شيخ الأقصى التي نظمها في مدح الشيخ رائد صلاح بعد خروجه من سجون الاحتلال :

للقدس رجال تحميها

وقفوا في وجه الطغيانِ

أعلوا للأمة منزلةً

كانت في طيّ النسيانِ

يقدمُهم شيخٌ مفضالٌ

لم يرضَ بذلٍّ وهوانِ

فأقضّ مضاجع صهيونٍ

بثباتٍ منه وإيمانِ [4]

ومن الهموم والقضايا والموضوعات التي برت في ديوان شرفات الغيم الرثاء؛ فالرثاء من الأعراض الشعرية التي تناولها الشعراء قديماً وحديثاً ، ولها وزن وقيمة في الشعر العربي ، وذلك لم يحمله الرثاء من صدق وعاطفة ، وكثيرون هم الشعراء الذين فقدوا أحبةً لهم ورثوهم بشعرهم وعواطفهم وبتلك الأحاسيس الجياشة ، ومنهم شاعرنا ” شفيق العطاونة ” الذي أجاد في الرثاء كما أجاد في الأغراض الأخرى ، فقد رثى الشهداء ورثى الأطفال الذين قضوا في حادثة البحر الميت في قصيدة بعنوان ” واحرّ قلبي ” :

واحرّ قلبي على مَن كابدوا الألما

وباتت الروح تمضي للعلا قُدُما

لا تيأسوا فجنان الخلد مسكنهم

والأجر عند جلال الرزء قد عظُما [5]

وهناك فصائد أخرى رثى فيها الشاعر أسماء معروفة وشخصيات لها كل الاحترام والتقدير ، فرثى الرئيس ياسر عرفات أبو عمار والدكتور عبد اللطيف عربيات ورثى الشهيد عمر أبو ليلى في قصيدة بعنوان (الفدائي ) :

حيّ” الفدائي” نبْتُ الأرض والزّهَرُ

أعدت سطوة أفذاذ لهم سيَرُ

يا نفحَ هذه الرّبا ، والغار كلّله

يا مشعلَ العزم والإقدام يا عمرُ [6]

ولا نستطيع أن نتجاوز هذا الغرض الشعري –الرثاء- دون أن نقف على قصيدة (ترب الغمام ) التي يرثي بها الشاعر أخاه (حابس العطاونة) ، فهي من الهموم العظام التي ألمّت بالشاعر حتى تفجّر حزنه وألمه بما أحسّت به نفسه ، فكما يقولون الأخ لا يعوّض ، فقد بكى شاعرنا وأبكانا بما باحت به نفسه من ألم لفقده أخيه ، قفد رثاه بقصيدة طويلة فيها الكثير من الألم :

قم يا أخي ، فالليل طال به المدى

وسحابةٌ ثكلى يتيه بها الدليلْ

مُذْ حام فوق شراعنا موجُ الرّدى

لا صمتَ يوجعنا ولا حتى العويلْ

رِفقا بمن فجع السّنابلَ فقدُه

والياسمينَ وبوحَ نيسان العليلْ

تبكيك أرضٌ لا تزال تغيثُها

أرخت ضفائرها على الجسد النحيلْ

تبكيك أسرابُ الأيائل في الضّحى

ونشيدُ نايٍ بين هاتيكَ الحقولْ

وإذا النّوازلُ أشرعتْ أطنابها

وسرت تعاقرُنا وتسرفُ في الوغولْ

وأخضلّتِ الغبراءُ من عَبراتنا

ولواعجُ الوجدان أوصدت العقولْ [7]

وتقاطرتِ منها الدّواهي لم تزلْ

فاليسرُ سوف يحلّ والعُسرى تزولْ

فالشاعر ينتقي المفردات التي تناسب موضوع الرثاء ، وقد أجاد في رسم الصور التي ينزف منه الحزن والألم ، فالشاعر يمتلك أدواته الفنية التي تمكّنه من اختيار المناسب من الألفاظ .

تعددت الأغراض التي تناولها الشاعر شفيق العطاونة في ديوانه ، وتنوّع الأغراض وتعددها يدل على مقدرة الشاعر وثراء معجم الشاعر اللفظي والشّعري ، ومن خلال القراءة الأولى للديوان يشعر المتلقي والقارئ بمدى شغف الشاعر باللغة وتمكنه منها ، فرعم بساطتها إلا أنها لغة جزلة عميقة تدل على حجم القاموس اللُّغوي لدى الشاعر .

إذا أردنا أن نقف عند جميع الأغراض التي تناولها الشاعر في ديوانه (شرفات الغيم ) قد نحتاج للوقوف طويلاً ، فالشاعر قد استوفى معظم الأغراض الشعرية التي تناولها الشعراء من قبل ، فوصف ، ومدح ، ورثى ، وافتخر ….، وما ميّز ديوان (شرفات الغيم ) أن الشاعر العطاونة قد وثّق للكثير من الحوادث على مستوى الوطن العربي الكبير ، وهذه دلالة أخرى على ثقافة الشاعر الواسعة والعميقة ، فلا يكاد يمرّ حدث ذو بالٍ حتى تنطلق حنجرة الشاعر تصوّر هذا الحدث بالجميل من الصور والمفردات ، ها هو شاعرنا تهزّه أحداث انفجار مرفأ بيروت فيسيل يراعه حزناً بقصيدة بعنوان ( فاجعة مرفأ بيروت ) :

بيروت تبكيك القلوب ودمعها

نزفَ العروبة ، منبعَ الآلامِ

فالشّعر أبترُ والقوافي بلقعٌ

لما بٌليتِ بلوعةٍ وضرامِ

“فيروزُ” ما عادت تطبّبُ جرحَنا

و “الأرْز” يهفو للمحبّ الظّامي [8]

وعن الوباء والجائحة التي أصابت العالم بأسره نظم شاعرنا قصيدة بعنوان: “كورونا تحت أمر الله” :

ما أنتِ إلا تحت أمر الله

شرّقت أو غرّبت يا كورونا

مهما نشرت من النوائب والأذى

وأثرت من هلعٍ وزدت جنونا

فالله يعصمنا ويجبر كسرنا

فله نبثُ شكايةً وشجونا [9]

هذه عجالة وقراءة في ديوان الشاعر الذي هو باكورة أعماله الشعرية ، وما ميّز هذه العمل الأدبي الجميل التزام الشاعر بعمود الشعر العربي الأصيل كما تفضل الأستاذ الشاعر سعيد يعقوب في تقديمه للديوان ، وقد برع الشاعر في تناوله لموضوعات ومناسبات مختلفة مما أثرى ديوانه وجعله أضافة نوعية لرفوف المكتبة العربية .

[1] ديوان شرفات الغيم ص 7

[2] ديوان شرفات الغيم ص 12

[3] ديوان شرفات الغيم ص23

[4] ديوان شرفات الغيم ص 92

[5] ديوان شرفات العيم ص 32

[6] ديوان شرفات الغيم ص 28

[7] ديوان شرفات الغيم ص 20

[8] ديوان شرفات الغيم ص 158

[9] ديوان شرفات الغيم ص 149

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏بدلة‏‏‏

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!