قراءة نقدية في المجموعة القصصية (شيء عابر) للكاتبة سمر الزعبي

 بقلم : أحمد محمود  دحبور
في احدى رسائل جبران إشارة الى أن القصة القصيرة هي : من تستهوي العربي وتميل اليها قريحة الكتاب،بينما توفيق الحكيم فهو يعارض بسخرية ويرى ان القصة القصيرة تستهوي النساء.
القصة لقصيرة : هي كتابة الأشياء الدقيقة واليومية مع تكثيف المعنى في حيز ضيق من الكلمات واقتناص الفكرة النيرة والشهية والعميقة الدالة.
وقصر حجم القصة لا ينقص من قدرها ووظيفتها الجمالية والقيمية، أو طرحها الايديولوجي أو الإجتماعي فكاتب القصة يتعين عليه الاقتصاد اللغوي الذي يتطلب من القاص دربة وإلماماً باللغة معجماً وتركيباُ وخيالاُ ودلالةً وثقافةً وقراءة لتجارب الآخرين، وتكثيف المعنى الذي يؤدي الى الرمز وتوظيف التضمين النصي أو الإحالة سواء عبر المحاكاة أو المحاكاة الساخرة، وأيضا إختبار قيمة الزمن السردي عبر توظيف الطفرة أو الافعال الفجائية.
والقصة القصيرة: فن جميل ذو وظائف متعددة ولا تعتمد على السرد الطويل كالرواية بشكل أفقي، بل بشكل عمودي الامر الذي يركز على توتر الشخصية وذلك عبر حالاتها النفسية والباطنية.
يقول مارت روبرت: “القصة القصيرة تقوم بعملية امتصاص الأنواع المحاورة لها عبر تقنيات محددة ، تتكثيف المعنى والإحالة والتلميح أو عبر الإشتغال على الزمن بالحذف واستعمال الجمل القصيرة مستغنيا عن الفضلات والزوائد وادوات الربط والخطاب الحجاجي وتشتغل على علامات الترقيم لتعميق الدلالة ولحصر التأويل حينا وانفتاح الدلالة حينا آخر حسب قصد القاص وغايته ”
الكتابة النسوية: هي الكتابة التي يكون فيها السارد المؤنث يصدر عن موقف ايديلوجي مسبق ويتم عبره إسقاط مجموعة من الاحكام على المجتمع وعلى الرجل بشكل خاص، وعن إحساس المرأة في المجتمع بالتهميش والقهر والاستيلاب والإقصاء والظلم والخيبة والخذلان، وهي عنوانين لقصص سمر الزعبي حيث بهيمن على فضائها السردي وجهات نظر متنوعة ومختلفة- في آن واحد- عن وضعية المرأة، وصراع بين الخير والشر،والحقيقة والزيف.
نحن هنا في عالم محمل بالرسائل الدالة والصارخة والمتمردة، فأبطال سمر ليسوا على صلة ببعضهم البعض وبيئتهم فحسب؛ بل في الواقع العربي ككل، والصراع يدور على روح الإنسان وقيمته ومعناه في الحياة، ورسم قمم السمو ومهاوي الإنحطاط لعالمها الحقيقي والمتخيل.
الأدب منتج ضروري للمجتمعات،
غير أن كتابة القصة نشأت عن رغبة في نقل حدث ما إلى شخص ما، وعلى الكاتب أن يخلق تصوراً في ذهن القارىء والمتلقي ما يجعله متفاعلاً مع الحدث، في شيء عابر.
أثنتان وعشرون قصة في مجموعتها (شيء عابر) ومن خلال متابعتي وقرائتي لهذه المجموعة القصصية ، لاحظت ان القاصة سمر الزعبي تهتم برسم الشخصية نفسياً وجسدياً في العديد من قصصها بما يتناسب والحدث الذي تشتغل عليه أو يقع عليها، وردت فعلها بما لا يوحي بالتعسف فيما لا تترك للقارىء تخمين الفكرة بل تشركه في الحبكة والقفلة والحدث وتعيشه الحالة الشخصية لشخوصها بحيث يشعر القارىء ان سمر تتحدث عنه وان القصة هي قصته هو .
شخصيات سمر منكسرة ..خائفة ..مخذولة..مهزومة…يغلفها عالم من السواد والإنكسار والوحدة والضجر والضجيج وصخب العالم الخارجي ..
اجل شخوصها ليست من الخوارق، تستلهمها من الواقع، لكن ينتابها حالات نفسية تدفعها للقيام بسلوك مختلف، غير مألوف ومعتاد .
كاتبة متمكنة وهي تشتغل على بناء شخوص قصصها بثبات وتمنح الفرصة لهذه الشخوص حتى تكتمل ظاهرياً، وتتشكل حالاتها النفسية بكل نضوج ، وتتوافق بذلك مع الواقعية الإجتماعية، مع بعض التمرد هنا وهناك كما في قصة (خيبة)
وتمزج بين السرد السرد القصصي واسلوب التداعي السينمائي كما في قصة (قرار)
سردها متواتر مع تجعل من الزمن أكثر فعالية وأكثر وقعاً وتأثيراً على القارىء
نهايات قصصها مالحة الطعم في حنظل وعلقم ، منكسرة المآل، قصصها مفتوحة تقول فيها للقارىء اكمل نهايتها او مآلها.
سمر صاحبة نفس سردي طويل وشيق يقترب من النفس الروائي كيف لا وهي تعد روايتها الجديدة..
اللغة شاعرة وحالمة وبسيطة تقترب من اللغة اليومية او من السهل الممتنع..
لها قدرة تقنية على أنسنة الامكنة والجمادات وتبث فيها الروح والحياة وكانها شخوص اخرى في القصص كما في قصص :(طيف ، و مسنجر ، و لامناص) فهي تحركها في قوالب فنية متقنة كانت قادرة على ابراز درامية الاحداث .
سمر الزعبي قاصة لها خاصة في الحبك والسبك والتصوير والخيال والنحت السردي ولها أسلوبها الحكائي في (تعويذة)
و (لا مناص) فاسلوبها يشبه فن الحكايات في( نازعة المشاعر) و( مغسل القلوب) وكأننا في الف ليلة وليلة
أجل هذه المجموعة القصصية هي عبارة عن قصص مركبة بين مستويات من المحكي العادي والعالم الحكائي المتواتر والحالم .
حيث التنوع في جماليات السرد ودلالات المواضيع والافكار ، تزواج سمر بين الزمن والمكان وتنوع بين الماضي والحاضر والمستقبل والتداعي والمونولوج على طريقة تيار الوعي والامكنة هنا تضيق وتتسع فضاءتها ما بين الجامعة والحي والسيارة والغرفة والشارع والسوق والسرير والحديقة نعم فضاءات مغلقة واخرى مفتوخة، فهي امكنة طبيعية وعادية لكن الوقائع والاحداث في هذه الأمكنة غير عادية وهذه حرفة القاص بل هي نمط من تلك الاماكن التي تولدها الكتابة
التي تبحث في خبايا الذات والتي تعلن نفسها بشفافية مفرطة.
سمر الزعبي قاصة طافحة بالوجدانية الموحية والنابضة بالحيوية والحركة الدالة، كما قلنا سهلة وسلسة تنسج في افكارها خيوط الأمل من قش الهموم، باحثة عن الذوات الانسانية في دهاليز هذا العالم القاسي وترسم عوالمها برقة وعذوبة وتضفي عليه احساسها وشغفها وماء قلبها وحرقة المها والم شخوصها ضمن ايقاع سريع ومتدفق كالنهر احيانا وهادىء احيانا كانغام البيانو واحيانا اخرى تجد ايقاع السرد حار وفائر وموجع بدراميته الامر الذي يجعل قصصها قريبة من القارىء وكأن الشخوص يعيشون على ارض الواقع فتؤثر في نفس القارىء وتحرك جهازه العصبي حد الصراخ ليقول لها كفى يا سمر أوجعتينا وهي تؤول بمصير شخوصها وعالمها السردي الى نهايات حارقة .
هي قاصة تلعب بذاكرتها وذاكرة شخوصها،وتنهش من لحم الواقع كي تخلق لنا عالما متخيلا يمتعنا وتخلق ذاتها وذواتنا وتؤثث امكنتها وتوتر حبكاتها وتلعب بمصير شخوصها كسيناريست او مخرج وباسلوب تجريبي قصصي تعتمد فيه على بناء الحدث تراجيديا ودراميا وكوميديا ليصل الى الذروة وتخبرنا في مواضيع قصصها بقصص الحب والفراق
وبمفارقات وتقاربات الازمنة والامكنة والشخوص وكاي قاص او كاتب تنحاز الزعبي الى الفضيلة وعفوية الحب الصادق، بلغة عفوية وانطباعية ترسم المشاهد والاحداث والشخصيات باحلام فرح قليلة وانكسارات كثيرة وكأنها مرآة لواقع المرأة العربية ، وبهذا استطاعت سمر الزعبي أن تضع بين يدينا عالم واقعي متخيل وان تحول سيرة الذاكرة الفردية والجمعية الى مجموعة قصصية ممتعة وجزلة وهادفة تستحق القراءة

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!