المعرفة.. / بقلم / حاتم.الناعور

<<المعرفة >>
الوعي السَّائِد في دِيَارِناَ هو وعيٌ لهَوامِشِ المَعرِفَة التِّي لا دَوَاعِي لها إلى مَعْرِفَة … من فَن للعِمَارَة او مَاركَة لِسَيَّارَة او عَادَة غَربية وطَريقَة تُوهِمُكَ انَّكَ في حضَارة
والأحَاطَة والأطْنَاب المُبَالغ في كلً ماحَوتهُ أوروبا من مَعرِفَة التِّي هي هَامِش ما أَعْنِيهِ من معرِفَة
ولَعلَّ ما أرَادَهُ زِريَاب لقُرُون مَضَت بدا شَكلاً واضِحًا لايَنزَوِي خلفِ ايِّ سِتَار قَرأتُ عنه في كُتُب التّاريخ والأخبار بأنّه رَجُل ذُو مَعرِفَة، ثُمَّ مَالبثَ الحَسَد أن دَخَلَ قَلبَ مُعَلِّمِه الذّي سهَّلَ له الطّريق إلى الدُّخُول على الخليفة العباسي
وفيما بعد وشَى بهِ عند الخليفة ليولّيَ هَارباً صوبَ الأندلس
مخَافَةَ أن يَبطِش به الخَليفَة العبّاسي
فَدخَلَ الأندلس والتقَى أُمَرائَها ومُلُوكَهَا ولاسيما البيت الأُمَوي الحَاكم آن ذاك فسرُّو به وسَرَّ بهم
وذَاع صَيتُه وطَفَقَت أخبَارهُ الآفاق لِيصل إلى العَلياء
بمجرد ما كتبَ عنه أنّه رجُلٌ ثَوري مُناضل جَاهَد بما يَملك لأيصال ثقافتِه ومعرفتِه وفُنونِه
ولكن ماهي مَعرفَتُه ؟
هو رَجُل كُرديّ الأصل مَجُوسِي العَقل نَشَأ في بغداد وكانَ مُغنِّياً جميلَ الصّوتِ
دَخَلَ الأندَلس وكَانت حينها بهيَّةً عَامرةَ الخَيرات، وبه من التّرَف مالا يُخفَى على أحَد ،وكان النَّاسُ حينهَا قد انفتَحَت عليها الدُّنيا
فوجَدَ آذاناً صَاغية لندائِه ولضَلالاتِه
فعلّمهُم كيف يأكُلُون في الأطباق
وكيف يُخصّصُون لكلّ نوعٍ من الطّعامِ طبقاً يَليقُ به
وكيف يُخصّصُون المَلاَبس فجعَل للنَّومِ ملابسَه وللزًينة غيرها
ونشَر رسَالتَه في الغِنَاء وجعَلَ يحُظُّ النَّاسَ للرُقَي الدُنيوي والنَّعِيم المُقِيم
وزيَّنَ لهُم السَّمَر والمُجُون وشُربَ الخَّمر وجعَل الفوارقَ بين السَّادةِ والعبيدِ
وممَّا زَاد من شُهرَتِه ليس وعيَه وثقَافتَه كما زعمَ البعض إنَّما الرَّعِية التّي خَلَت مِن المعرِفَة وانغَمَست في ملذَّات الدُّنيا
لكن لم تصفُو لزريَاب حياتَه اذ أنَّهُ يَرى الشّاعر الغزال خصماً له، فقد كان يُنكِرُ عليه كلّ ما يفعله
ولم يكن الغزال يُبغضُه لحَسدٍ أو ضَغِينة بل لخُطورَة ومَفسَدَة ماجاء به هذا الرّجل، وهذا ممّا دعَى الغزال الرَّحِيل الى بغداد ،لكنّه لم يحظَ في بغداد بالمكانة التّي وصلَ اليها زرياب في المَغرب
وليس لأني أهل المَشرق مُتعَصِّب لِرجَاله يعتد بنفسه كما ذَكَرَ بعضُهُم
ولكن لكثرَة الشُّعرَاء في المَشْرق لم يَحظَى الغزال للمرتبَة العُليا ولا سيما وجود الرَّعيل المشرُقي الثري بالشُعراء والأدبَاء
ومع ذلك تَداولَ المَشرِق شِعرَه ونقلُو عنه ،
وتِلك المَعرفَة التِّي أصَابَها زِرياب لازَالت حاضِرة وتُدَرَّس فُنونَها إلى يومنا هذا في كل فَجّ
فلا يعلُو قَدرَ العَالمِ بعلمِه فقط بل في الرّعية التّي تَنهَل هذه العُلُوم
فحينما وجَدَ زرياب عقُولاً جاهلةً تستَعذِب جهَالتَه، سَادَ بهِم وعَلاَ صَيتُه فيهم
فالمعرِفَة للأقوى وإن لم تكُن مَعرِفَة، فقد تتَسمَّى بهذا حينما يُديرُها الذِّي بيده الأمر
ما يُكرِّرُه التَّاريخ يُثبِت ذلك ولكن بطَرائِق مُختلفة فَفِي عهد عبد الرحمن النّاصر الخليفة الأُمَوي في الأندلس سَادَت قرطبة على مُدن أوروبا كُلّها من هَيمنَة وحِكمَة وفَن وأدَب وخُلُق ونُبل ومَعدَن
فكانت مُدُن أوروبا تَتَّبِع المَعرِفَة الأسلامية في قُرطبة والتّي لاتكاد تَخفَى على أحد
ففي جنُوب ايطاليا وعلى جُسُور ميلانو ينفَرِد شاب مع مَحبُوبته مُقدِّماً لها الورُود الحَمراء على الطّريقة الأندلُسيَة ولا يكتفي هذا الشَّاب بما فعَله، بل يُنهِي كلاَمه بكلمة أحبك العربية التِّي تُحَاكِي شِدَّةَ صَبَابَتِه فما أغربَ اليومَ عن الأمس!
سَارت مُشرقَةً وسرتُ مُغرِّبَا
شَتّان بين مُشرِّقٍ ومُغَرِّبِ
وأصلُ المَعرفَةِ أحبتّي هي المَعرفَة العربية فهي مَنُوطَة بالقرآن والسُنَّة
جزلة بالشعر طَاغيةٌ في سِحرِهَا
فقد سَيطر العرب على المَعرفَة بِرُمَّتِهَا من طِبّ وفَلك وجَبْر وفيزياء وغيرها …هذا على صَعيد المَعرِفَة المبذُولَة
أمّا حَقيقَة المَعرفَة القائِمَة فهي الخُلق والتَّوقّد والألمَعِيَة ونقَاهَة العَقل وصَفَاء السَّريرَة
وما من أُمَّةٍ جَمَعَت بهذه وتلك الاّ العربية
فالعربية ياسادة خُلُق وليسَت نَسَب
العربية أدَبٌ قائِمٌ بذاته ومُعلًِم مُؤَدِّب لغَيره ،ومازالت المَعرفَة تَتَناقَل حتّى وجَدَت مُلكَها فوق أذهَان العرب
وراجِع معي تَاريخَ الأُمَم تَجِد أنَّ المَعرفَة تَصدُر منَ العربي سَواءاً اكانَ عربيّ نسب أو نشأة
أعلم ان صَلاح الدين وقُطز وابن ماجه وسيبويه وسلمان الفارسي ليسُو عرب
ولكن ماهي المَدرسة التِّي تَتَلمذُو فيها ونَهلُوا منها عُلومَهُم .
وما أطنبْتُ في مَدَح العَرب لأنّي عربيّ عَلمَ الله لكنَّهُ الحَق الذِّي لا يُرَد ولا يُعتَرَض
هذه رسَالتِي إلى الشَّباب الذّين أفسَدُو نِطَاق المعرفة وتسيمو الذَّل والخُضُوع، وأنكَرُو جَمَالَ ماضيهم بسخف حَضَارَة لا مَعرِفَةَ فيها
فازْرَعُوا الخيرَ في أُمَّتِكُم، وسِيرُوا على نَهجِ سَلفِهَا وماتَزرَعُهُ اليومَ من خيرٍ تلقَاهُ غَدا
فذَاكَ زِرياب زَرعَ شرًّا ،ومازالت قُطُوفُ شَرِّهِ دانيةً على الأمّة
لأنه وَجدَ عُقُول فاسِدَة تُدِير له فَسَادَه
8/8/2019

عن جودي أتاسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!