عتبة القصيدة في مفهوم تطور العنونة/بقلم:علي الدرورة

آفاق حرة 

نحن ندرك بأنّ أسلافنا الشعراء كانوا يضعون تمهيداً للقصيدة حتى يدرك المتلقّي المناسبة التي قيلت فيها.
إذ تعتبر العتبة ظاهرة حتمية وضرورية حيث عدّ الكثير من الشعراء أنّ العنوان ينبئ بمحتوى القصيدة أو مضمونها، وبأنّ المتلقي يدرك فحواها بدون مقدّمات، فالعتبة هي نصٌّ فنّي صريح وواضح، أو لنقل هو مدخل يولج منه إلى متن القصيدة.

إذاً أسلافنا وضعوا تمهيداً لكلّ قصيدة فاعتبروها العتبة التي يولج منها، وهذا يعني أنّ ذلك في موروثنا الأدبي قديم ومتداول.

وهناك من يرى أنّ العتبات أمر مستورد كما وضع نهجها “جانيت جيرار” وهو واضح لدى الغالبية بأنّ العناوين أمر مستورد، وهذا ليس صحيحاً إطلاقاً، فقد كان أسلافنا يشيرون للقصيدة بمطلع أو بمناسبتها، فمثلاً حين نقول: (قفا نبك)؛ و (بانت سعاد) وغيرها من القصائد المعروفة بمطلعها كعتبة للولوج إلى المتن.
وقس على ذلك العديد من القصائد لمئات الشعراء عبر العصور، ولنقل: أتاك الربيع الطّلق، وهَلُمَّ جرًّا، أو يقال ميمية فلان، وكذا يذكر الحرف الأخير من القصيدة، أي حرف الروي.

إنّ التناقل الشفاهي عند العرب قديماً هو الذي جعل القصائد بدون عنوان حتى التي تكتب على الرقاع والكاغد والجلود لم تكتب بعتبات معروفة، وإنّما تذكر مناسبتها وقائلها في إيجاز شديد: (قصيدة فلان بن فلان في مدح الأمير فلان الفلاني قالها سنة تنصيبه)، أو (قصيدة الشاعر فلان في مدح قومه)، (الملحمة البطولية التي قالها الشاعر بعد معركة كذا)، ويذكر فيها الانتصار المؤزّر ويمدح قبيلته ويصف شكيمتهم وخوضهم غمار الحروب.

وإذا كانت قصيدة واحدة عرفت عن الشاعر فتسمّى اليتيمة، أي ليس لها أخوات، فيقال يتيمة الشّاعر فلان، فيعرف أن ليس له قصيدة سواها، وهذا موجود في تراثنا الأدبي العربي عبر العصور، ندرك بأنه في عصرنا لكلّ قصيدة عتبة يولج منها إليها، والعنوان هو لبّ الفكرة والجامع للصّورة الشعرية بمرئيات الشاعر الذي حدّد نهج قصيدته وأعطاها العتبة.

فإذا قلنا رباعيات عمر الخيام أو رباعيات بابا طاهر العريان، أو قصيدة أبي فراس الحمداني، أو قصيدة ابن زيدون، وكثير من القصائد العصماء وهي لا تُعدّ ولا تحصى.
القصائد قديماً كانت سيراً وملاحم بطولية تشير إلى تاريخ المعارك والأمجاد والبطولات التي حقّقها العرب القدامى في انتصاراتهم.

نجد أنّ مطران خليل عنون القصائد بعد عام 1880م، وأما مدرسة الديوان التي كانت تركز منتوجها في العقد الثاني من القرن العشرين، أي بعد الحرب العالمية الأولى تقريباً، نجد أنّ مطران هو السّابق وهو الرائد في هذا المجال حيث سبق ذلك بأربعة عقود، ومن هنا نجد أنّ التقديم الذي عرفناه من أسلافنا قد انتهى مفعوله وبقي العنوان بكلمة أو كلمتين فقط لا أكثر، وقد يدوّن بعده تاريخ القصيدة أو لا يدوّن، حيث إنّ أغلب شعراء العصر الحديث لا يولون ذلك اهتماماً بل لا يعني لهم شيئاً، وهو خارج نطاق الاهتمام.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!