وقفة مع قصيدة رقص الظلال للشاعرة اللبنانية فلورا قازان بقلم المهدي سي محمد

رقص الظلال
أخالُكً طيراً على غصنِ قلبي
تُغنّي بِسحرِ الهَوَى والجَمَــالِ
وتَسكبُ صوتاً شجيَّ اللحُونِ
به سوفَ أرقى تخومَ المُحَالِ
فَتَسكَرُ جَذْلَى بَقَايَا الطُّلُولِ
وأنثرُ سِـــــرِّي برجْفِ الرِّمَالِ
وأقطفُ من توتِ فيضِ الشُّعُورِ
عنـــــــاقيدَ قلبي بكفِّ الدَّﻻلِ
وأعصرُ، أعصُـرُ، كَرمَ الشفـــاه
بكأسِ الصَّباحِ لثَـغرِ النّــــوَالِ
أنا مهرجانُ اشتياقِ الطُيورِ
ورقصُ البلابـــلِ بينَ الظِّلالِ
وامســحُ آهـةَ وجدي فأَروي
بكأسِ الطيوبِ شهـيِّ الحَلالِ
وأرسمُ فوق بَنفسج ِ عمري
قِلادة َحــــبٍّ و رُؤيـــا الهِـــلالِ
وتأتي سنابلُ روحي تَسيــــــحُ
فتبهج دفئاً دروبٍ ِالخيال
فأمشي وأنثرُ رملَ الــــسراب
فيهربُ مني بِســــاطُ الدَّﻻلِ
وفوق بِســــاط ِ الزمنِ الوَثير
أُحرضُ عِطري لسحرِ الوِصالِ
فيا أنتَ يا كُحلَ هذي العُيونِ
طريقُ الأُنوثةِ صَعبُ المَنـــالِ
تَعـالَ ارتديني نبيـــــــة َ ضوءٍ
لنمضي حَفَـــــايا وراءَ التلالِ
سترقصُ تيهاً مفـــــاتنُ صدري
وأحلمُ، أحلم، بــــــــالكرنفالِ
تسامى فضـائي بعطرِ الأثيرِ
فَـكُن بي أثـيـراً وزد بانفعالي
أزركشُ صدري ببيت القصيد
وعطرِ القوافي، بطيب انثيالي
فهلاّ تجيءُ كبدر الليالي؟!!
توطئة :

إن أثر التجارب على الشخصية أمر مادي يشبه
أثر المزروعات على التربة :منها المتعب ومنها المنعش .وبين زراعة وأخرى لا بد من التنظيف الفائق، وإلا استمرت الزراعات القديمة ، أو نبتت الضارة حتى…
تغيير الأنشطة والتوجه أمر حيوي لصحة
القلب والعقل والبدن …

***حكمة تسربت بشكل مرمز ،
داخل نص مقدس قديم . ***

Les oiseaux se cachent pour mourir.
الطيور تختبئ لتموت.
Et l’éléphant , lui, creuse sa tombe pour s’y cacher.
والفيل يحفر قبره ليدفن فيه، ويوري سوأته…

-٢- بين يدي النص :

وقفت ،في دراسات لي سابقة، علي نماذج مختلفة من أشعار الشاعرة القديرة فلورا قازان.
فمنها ما يدخل في إطار الشعر العمودي، ومنها ما ينضوي تحت لواء الشعر الحر ،ومنها ما هو ،
من قبيل قصيدة النثر ،ومنها ما هو عبارة عن ومضة،
أو خاطرة،ومنها ماهوشذرة على شكل هايكو.

وأنا الآن أمام نص شعري عمودي على أوزان الخليل. وسأعمل على التحليق ، في فضائه لأمتص رحيق أزهاره،نحلة أمتص من ريقها عسلا مصفى .

وإن هي إلا وقفة على المستوى الدلالي للنص،
دون غوص في البنية العميقة ،ولا الأبعاد الفنية ،
ولا البيانية ،ولا التركيبية ،ولا الإيقاعية.
وهي مستويات لابد من تخصيص حيز زمني ،
كغلاف لاستيعابها .

بداية أقول :

هو نص ،بشكل قشيب، ومضامين متجددة ،
في حلة من رومانسية بديعة ، وثوب من حرير بيان ،من نسج خيال دودة القز من شجر التوت بلبنان ،توت وعناقيد عنب من الدوالي،
معتقة عصرت خمرة تذهب بالعقول.
أقف أمام نص في احترام وإجلال.
فهو من وحي سماء نبوءة المطر.
يتنزل وحيا وإلهاما ومطرا.
يحيي الجبال والأشجارا.

-٤- التحليل :

بيت القصيد، وقطب الرحى،
في فلكه يدور النص ،
منه البدء وإليه العود :

“فهلا تأتي كبدر الليالي ؟!!”

كبدر كامل متكامل يضئ حالكات الليالي.
لا أريدك هلالا ،قطعة جبن مقضومة ،
قضمتها جرذان الليالي الساهرة النهمة.
فأنا من الألى، لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
لا نؤمن بنصف حبيب وشق عزيز.
البدر الكامل التمام أو لا شئ. العدم يعني.
أن أكون أو لا أكون…!
في السفح خيمتي .
وفي ذرى الجبال همتي.

ولي نظر عال ونفس أبية.
*** مقاما على هام المجرة تطلب.

لا أؤمن بأنصاف الحلول.فإما وإما..؟!
أبيض أو أسود. ككحل هذي العيون النجل.

فإما أن تكون أخي بحق…
*** فاعرف منك غثي من سميني.
وإلا فاطرحني واتخذني
* ** عدوا أتقيك وتتقيني.
فلو عاندتني شمالي عنادك
*** ما وصلت بها يميني.
إذا لقطعتها وقلت لها:
*** بيني كذاك أجتوي من يجتويني.

وفي المطلع يقول الشاعر المثقب العبدي :

أفاطم قبل بينك متعيني.
*** ومنعك ما سألت كأن تبيني.؟!
فلا تعدي مواعد كاذبات .
**** تمر بها رياح الصيف دوني.

إما الحب والوفاء والإخلاص.
وإما اللاحب والهجران والخلاص.
فاختر يا حبيبي ، إني خيرتك بين اختيارين،
لا ثالث لهما ألبتة.
لا توجد منطقة وسطى مابين الجنة والنار.
إلا حياة برزخية إلى يوم يبعثون.
ما أروعه من موقف نادر، عملة في هذا الزمان..!
إلا من أناس هم في نظري كالبدر التمام.

فهلا تأتي كبدر الليالي؟!
تعطلت لغة الكلام وما قيل،
قبل هذا البيت من كلام.
أطفئ سراج الليل وليخبو نوره ،
في أدمع من يراقب بدر الليالي،
ليكتمل ويطلع في كبد السماء،
وعليه هالة بيضاء من نور السرار،
ليبدد خيوط دياجير الأشواق،
ويشذب قتادة حنين الأشواك.
فأنت لو آثرتني لكنت أثيري.
ونمقت صدري ببيت القصيد هذا،
وكنت بدر الليالي الليلاء،وعطر قوافي شعري،
وصورا من مجاز بيانا ،يحدث انفعالا وأثرا وإثارة.

والإثارة أساس في أي عمل إبداعي.
فالكلام العادي لا يثير أحدا ،ولا يسترعي انتباها. .
الشعر البكر والدهشة البكر ، والفتكة البكر مجد.

#***فهلا تأتي كبدر الليالي؟!!***#

شطر من بيت شعري ، هو بيت القصيد.
فتح أبواب التجلي على مصراعيه.
لنعانق المتعة الجميلة،واللذة المزهرة ،
وهي متعة النص التي توقع في شراك حبالها القارئ.
هي ما يصطلح عليها ، في نظرية جمالية التلقي ، بالمسافة الجمالية التي تشعل الدهشة الشعرية.

وتلبس السماء حلة الأزهار.
وتستوي الأرض وتورق الأشجار.
ويفرش المطر طريقنا بماء الورد والزهر.
وداعا يا زمان الحزن وداعا أيها السراب .
فهذه حبيبتي وثغرها لحن السماء.
الحزن ذاب بحضرة بدر الكمال ،
في هذه الليلة الليلاء..!

عرض وتحضيض…
والأداة شاهدة” هلا”
مسدس على قفا من تخاله طيرا على غصن القلب ،
حسونا يتغنى بسحر جنة الحبيب والجمال ،
مؤمنا عنيدا ، متشبثا، عضا بالنواجذ، على أمل
بزوغ فجر الوصال.ولا وصال ..!!.هيهات لك هيهات..!
اللهم أذهب عنا المحل واسقينا الغيث…!
فما عدت أستطيع الصبر فواقا..
(والفواق :فترة قصيرة مابين ضم اليد على ضرع الناقةوبسطها.)
عيل صبري وضاق صدري،والدنيا بما رحبت سجن.
فإذا بك يا طير، من غصن إلى غصن ترحل.
مرددا نفس المواويل على مسمع السهول والجبال.
و على ذابلات الورود والأزهار والسنابل!
خلتك صرفا لي ،ويا له من خيال كسيح …!
تصور و خيال وأضغاث من أحلام وظلال وضلال.
تسكب أعذب الألحان في كأسي راحا تحلق بالروح ،
لتعانق آفاق المحال ، فتبعث الروح في دارسات الرسوم والأطلال،هناك في الربع الخالي ، .
وليباب قلبك أنفث سرا أدفنه تحت الرمال …!
عناقيد دوالي قلبي ، وتوت أرضي، أقطفها، أعصرها مشاعر حب ، بتمنع ودلال ،فأسكبها عبير ورد ،
على الشفاه الدافئة ، أرشف منها قبلات ، صبوحا،
املأ منها كأس النوال.وما أعذبه من منهل براح معلول ، من ظلم حبيب خالص ..!

أنا من أنا يا ترى في وجودك وعالمك؟
وما هو شأني ؟ وما موضعي؟
أشبح راكض مسرع؟ أم فارس مغوار؟
تحت حزامه خنجر؟
فيكون له ولاؤنا ، ليكون سر بقائنا.
هنا تشعر بانتقال نوعي إلى نبرة أخرى،
تعبر الشاعرة عن نفسها ، فهي مهرجان اشتياق،
مع هاتيك الطيور على الأغصان، في كرنفال فرحة وعرس بأهازيج وزقزقات ، وشقشقات وتحليقات رقص جذلى ، تتلذذ بشمس يوم ربيعي ، في سرور،
وشدو وتطريب ، بين الظلال ،وهو حياة وانشراح وسعادة وحبور.، لا كباقي الفصول.
ومن هنا انبثق عنوان القصيدة : “رقص الظلال.”
رقص ظلال تشارك الطيور رقصاتها ،في الفضاء بين الداليات والسواقي و الظلال.

-ثالثا-

كل هذه المظاهر والتجليات، لعناصر الطبيعة ، إن هي إلا انعكاس ، وانصهار وحلول لما يدور في خلد الشاعرة من أحاسيس ومشاعر صادقة ، تحاول إخبارنا بأن كل ما في الطبيعة هو تجل و مشاركة وجدانية لها من لدن العصافير والبنفسج والتلال والعناقيد والهلال والبدر …
هو إسقاط لمشاعر تتفاعل داخل الوجدان على مظاهر الطبيعة . وهذه قمة الرومانسية..!
هذا مهرجان وهذا عيد وهذا كرنفال…!!
فلم أبقي على آهاتي الوجد .وما أبقى علي…!
لماذا لا أعل شهي الحلال بكأس الطيوب.
مالي والجري وراء سراب العشق الممنوع ؟!
فأرسم ، بفخر وشرف ، فوق بنفسج عمري،
طوق حب ، يبشر برؤيا الهلال.
فتأتي سنابل الروح تهزها نفحات نسيم سابحات،
فتأسر الفرحة دفءا وحنانا دروب الخيال.
وأراني أمشي واثقة ، أنفض عن روحي غبار الآل.
فلا دلع بعد اليوم . ولا خوف ولا هروب…!
فهذا بساطه يهرب مني ، بعد ان خلعته ، الدلال.
والزمان والصبر الجميل كفيلان ، بوضع بساط جديد ، يمشي عليه العطر ، تحريضا، لفرحة سحر الوصال.
يا من يمني النفس باللقاء؟!
أرجو أن لا تذهب كل أمانيك سدى…!!
اعلم جيدا أنك كحل إثمذ، جمال لعيوني.
فيا كحل العيون..!
ضعها حلقة في أذنيك…!
إن طريق الفوز بأنثى مثالية ،لا تشبه بنات حواء،
سبيل محفوف بالمخاطر ، صعب المنال.
يا حبيبي تعال…!
ارتديني نبية ضوء تنير دروبك ، وراء هذي التلال.
حفاة نمضي إلى قدرنا المحتوم.
وهل جربت يوما أن تمشي حافيا، في الحقول ،
وراء الفراشات والطيور، أجدادنا حفاة ، شبه عراة يصطادون الغزلان ، و الوعول ،في الجبال.
فترقص فراشات صدري خيلاء وتيها وغنجا ودلالا.
مفاتن تستحق وقت الوصال عرسا من أعراس ألف ليلة وليلة، ببغداد الرشيد ، على ضفاف دجلة الخير، حلما من كرنفال، لا يضاهيه كرنفال…!!

فهلا تجئ كبدر الليالي؟!
وهل في اللقاء من رجاء.؟!
أم هي أضغاث أحلام .
سحابات صيف عن قليل تقشع.
لست أدري…!
لست أدري…!

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!