الفساد / البيئة الحاضنة للفساد/ بقلم سعادة ابو عراق

الفساد فكرة ، وكما كل الأفكارالجيدة والخبيثة، تشبه بذور النبات، والخلايا البكتيرية، يمكن استيلادها كما لو وجدناها على قارعة الطريق، لا بد لها من تربة صالحة تنمو بها واجواء مناسبة وري مناسب وعناية خاصة ومزارع يعرف كيف يعتني بها ويقطف ثمارها الشهية، ويعرف اين هي النباتات الضارة فيزيلها، والنباتات المفيدة التي يوليها عنايته، ويهتم ببقائها.
لذلك فالفساد ليس حكرا على مجتمعنا بل هو ظاهرة إنسانية موجودة، لا نملك ان نلغيها، لأنها نابعة من تفاعل الرغبات الإنسانية وافكارة وأخلاقة مع موجودات الطبيعة ، ومدى حنكته أوغبائه في تسيير أمور حياته، فلا احد يمنع احتراق الخشب، ولكننا نستطيع ان نبعد النارعن الخشب، الفساد هو نابع من تفاعل كيماوي بين موجودات المجتمع، وقدرة الإنسان على التفاعل معها، هذا التفاعل يمكن له ان ينتج مواد ضارة ويمكن ان ينتج مواد نافعة، لذلك علينا ان نعرف سنن هذا التفاعل، فنعرف كما عرفنا طريقة انتاج اللؤلؤ، واصبحنا ننتج المادة التي نريدها من الؤلؤ بالكميات التي نريدها دون انتظار الطبيعة، ولن يكون هذا إلا إذا نزعنا من عقولنا فكرة العطاء والإنتقام الإلهي، التي تريحنا من معالجة القضايا المجتمعية معالجة عقلية بالبحت عن الأسباب الحقيقية ومعالجتها معالجات مسبقة التصميم.
وأعتقد ان العوامل التالية هي ما تساعدنا على فهم نشوء الفساد

اولا : الغرائز والدوافع
الغرائز التي ولدت معنا هي المحرك لنا في هذ الحياة، لذلك نجد مطلبها مطلبا بديهيا، ولا بد للعقل ان بجد السبل كي يلبي مطالبها، على قدر ما تسعفه قدراته وظروفه المتاحة، لذلك يكون الفساد مستشريا كلما ضاقت امام العقل السبل لإشباع رغائبه الغريزية، فتنتشر السرقة في البيئات الفقير حيث لا يجد المعوز ما يقيت به نفسه او عائلته، ويحفظ حياته ، وحينما تلجئه نزعته التملك – لإمتلاك ما يلبي مطالب هذه الغريزة – إلى النصب والإختيال والتدليس والإغتصاب وغيرها، أو إلى تسلق السلطة ليكون اكثر قدرة على جمع الأملاك ، فالسلطة هنا اصبحت لتكوين الثروة، وبما انه لا يستطيع أن يدخل مجتمع النخبة الحاكمة دخولا قانونيا لا بد ان يدخلها متسلقا الأسوار، واستخدام تقنية النفاق وتقديم الخدمات المحرمة التي يرغب بها هؤلاء الفاسدون، وبذلك بكون قد انضم دون تصميم مسبق إلى مؤسسة الفاسيدين وأصحاب الياقات المنشاه.

ثانيا: غياب سلطة القانون وسلطة الأخلاق
الإنسان لا يستطيع الأ ان بعيش في تجمعات بشرية، قلت هذه التجمعات او كثرت، ذلك أن احتياجات الإنسان الحياتية من مأمن ومأكل وملبس ومأوى وغيرها لا يمكن ان يحققها بنفسه، لذلك يكون المجتمع الإنساني مجتمعا تعاونيا، كل يقدم خدمة ما إلى هذا المجتمع مقابل ان يأخذ خدماتهم التي تلزمه، ولكي يكون تبادل هذه الخدمات منصفا، يجب أن يكون هذا المفهوم واضحا في أذهان المجتمع، لكي يبني به مبدأ الأخلاق، بمعنى ان وجودي ضرورى للمجتمع كما هو وجود غيري ضروري لي، فإذا ما الغيت وجود شخص أخر او أعقت عمله فإن ذلك يؤثر على جسم المجتمع، لذلك فالأخلاق هدفها الحرص على الغير كما هو حرصها على الذات، الأخلاق الفردية يفرزها الضمير، ولكن الأخلاق المجتمعية يرعاها القانون، حيث يكون اختصاصه اوسع من التقديرات الفردية، والتي لا يستوضحها عامة الناس، لذلك فإن افتقاد القانون العام والأخلاق الشخصية يجعل من المجتمع ساحة للصراعات وبفتح المجال لكل شخص كي ينفذ إلى مأربه بما استطاع من قوة أو رياء أواختلاس ، وهذا هو الفساد

ثالثا: مجتمع عدم الكفاية
هو أن لا يكون في المجتمع ما يكفيه من الموارد التي تلزمها مطالبه وتطلعاته، وبعكس ذلك فإن الأفراد سوف يتسابقون طبيعيا إلى حيازات مادية يؤمنون بها حاجاتهم، وهنا لا يكون الضمير والقانون فعالا، بحيث لا يستشعر المساواة بينه وبين غيره ويرى أن للغير حق الحيازة كما هو حقه، أوليس له حق الحيازات كلها بما يسمى الإحتكار، احتكار السلطة واحتكار المال، ذلك ان التملك مطلب غريزي لا حدود له، هنا تولد مفاهيم التسلط، بأن يعطي لنفسه صلاحية توزيع الحيازات، وهنا ايضا نشأ مبدأ النزاع على السلطة، وبما ان امتلاك السلط لم يكن مفهوما أنه حق طبيعي لأي شخص، لذلك اصبح الوصول إليه مباحا لأي شخص او فئة، وأصبح الوصول إلى السلطة بالطرق الملتوية فسادا، من هنا نجد أن الوصول إلى السلطة هو السبب المؤسس لسلطة الفساد، وإذا ما تأملنا في مستويات الفساد وجدناها في البلاد الفقيرة، حيث التنازع على الموارد الشحيحة، التي لا يمكن الحصول عليها بسهولة

رابعا: السلطة قوة لإشباع الغرائز
نشأت السلطة حسب تصور الفيلسوف الإنكليزي هوبز، بعد أن نشأ في المجتمع اقتتال وفوضى، جعل من ظهور شخص استطاع ان يخمد هذه الفوضى ويصبح حاكما لها متسلطا لا يحق لأحد منازعته على هذه السلطة، وهو بذلك يؤسس لفكرة النظام الملكي، ضد فكرة الشاب جون لوك الذي ينادي بنظام العقد الإجتماعي، لذلك فإن اصل السلطة هو تسلط، بمعنى حكم فرد او عائلة تدير البلاد كإقطاعية كبيرة، ولا شأن للشعب بذلك، هنا نشأ في اذهان الناس ان السلطة كطريق للإثراء الفاحش، والتميز والترفع ، بل أن إعطاء الحكام صفات إلهية تقديسا وتعاليا وتخليدا، مما جعلها هدفا للطامين إلى الرئاسة، من هنا وجدنا الحركات الإنقلابية، والإستيلاء على السلطة على مدى التاريخ، دموية تطول العائلة الحاكمة واذيالهم المنتفعين منهم ولم تكن هذه الحركات الإنقلابية للإصلاح وتحسين معيشة الناس، انما وسيلة لجمع الثروة والتمتع بها على حساب الناس، وان توالي هذه الصراعات على السلطة يؤدي إلى استنزاف الموارد، وبالتالي ضعف السلطة مما يغري الطامعين بها، ولم تتوقف هذه الوسيلة إلا بعد ان آمنت الشعوب المتحضرة بالنظام الإنتخابي الصيحيح الذي يوصل إلجدير إلى السلطة وليس المغامر السفاح

خامسا : السلطة غير المكتملة
بما ان السلطة لا تولد مكتملة، فإنها تكون قد أغفلت جوانب كثيرة في إدارة المجتمع، وخاصة تلك السلطة التي قامت على الغلبة والقوة، فإنها لا تعمل على تحديد واجباتها وحقوقها مقابل واجيات وحقوق المواطن، من هنا كانت علاقة المواطن مع السلطة علاقة غير مكتملة، لذلك فإن كل الدول البدائية وغير النامية لا تكون قد احكمت سيطرتها على كل مرافق الدولة، ولم تقم بتطوير نفسها لضبط عمل كل اجهزتها ودوائرها بالتعليمات والقوانين ومتابعة المراقبة الإيجابية، هنا سنجد من يستغل هذه الثغرات الإدارية والقانونية المتاحة ليكسب ما يمكنه الكسب او يتسلل إلى المناصب العليا التي لا يستحقها.

سادسا : نظام الحكم
لايوجد نظام يشبه الآخر تماما ولا ينبغي أن يشبه غيره، ولكننا نستطيع ان نصنفها إلى قسمين ، انظمة حكم العائلة، وأنظمة الحكم المتاح، فالفساد يكثر انتشاره في انظمة حكم العائلة وانظمة الإستبداد والفردية، فهذه الأنظمة تدار من افراد عائلة يرأسها ملك او امير او سلطان، أو الحكومات الإنقلابية التي سطا أفرادها على الدولة وهذه غالبا ما تحتكر المناصب القيادية ومراكز القوة في قيادات الجيش والشرطة والمال والمخابرات والصناعة، وإنها لا تسعى إلى تطوير نفسها او تبديل اعضاءها، وفي هذا النظام لا مجال لأحد من الناس أن يشارك في الحكم، ويصبح الإقتراب من أعتاب هذه الفئة الحاكمة أمرا محالا ، وخاصة انهم ينتقون من هو على ولاء جيد، فيمكن لوزير ان يبقى في منصبه ثلاثين عاما او اكثر، وفي هذه الفترة يكون قد أنشأ قاعدة من المستفيدين، وهذا هو الفساد الذي نشتكي منه

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!