تبدو الدائرة المفتوحة علي المستوي السياسي وليس الهندسي, وكأنها شبه دائرة وهو ما يجعل كل حدث نمر به داخليا أو تتقاطع معنا أحداثه خارجيا مثارا للجدال الحاد سواء بمنطق أو بدون.
وإذا ما تحدثنا عن هذا الجزء المفتوح في الدائرة فسنجده في كل ما يحيط بنا, ولا يمكننا الجزم هل سقط منا رغما عنا أم أنه نتيجة طبيعية لكل ما مررنا به, أم أنه جزء موجود لكنه مرئي أو منزوع بحسب الحاجة.
حينما نتحدث عن الأزمة الاقتصادية وندلل بغيرنا من الدول فقد وضعنا أنفسنا في قلب العبث, فلكل دولة خططها الواضحة المعلنة, وأسباب أزماتها المعروفة لكل من يعيش علي أراضيها, إضافة إلي أولويات محددة, ومحاسبة وتقييم للخطوات التي قطعتها الحكومات في الخطط المرسومة سلفا.
نحن أيضا نعلن الأسباب ولكنها متغيرة كل يوم مع كل قرار حكومي أو أزمة جديدة, وربما نملك بعض الخطط للخروج منها, لكنها مجهلة ولا يعرفها في حال وجودها سوي القائمين عليها, وبديهي أننا نعترض ولا نحاسب لأننا من الأساس لا نعرف لا الخطوات التي نفذتها الحكومة ولا حتي القادمة ومن ثم لا يمكن تقييم شيء هلامي, لهذا لم تعد تصب فكرة ضرورة التحمل والصبر مع الوقت إلا في ذلك الجزء الفراغ من الدائرة.
قياسا علي هذا يمكن قراءة ملف مكافحة الإرهاب الذي لا يجوز فيه إطلاقا تسكين الأوجاع بالقول إن كل بلدان العالم مستهدفة وليست بعيدة عن العمليات الإرهابية, وهذا حقيقي بالمناسبة, لكن الإعلان عن إجراءات والتفنن بمقارنتها بنظيراتها في أوروبا, علي الرغم من عدم وجود أي تشابه في المجتمعات ولا المستوي الثقافي والمعرفي بين الشعوب, ولا في ممارسات المسئولين, ولا في نسبة الشفافية واحترام القوانين, ولا في الادراك الحقيقي للمواطن تجاه حقوقه وواجباته السياسية, يجعل المقارنة مجرد تحريك للجزء الناقص في دائرة هذا الملف الموجع والخطير بكل المقاييس.
من هذه المنطلقات وغيرها كثير, نسترجع حالة الاستياء من عبارات رئيس الدولة حينما أكد أننا قد صرنا( مجرد شبه دولة) ولا نجد لها سببا, هل لأنه ذكر الحقيقة بعد قراءته لمفرداتها, أم لأننا نعرف ونعي جوهر هذه الحقيقة ولا نريد الدخول في مواجهة صادمة معها؟ أتصور أننا نعرف أنه الصدق لكننا نرفضه ولا نريد الاعتراف به خوفا من سقوط أقنعة التعالي والعنجهية التي نحمي بها أنفسنا من خيبات تخاذلنا, بدليل أننا مازلنا نردد عبارات لا إشارة لأي تجسيد لها علي أرض الواقع مثل دورنا الريادي وعودته, وتصدر مصر من جديد لإفريقيا والمنطقة العربية, وماشابه من شعارات مفرغة حتي من الرنين الأجوف.
بلا شك نحن أبناء دولة كبيرة وستظل هكذا لأسباب كثيرة لم ولن تتغير خصوصا فيما يتصل بدورها كمرجعية من الصعب تجاهلها من قبل أي دولة أخري مهما بلغ حجمها. لكن الفارق هائل بين كوننا بلدا كبيرا وممارسة دورنا المتسق مع حجمنا ومكانتنا.
كل هذا ليس ببعيد عن غياب الجزء الناقص في دائرة مفاصل الدولة, وهذه تحديدا تعاني من جزء مفقود وآخر متهالك, وهذا الأخير نعني به للأسف البرلمان الحالي, أما الناقص فهو المعارضة الحقيقية الفعالة التي تمتلك القدرة علي تصويب المسارات وليس هدمها, وغني عن القول إننا هكذا أمام نصف دائرة, وهو ما يبرر تكرار القول إن الرئيس يعمل بمفرده.
أما ازدواجية المعايير الملتصقة بجلدنا فهذه لا دائرة لها من الأساس, فلا يمكن لأي بلد تريد الخروج من مآزقها أن تتعامل نخبها بشعار( الجهل والخيبة التي نفيد منها هي ضرب من الحظ أما إذا ما استفاد منها غيرنا فأنها تتحول علي الفور إلي فضيحة)