قدرنا أن تنطلق النهضة من ربوعنا/ بقلم الشاعرة المصرية فابيولا بدوي

هناك دائما مساحة ضبابية بين المحاولات الجادة للتوصل إلي حلول للمشكلات التي تؤرق أي مجتمع‏,‏ وبين محاولات وضع الرتوش علي قصور المسئولين والمعنيين أو مجرد إلهاء المواطن عن واقعه وهمومه اليومية‏,‏ وجميعهم يبدو أنه محاولة للحل وكل منهم يرفع شعاراته‏,‏ إلا أن الفارق هائل وهو نفس الفرق بين رفع الإسلاميين شعار‏(‏ الإسلام هو الحل‏)‏ وبين إخفاقهم الكامل عن توضيح كيف؟

هذه المحاولات المرتبكة إلي جانب الهجمات الإرهابية هو ما جعل صورة المسلمين مهتزة في جميع أنحاء العالم, كما أنه أحد الأسباب الرئيسية فيما يعانيه المسلمون اليوم في ميانمار ومن قبلها بورما وغيرهما, علي اعتبارهم الحلقة الأضعف, ليس لأنهم أقلية, ولكنهم لا يحظون بأي تعاطف علي مستوي العالم بسبب تشويه صورتهم وصورة عقيدتهم.
فمن المستحيل الفصل بين ما يحدث هنا وهناك. لكن هذا هو ما نحب أن نتصوره ونصدره, من أننا الأكثر ميلا للسلام والتعايش والتسامح, فيما يتربص بنا الآخر من دون أي أسباب سوي كراهيته الإسلام والمسلمين. وننكر صورتنا التي يراها علينا من أننا الأكثر ميلا للعنف وسفك الدماء والرغبة في السيطرة والعيش علي نفي الآخر ومحاربة الحداثة وقيم الحرية.
وفي الحالتين نحن كشعوب من يدفع الفاتورة كاملة بسبب هذا وذاك. سواء الوهم الذي نصدره من دون تأصيله وتجسيده إلي واقع معاش قادر علي مجابهة الحجة بالحجة, أو الصورة التي غلفنا بها الإرهابيون وكل مؤيديهم ومناصريهم عن جهل أو انغلاق.
أما لماذا نحن الحلقة الأضعف؟ فلهذا حديث لا ينتهي, ولا يقتصر فقط علي القاعدة وداعش أو علي معمل الجماعات الإخوانية والسلفية لتفريخ الفكر الإرهابي. بل يمتد إلي مناهجنا وأنماط تفكيرنا المستوحاة من الأساطير التراثية, أو من مؤسستنا الدينية التي تدرس حتي الآن في جامعتها أن الخلافة الإسلامية كانت أزهي عصور الإسلام, وأنه في عهد عثمان بن عفان عم الرخاء لدرجة بيع الجارية بوزنها ذهبا, فلماذا يخشانا الآخر ويقاوم نزعتنا لعودة الخلافة ومحاكات السلف لذا ينبغي تكفير الدولة المدنية وأي فكر خارج عن هذه الحدود.
نحن الحلقة الأضعف برفضنا آليات المستقبل وإصرارنا علي العودة إلي الجاهلية, والاهتمام بخفض سن زواج الفتاة حتي16 عاما, وهو ما يتعارض مع تعليمها وعملها ولا يتسق إلا مع عودتها إلي البيت, فهل يعقل أن يتقدم نائب برلماني في القرن الـ21 بمناقشة هذا الموضوع؟
حديثي هذا لا يبرر الظلم والقهر البين للمسلمين في ميانيمار, فمن يبطش بهم ربما لا يدري أي شيء مما نقوله, فلذلك أسباب دولية وتاريخية كرست الكراهية للمسليين في هذه المناطق, لكن حديثنا ينصب علي المجتمع المدني الدولي بكل مفرداته بدءا من برلمانات العالم نهاية بالجمعيات والمنظمات المعنية, فغالبيتهم للأسف يتابعون الصورة بكل تناقضاتها, ولا يتعاطف معنا إلا قلة قليلة لا تفهم هي أيضا لكنها تعلي قيم الإنسانية علي هوامش اللبس الحادث.
نحن نتجرع اليوم كعرب وكمسلمين المرارة في كل مكان, كأقليات في بلاد ترفضنا, أو كمهاجرين في بلدان انقلبت مجتمعاتها علينا أو كمجددين رافضين لهيمنة صوت الانغلاق الراغب في قيادة عقولنا ومصائرنا.
إن حالة الصمت المريبة والملتوية تجاه كل نداء منذ ثلاث سنوات بالتجديد وتنقية المناهج والتراث وإحداث ثورة في الفكر والخطاب الديني السائد, هي ما تجعلنا شركاء في كل ما يعانيه المسلمون في العالم, لأن التاريخ والجغرافيا قد فرضا علينا أن تنطلق النهضة الفكرية من علي أراضينا, وأن نكون النموذج القادر علي حماية صورة عقيدتنا وأبنائها, وحتي نفعل ونقوم بدورنا ليس علينا إلا أن نلوم أنفسنا قبل غيرنا.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!