وقفة مع نص للشاعر محمد أبو زيد بقلم أحمد وليد الروح _ المغرب

وقفة مع نص للشاعر محمد أبو زيد بقلم أحمد وليد الرو

كُنتُ هُناك عارياً مُتخذاً من سُرري صلاة ,أتلذذُ بما طاب لي من القصائد والأغنيات إلى أن جُعلت الخطيئة أُنثى .. !!

وأنا أفتحُ النافِذة في الصباح اندلق على وجهي غُبارُ المدينة فتوضأتُ بِه …
السؤال : أجائِزةٌ صلَاتِي … ؟؟!!

ماذا لو بقينا حُفاةً , عُراة … هل ستفقدُ عُذريتها الريح .. !!

الطلعُ الذي حط على شفتي كان أُنثى وبدل أن نُنجب الورد تفتق من خِلالنا الدم .. !!

كُل الدماء التي تقافزت من أجسادهم كانت بذات اللون , كل الأرواح كانت بذات الرائحة.
كيف سأميزُ قتلاي من قتلاهم .. ؟!!

شواهِد القبور تحملُ أسماءً مُختلفة لذات الموت .. !!

الحُلم الكاذِب _الذي أدرتُ بهِ عجلة الزمن _مات , كُل الرحى كانت أقسى من حبات قمحي .

#محمد_أبو_زيد #الجمعة_الأخيرة

أنت هنا لا تتعرى من ثيابك و لا من جلدك أنت تتعرى منك من محمد أبو زيد ، تُحضِر كلّ ما تتوارى منه خلف هيأتك الحالية، و تُظهر كل ما تحْرِصُ على إخفائه.. هنا الآن أنت لا تهتم لشيء و لا يهمك الملأ، تهتم فقط لما أنت عليه الآن و بهذه اللحظة الشعورية، أو ما تظن أنك عليه. أنت تخرج منك لتشاهدك في كل تشكُّلاتك التي تختارها و في كلّ الأفكار القبيحة التي كونتها عنك داخل تيهٍ من ظلام.. تيهِ نفسٍ متعبة مُتكوّمة تفتِّشُ عن أي نقصانٍ يناسبها لتلبسٓه..
داخل آدميتك تبحث عن كل سلبياتك، تبحث فيك عن كل عُريّ يعتريك فيفسدُ عليك طقوس صلاتك على نَفسِك و بنفسِك فأنت لا تنتظرُ أن تموتٓ لتُصلي عليكٓ. أنت لا تثق إلا بنفسِك تحسُّ أنّ صلاتك عليك وحدها الصحيحة و هي الأنسب .. أنت تتجرّد منك لا للعُريِّ فقط بل لأن آدميتك تفرضُ عليك فعل التعٓرّي ، تجعلكٓ تتساءل بينك و بين نَفسِك و بصوتٍ جماعي: (ماذا لو بقينا حُفاةً , عُراة … هل ستفقدُ عُذريتها الريح .. !!)
الريح لن تفقد شيئا منها، نحن من فقدنا لباس التقوى الذي كان يواري سوءاتنا، تعرينا للريح تأخذ كل نقيٍّ طاهر فينا.. قالها الشاعر محمد أبو زيد :”ماذا كان ليحدث لو تعرينا ؟” لو تعرّينا منّا من خُبثِنا، وسوساتنا، من ظنونا، لو عُدنا كما وُلِدنا بلا خطيئة و لا جُرم؟
كيف يمكن للخطيئة أن تكونٓ “أنثى” ؟ لما لا تَكُونُ ذكرًا؟ ألأنّها صِيغٓت بإسم أنثى؟ أم لأنها لا تُرتٓكبُ إلاّ من ذكر؟ أم لأن سبب الخطيئة أنثى؟ لما لا نتلذّذُ إلاّ بخطيئةٍ أو فيها؟ و لما نقرنُ اللذّة بخطيئة؟ أي خطيئة لها لذة قد تكون مستعرة لكنها مؤقتة يعقُبها الندم و إلا ما كانت لتكون خطيئة.
“كُنتُ هُناك عارياً مُتخذاً من سُرري صلاة ,أتلذذُ بما طاب لي من القصائد والأغنيات إلى أن جُعلت الخطيئة أُنثى .. !!”
حين يقول :” كنت هناك” أين؟ لما يُشير؟ و عن أي كينونة يتحدّث، عن كينونته كإنسان؟ أو شاعر؟ أو آدمي قابل لكل أنواع التحوُّلِ، و قابل لإرتكاب شتى أنواع الخطأ، و الخطايا .. آدمي بكل عيُوبه. فهو هنا لا يحب التحدث عن إيجابياته و عن تكريمه عن الخلق بل يبحث عن كل ما يمكنه إظهار طينةٓ أي طين متحركٍ يظنّ نفسه مترفعًا عن النواقص. يبحث عمّا يمكن لأي آدمي أن يخفيه عن الناس و يتوارى منهم، أن يكون غير قابل لأن يكون مرئيا، مكشوفًا و ملاحظا”remarquer” من طرف الغير، يتلذّذ بلا مرئياته المخفية التي يحاولُ إظهارها الآن بكل سماجة و بشاعة.. أمام نفسه فقط و كأننا به الآن يُمارس فعل القبح بكل أبعاده الخفية.. فهو حين يكتب يفتعِلُ اللذة و يمارِسُ الخطيئة.
هنا الشاعر يتحدث عن خطيئة لم يرتكبها، فهو لا يفكّر بارتكاب خطيئة إلا عندما يمارس فعل الكتابة، عندما يشير إلى نفسه من خلال قصائده غير مكثرت بالتحول الذي يحدث له، فهو بحياته العادية إنسان طبيعي كمفهوم متعارف عليه عند العامة لكنه في قصائده مُتحوّل. يتحول في طبيعته و مزاجيته من الهدوء إلى التمرد و من الصمت إلى البوح .. يستمد قوته و جرأته من الشخص المتحول بقصائده، يقول كل الأشياء المسكوت عنها .. يفتح نافذة البوح على مصراعيها، يغتسل، يتدثر بالكلمات.. يعيش لذة الإفصاح .. تتحوّل الكتابة معه إلى أنثى، و الأنثى إلى خطيئة.. ليس هو من أقرّ هذا المفهوم للأنثى لكنها مفاهيم عرفها بالمجتمع الذكوري الذي ما يفتأ يتغنى بهذا “…والأغنيات إلى أن جُعلت الخطيئة أُنثى” مجتمع لا يعرف اللذة إلا مقرونا بخطيئة و الخطيئة لا يتمّ ارتكابها غالبا إلا بسبب أنثى..
و يستمرُ شاعرنا في البوح، في الإنغماس أكثر في لذاته “لذة الحرف، لذة القول=لذة الشعور بالإرتياح” فالحياة عبء، و الكتابة لذة و اللذة خطيئة.. لكن بعد مكاشفة الحقيقة و الإقرار بارتكاب الخطيئة لنفسه (بينه و بين نفسه) و دونما اهتمام بالملأ (المجتمع الممثل في مجموع القرّاء و في محيطه الإجتماعي) نجده يسعى إلى ارتكاب مزيد من الخطايا فيقول:
“وأنا أفتحُ النافِذة في الصباح اندلق على وجهي غُبارُ المدينة فتوضأتُ بِه …
السؤال : أجائِزةٌ صلَاتِي … ؟؟”
كيف لغبار المدينة يكفَلُ له وضوءً صحيحًا؟ كيف به ينقّيه من كل دنس علِق به و أن يُخالِطُ آدميته بأديم المدينة الملوث ؟
هكذا يصبح وضوءه اغتسال من كل نقاء فيه و صلاته طقس من طقوس الكُره. وحده كرهه لنفسه، لما هو عليه يجعله يُقِرُّ و لو بينه و بين نفسه عن كلِّ بشاعة، عن كلّ سيء و رديء..
لما الآن يصيبه الشعور بالذنب؟ شعور يدفعه للإغتسال من ذنب لم يرتكبه، اغتسال يحاول من خلاله أن يُسقِط عن نفسه فعل خطيئة لا يعرف ماهيتها و لا نوعها .. هو في محاولاته هذه، يمارس فعل القبح بكل أبعاده الخفية..
هذا اليقين بالدمار النفسي و الروحي و هذا الخراب الكوني الذي يسكن الشاعر، و يتمٓلّكُه يجعلُنا نرى بوضوح هشاشة الأشياء بالنسبة له فلا شيء له قيمة عنده .. كلّ الأشياء تُفضي لعكسها، هذه السوداوية التي تتكوّنُ داخله يوزعُها بفوضاوية مطلقة هو لا يحرص على ترتيب الأفكار داخل ذهنه، بل يحاول ممارسة الفكر كنوع من الخطيئة، لذة محرمة يمارسها بدايةً بينه و بين نفسه في شكل قصيدة ثم يعرضها فتكونُ علنًا على الملأ.
كل الأشياء هنا معكوسة فالطلعُ بطبيعته مذكر “مسحوق ينتجه الجزء الذكري في زهرة النبتة، تجعل الجزء الأنثوي من ذات النوع تنتج البذور” لكن الشاعر جعله مؤنث و قلب المفاهيم بقوله “الطلعُ الذي حط على شفتي كان أُنثى وبدل أن نُنجب الورد تفتق من خِلالنا الدم .. !!”
العالم كلُّه خراب لا مجال لأن تُزهر الحروف هنا مادامت الدماء سُقيا الأرض و عطر أزهارها التي لم تتفتّق بعد . فلن يكون الحديث إلا عن الموت و عن الدم. هكذا يدخل الشاعر مأزق القصيدة التي تفصح عن نفسها، فلا يمكنه أن يفتح فمه و يحرّك شفتيه للكلام إلا و ينزف دما. منذ البداية يحاول الشاعر التهرب من التورط بالقصيدة و من قبضتها ، يتلاعب بالكلام ينغمس في غمار اللذة… وسيلته في ذلك بداية الهروب من نفسه و نهاية التخلّص من قبضة القصيدة التي ترسم له مسار الكتابة و توجهه كيفما شاءت .
وحده الحديث عن اللذة يمنحه فرصة للهرب من خراب الكون، من الموت .. موت المدينة، موت العالم و الناس.. موت كل ما يمكنه أن يُزهرٓ داخل النفس و بالتالي موت الحلم الكاذب، حلم يشير للطهر للنقاء، للسلام.. حلم مضاء يجعل العالم نورانيٓ الشكل ..
اللذة هنا نوع من الخلاص و هروب من دنس العالم،رمن الموت و الموتى.. من الدماء المتقافزة بذات اللون و ذات الرائحة ، كلّ الأرواح متشابهة .. عدونا يَقْتُل بعضٓنا، و بَعضُنَا يقتل بَعضُنَا.. اختلطت الأمور و المفاهيم. قبلًا كنّا نعرف عدونا، الآن عدوُّنا منّا و بيننا .. أصبحنا أعداء أنفسنا عندما تآخينا مع عدونا ضد أنفسنا و ضد إخوتنا.. هكذا أصبحت الدماء كلها بلون الخيانة، و الأرواح رائحتها نتنة.. “كُل الدماء التي تقافزت من أجسادهم كانت بذات اللون , كل الأرواح كانت بذات الرائحة.
كيف سأميزُ قتلاي من قتلاهم .. ؟!!”
هكذا تفشل اللذة في أن تروج لعالم اللهو بشواهد النسيان وحده الموت يروج لحقيقة العالم بشواهد القبور التي تزهر، تتكاثر و تختلف باختلاف الأسماء الكثيرة و المختلفة “شواهِد القبور تحملُ أسماءً مُختلفة لذات الموت .. !!”
لا مجال هنا للحلم، ربما يتناسى الشاعر نفسه و يسمح لها بأن تحلم و تشيّد لنفسها عالما تعيش فيه بعيدا عن فوضى هذا العالم الخرب الذي يوزع خيراته على بعض الفئات القليلة في حين تعيش فئات كثيرة تحمل جوعها داخل مُدن الفاقة و الخراب، أعلامها سوداء تحمل إشارات الموت. لا غلال و لا قمح و الرحى ضخمة، تدور.. تدوسُ، لا ترحم “الحُلم الكاذِب _الذي أدرتُ بهِ عجلة الزمن _مات , كُل الرحى كانت أقسى من حبات قمحي.”
الآن و نحن نواجه حقيقة العالم كيف لنا تقبّلها، هل نواجهها أم نهرب كما فعل الشاعر الذي هرب منها ليواجهها في الأخير ؟ هل نقبل بالتعري لنواجه أنفسنا و بالتالي نواجه العالم؟ هل نتعرى كما فعل الشاعر و بكل ما أوتي من قبح ليرى ردة فعله، يرى العالم .. يواجه الحقيقة؟
لن نستطيع رؤية الحقيقة إلا من خلال أنفسنا و مادمنا لا نستطيع التعري و نزع الزيف الذي يغلّف حقيقتنا لن نستطيع أن نُعري عالمنا من زيفه، لن ندرك الخراب المبهرج الذي نٓعيشُهُ مُدُنًا كبيرة ببروج شاهقة و الحقيقة خراب.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!