الشك طريقٌ لليقين/بقلم سعادة ابو عراق

مصطلح الشك مصطلح وافد مع الفلسفة الأوروبية الحديثة، ومقترن بالفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي أراد أن يضع كل معارفه وأفكاره تحت الفحص، ليتأكد من أن كل ما في عقله هو صحيح لا ريب فيه.
وفي تاريخنا وجدنا كثيرا من المراجعات التي كان يقوم بها اللاحقون على أفكار وآراء السابقين، ولكن هذا المبدأ لم يصبح ثقافة للشعب العربي والإسلامي.
ان الشك ليس هدفا في ذاته، إنما هو أسلوب نستخدمه لكي نصل بواسطته إلى الحقيقة، وهذا مطلب بدهي، لا يختلف عليه اثنان إطلاقا، لأن كل منا يريد أن يكون على السراط المستقيم، ولا يرغب في أن يستغفله أحد أو يوقعه في براثن الخطأ، أو يكون أضحوكة لغيره.
إذن فإن مبدأ الشك، نمارسه كضرورة، وليس هو عقيدة مصطنعة، إننا حينما نقدم منهج الشك كقانون، ونقوم باستعماله في حياتنا الفكرية والحياتية، يظن البعض أننا ندعوا إلى هدم معتقداتنا وأفكارنا ونجرح الزعماء السياسيين ونهين به من نريد إهانته.
ولعل طه حسين هو أول من استخدم هذا المنهج في نقد الشعر الجاهلي الذي وجده مملوءً بأشعار ملفقة، وروايات خرافية زج بها الإخباريون، وراح يشير إليها، والمشكلة التي تعرض لها هي تعامله مع القرآن كنص أدبي جاهلي يخضع لنفس الزمان والمكان، وهنا رأى مشايخ الأزهر أنه بالشك قد تجاوز الخطوط الحمراء، ورفعوا عصا التأديب، حيث حوكم وصودر الكتاب، وتم حذف ما أرادوا حذفه، وكان صوابا لو اتخذ الفقهاء مذهب الشك في أقوال طه حسين ليفندوا رأيه، أي محاربته بنفس سلاح الشك، وهنا -كما أظن-، كان سيشيع منهج الشك ويصبح ثقافة تنويرية، تمنعنا من أن نتقبل أية فكرة أو عمل قبل أن نتأكد من صحتها، وكنا استغنينا عن كل هذا التخبط الذي نغرق فيه.
ومن المعروف أن الإمام الغزالي كان شاكا، لكنه لم يتوسع به فلم يشرحه ألا ببضع صفحات في كتابه تهافت الفلاسفة، وعبر عن مفهومه للشك في كتابه ‘ميزان العمل’ بقوله: ‘فمن لم يشك لم ينظر. ومن لم ينظر لم يبصر. ومن لم يبصر يبقي في العمي والضلال.
الشك ليس حيرة أو وسواسا مرضيا، إنما هو فعل إرادي نقوم به لأجل منفعة ما، فالقاضي حينا يشك بأقوال الشهود أو اعترافات الجاني يكون مقصده العدل، ولكن ما يدفعه للشك إنما هو إحساسه بالخطأ، وهذا الإحساس هو الدافع للشك. وأن الشك يكون عاما وليس محصورا في مجالات وموضوعات معينة ومنفي عن غيرها.
والشك أيضا يجب أن لا يكون سلوكا دائما وإلا لتحول إلى وسواس، أما آليات الشك فهي مختلفة اختلاف المجالات التي يتناولها الباحث أو عالم الرياضيات، أو رجل المخابرات أو الأب أو رجل السياسة أو مقاول البناء ومصلح الآلات، وغيرهم, فكل واحد منهم له منهجه الخاص الذي يناسب مجاله.
إذن فإن الشك ما هو إلا الطريق إلى اليقين وهو ضروري لنا نحن العرب والمسلمين، أكثر من غيرنا، لأننا نتعرص لدعايات ومقولات ومشاريع وأفكار لا نميزها إلا بعد أن تكون قد انطلت علينا المؤامرة. وعلينا أن نركز على المجالات التالية :
1 – الأفكار الدغمائية ، وهي الأفكار التي لا يجوز مناقشتها البتة، وهي أفكار في السياسة والدين والجنس، ليس لأنها صعبة، إنما لحظرها وعدم طرحها للمناقشة، فمثلا لا يحق لك أن تتسائل حول شرعية النظام الملكي الوراثي، كما لا تستطيع أن تتساءل عن الرق، الذي أقره الإسلام ومارسه المسلمون طوال حياتهم، والفرق بين الزنا ونكاح الإماء, أما الجنس فأنتم تعلمون مدى منعه، وهذه الممنوعات هي منبع كل الشرور والآثام.
2 – نحن كثيرو التقديس لآبائنا وشيوخنا وأساتذتنا وعلمائنا ، لذلك لا نقبل مناقشة أفكارهم القطعية، وعلينا قبلاً أن نتجرد من عواطفنا وعن فكرة التقديس، واعتبارهم بشرا يخطئون ويصيبون ونراجع أفكارهم ومواقفهم
3- أيضا نتعرض لهجوم شرس من الإعلام الذي هدفه غسل أدمغتنا بالأكاذيب وتشويه الحقائق ومنع المفكرين من إبداء آرائهم، كما نتعرض لهجمة من رجال الدعوة الذين سيطروا على أفكار الناس، بإشاعة أفكار خرافية وأسطورية محسوبة على الدين، وأدعية وممارسات وفبركات علمية، لوثت عقول الناس وجعلتهم سادرين لا رؤية لهم.
4- احتراما لأنفسنا فإننا لا نسمح لأنفسنا مناقشة ما جاءت به كتب التراث، احتراما لمن سبقونا ،ولكن من الواجب أن نقوم بتنقية ما جاءنا قديما وحديثا، فهذه الثروة الحضارية، لا يمكن أن تكون جميعها على سوية عليا، فهم بشر لهم قدرات كانت تناسب مع زمنهم، وبعضهم حاول فأصاب في ناحية وأخطأ في أخرى، فالشك يجب أن نمارسه أولا على أفكارنا ومعتقداتنا وإلا سنكون كمن لا يذهب للطبيب لكي لا يظهر ضعفا ينقص من هيبته، فتسوء حالته وتودي به إلى التهلكة,

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!