من معالم عدن في شعر لطفي امان الصهاريج نموذجا

بقلم: د عبده يحيى الدباني

لطفي جعفر امان شاعر من عدن ، ولد فيها ونشأ وترعرع ، فتشرب روحها المدنية و الحضرية وتثقف بثقافتها الإنسانية الحديثة قد تسرب كل ذلك الى شعره سواء من خلال الاهتمامات الشعرية والموضوعات او من خلال التناول الشعري والأسلوب
والصورة الشعرية .
وفي هذه الدراسة المتواضعة سنقف امام عدد من معالم مدينة عدن التي حظيت باهتمام الشاعر وصفا وتصويرا ومشاركة وجدانية .
وهذه المعالم او الملامح قد تكون مادية وقد تكون انسانية وثقافية كما سنرى .
وتعد الصهاريج من ابرز معالم مدينةعدن الحضارية ، وهي تقع في الجبال المطلة على مدينة كريتر ، وقد ذكرت في كتب القدماء والمحدثين وما تزال شاخصة حتى الآن رغم الإهمال الرسمي تجاهها.
هذا المعلم الشهير الذي يشهد على عراقة هذه المدينة وجد طريقه الى شعر لطفي في قصيدة بعنوان :
( وقفة على آثار خالدة ) اذ يقول :
هنا هنا
في هذه الاسداد من أرضنا
يدفق بالامجاد تاريخنا
فتغسل الأضواءآفاقنا
وتنتشي غناء أيامنا
وكلنا
معزوفة خضراء عن مجدنا
تشدو بها فوق مناني السنا
قلوبنا احساسنا وعينا
باننا
في حقبة غراء من دهرنا
غزت جبين الشمس هاماتنا .

في هذه القصيدة الجديدة في مبناها ومعناها يحتفي الشاعر بهذا الأثر الحضاري الكبير ولكن من غير ضجيج وتهويل ، لأنه نظر إليه من زاوية شعرية واقعية لا كلاسيكية إذ جعل الماضي يخدم الحاضر ولم يهرب من الحاضر الى الماضي ليعيش فيه او يتمترس خلفه . فهذا الماضي جزء من تاريخنا وكينونتنا الحية ونحن امتداد له في حاضرنا ومعالمه المشرقة تبعث فينا الثقة بأنفسنا وبحاضرنا ومستقبلنا كأننا قد اسهمنا في إنجازها بطريقة ما مثلما يسهم الماضي في صناعة حاضرنا .
ولكن الشاعر لم يستمر على النفس الاحتفائي متغنيا بهذا المعلم الحيوي الحضاري فطفق يقول:
ياجيلنا
احلامنا مغسولة بالمنى
لكنها الأحلام ياجيلنا
تنبت وهم الورد في قفرنا
وتخصب الافيون في نومنا
ونحن في صرعة افيوننا
نسدر او نشرب أحلامنا
في جدث الماضي وماهزنا
الواقع الهادر من حولنا

هكذا ينعطف الشاعر إلى فكرة اخرى تكمل الفكرة الأولى وتحاورها ،فالامتلاء بمجد الماضي والاكتفاء به يجنيان على الحاضر والمستقبل.
ويتحول ذلك الشعور المغرور بالماضي إلى افيون يخدرنا عن التفكير في حاضرنا واللحاق بركب الشعوب من حولنا.
ويختم الشاعر قصيدته قائلا :
ياجيلنا
كم يبهر الإعجاز هذا البناء
مآثر الماضي أمجادنا
بكبرياء الشمس تزهو بنا
فلننفض الأحلام عن جفننا
ولنحرق الافيون في حقلنا
ولندفع الموكب حرا بنا
ولتشرب الآمال من عزمنا
ولنزرع الأضواء في دربنا
لأننا
نؤمن أن النور من حقنا.
في هذا المقطع الأخير يدمج الشاعر بين اشراقة الماضي وصحوة الحاضر وطموح المستقبل المزدهر في رؤية واقعية متوازتة مع معادلة الزمن ثلاثية الأقسام: الماضي و الحاضر والمستقبل .
ولم تحضر عدن هنا من خلال معلم الصهاريج فحسب ولكنها حضرت كذلك من خلال هذا التناول وطريقة التفكير الواقعية واللغة السهلة ونزعة الجماعة من خلال ال (نحن) وال (نا)
فضلا عن المسحة التربوية والتعليمية التي تميز بها النص فلطفي معلم شاعر وشاعر معلم ، وهذا يتناغم مع رسالة عدن التنويرية الرائدة ، فهي المدينة المدرسة.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!