العالم يعيش حفلة جنون من التشدد والعنجهية/ بقلم الشاعرة المصرية فابيولا بدوي

أبسط ما يوصف به ما نعيشه اليوم أنه حفلة جنون للعنف والعشوائية وإراقة الدماء‏.‏ وإذا ما تصورنا أننا نقبع في زاوية صغيرة من هذا العالم‏,‏ ولا شيء يعنينا أو يصيبنا‏,‏ فكافة رمال هذا الكوكب لن تكفينا لدفن رؤوسنا‏,‏ وستظل الحقيقة ماثلة أمام الجميع‏,‏ لأننا شئنا أم أبينا جزء لا يتجزأ من هذه الاحتفالية المجنونة‏.‏

خلال أيام قليلة استيقظنا علي حادث مانشستر ثم الفلبين ثم لندن, وبعيدا عن نظرية الذئاب المنفردة التي يحلو لمحللينا تكرارها بمناسبة أو بدون, مع أننا لم نجد ذئبا إلا وخلفه تنظيما, مما يؤكد أن رؤيتنا قاصرة نتيجة تعامينا عن الحقائق. مثل جهلنا بالكيفية التي سيتصدر ساكن البيت الأبيض الذي تحدث إلي العديد من قادة البلدان العربية والإسلامية كرجل فضيلة وعالم ببواطن الأمور, لهذه النقلة النوعية بعد هزيمة داعش في العراق ثم سوريا, وانتقلت من مرحلة التمركز والحلم بإقامة الخلافة إلي مرحلة الإرهاب الممنهج للحصول علي أكبر قدر ممكن من الحضور الإعلامي, ولإرباك الحكومات.

هل سيتم الأمر بمحاربة إيران أم بمضايقتها بالعودة فجأة لأفغانستان واللعب في ملعب القاعدة التي لم يعد لها أي علاقة بما يجري من حولنا, اللهم إلا في بلدان داخل منطقتنا برعاية بعض قادتها وبمباركتهم لخطواتها كالنصرة وغيرها.

هذه هي الحفلة المجنونة التي نعنيها حيث اللامنطق هو الفكرة التي مطلوب أن تسيطر علي أذهاننا لنسير خلف بوصلة فقدت بكل المقاييس القدرة علي تحديد اتجاهاتها. ما هذا التمدد الدموي من المنطقة العربية إلي مانيلا مرورا بأوروبا, نهاية بمعاداة الكائنات الحية في الكوكب كله. فانسحاب ترامب من اتفاقية المناخ ليس بالبعيد عما نعانيه من إرهاب, فالموت واحد سواء بالرصاص أو الجفاف, ولا نعلم كيف لمن لا يهتم بقتل الحياة أن يكون حليفا وسندا للقضاء علي أعداء الحياة, ففاقد الشيء لا يعطيه ولن يعطيه.

هذا النهج الملتبس المملوء بالمغالطات ليس ببعيد عنا, فنحن نتصرف وكأن كل ما يحدث في العالم هو خارج الزمن الذي يظللنا. فلا المؤسسات الدينية مهتمة بصورة المسلمين التي لم تهتز فقط بل تم سحقها تماما, وتتصور أن بعض الزيارات والكلمات المنمقة هي مقنعة للآخرين وهي ليست كذلك علي الاطلاق.

فيما يكتفي الباحثون والمحللون وقبل منهم غالبية نوابنا الكرام, بكلمات أقل هشاشة من شجب واستنكار المؤسسات الدينية مثل أننا نحارب الإرهاب نيابة عن الجميع, ولم نعرف يوما من هم هؤلاء الجميع, وكيف ننوب عنهم, ولماذا؟ أو التكرار المفرغ من فحواه لمفاهيم الإرهاب الذي لا وطن ولا دين له.

كيف يمكن أن نستسيغ هذا التبسيط أو اجتزاء بعض الجمل من سياقها وترديدها علي أسماعنا بمناسبة وبدون. وكأن المطلوب منا أن نغالط أنفسنا ونتعامي عن أن هذه الأفكار قد خرجت من منطقتنا, وتمت رعايتها واحتضانها منذ البداية من بعض دولنا, ثم استثمر فيها الآخر بحسب مصالحه وغاياته. وكيف لا دين له وكأن التفجيرات التي تغتال العالم ينفذها البوذيون أو الشيوعيون أو عبدة البقرة والنار وغيرهم, وليست جماعات كلها تدين بدين واحد, وتستند إلي تفسيرات محددة روافدها من عمق تراثنا.

المغالطات مهما تستمر لن تغيب الواقع, فمشاهد الموت والاصابات والهلع هي أقوي بكثير, والاعتماد علي قوي تصدر لنا الوهم حول نبل غاياتها, والانسياق خلف أشباح لأعداء مفترضين, سيقودنا لأن نكون شركاء في هذه الحفلة المجنونة التي تتغذي علي التشدد والعنجهية ومساحات هائلة من السلبية.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!