كلنا شركاء في الفساد ولا حرج/ بقلم الشاعرة فابيولا بدوي


كل يوم يتزايد شعورنا بأننا في مناخ سييء بكل معني الكلمة‏(‏ فقر‏,‏ مرض‏,‏ غلاء‏,‏ عشوائيات‏,‏ تلوث مياه وطعام‏,‏ فساد ذمم بداية من مسئولين نهاية ببيع لحم الحمير‏,‏ انهيار تعليم وثقافة‏)‏ كل شيء من حولنا له مذاق شديد المرارة وينبغي ألا يكون هكذا‏,‏ ولكن هل يعقل أن يكون كل ما نحن فيه مسئولية عامين؟ أيعقل أن بلادنا قد انقلبت رأسا علي عقب بسبب الأحداث التي تخللت الأعوام الخمس أو الست الأخيرة؟ أيضا من الصعب الاتكال علي المقولة التي باتت شهيرة‏(‏ هذا هو حصاد حكم الثلاثين عاما‏).‏

الأوضاع التي تسوء لا يمكن تخطيها أو حلها بترحيل أخطاء كل فترة علي التي سبقتها, فهذه دائرة لن نخرج منها أبدا, لأننا ببساطة لا نعطي كل فترة ما لها وما عليها كما يحدث في كافة الدول المتقدمة أو حتي الصاعدة, بل نتحدث دائما( بالكيلو) وليس( بالجرام) فكما هو نمط طعامنا نفسه هو نمط تحليلاتنا لواقعنا. من جهة أخري هل كل ما نعانيه هو إخفاق الحكومات المتعاقبة؟ في حال صدقنا ما يتم تسويقه إلينا من أن الدولة هي وحدها الراعية والمسئولة عن ثقافتنا وأفكارنا والتخلص من عاداتنا السيئة وتهذيب أخلاقنا ومراقبة ضمائرنا والاهتمام بصحتنا وعلاقتنا بالآخرين وبالعالم من حولنا, فمن الطبيعي أنهم سبب تدهورنا وكل ما يحدث في حياتنا بما فيه مشاجرات الأزواج فيما بينهم, ولكن إذا ما كنا أكثر عقلانية, فإنها تتحمل الجزء الأكبر من اخفاقاتنا ونحن نتحمل الباقي, وإلا فما معني( منكم يولي عليكم).
المسئول الفاسد عرف كيف يسوق لفساده وهو يعلم أن هذا سيلقي قبولا أو صمتا من الغالبية, والإعلام المغلوط واثق من قدرته علي الاقناع بما لا يمكن الاقناع به وأنه سيجد من يدافع عنه ويؤيده تمريرا لمصالحه أو مواقفه, إلي آخر الأمثلة التي لا حصر لها.
نحن شركاء مما لا شك فيه, وللأسف طبيعتنا وتركيبتنا لديها مقدرة عجيبة علي كسر كل المرايا وتجاهل الحقيقة والخلود إلي النفس في راحة بإلقاء اللوم علي الغير, وهو ما بتنا مع الوقت نراه جليا, فنحن كشعب نتهم الحكومة تلو الأخري( فيما عدا هذه الحكومة التي يتفق الجميع علي فشلها) بأنها سبب مصائبنا, وحكوماتنا تتهمنا بأننا سبب انهيارنا, حتي بات الأمر عاديا جدا ولا يحتاج حتي لمناقشته.
مصيبتنا هي شعاراتنا التي لا نعرف كيف نترجمها إلي واقع حتي تحولت إلي شيء هزيل بلا مضمون لا نحن نصدقه ولا أحد يصدقنا حينما نرددها, لأن نفس الشعار يستخدمه الانتهازي والمطحون في نفس اللحظة, حتي إننا من خلال ما نردده أصبحنا نعتصر هذا البلد ومواطنيها بلا رحمة ولا حتي هوادة.
صمام الأمان كان في مفردات مجتمعنا المدني, الذي ضرب بعضه البعض وتخلله الفساد والجهل وعدم الخبرة فضربته حكوماتنا بالكامل وحولته إلي مجرد جمعيات أهلية لجمع الزكاة وتقديم المساعدات ودعم التنمية بشروط طبعا. وطبيعي أنه باختفاء هذه المفردات من أي مجتمع وغياب حلقة الوصل الذي يمكن استثمارها إلي جانب المفكر والمثقف والإعلامي الحر, لابد وأن يكون الصدام مباشرا بين أي شعب وحكوماته( أيضا فيما عدا الحالية المجمع علي إخفاقها)
ومن دون شجاعة من كافة الأطراف لدعم ونهضة لمجتمعنا المدني، سيظل الصدام محتدما وسنبقي جميعنا داخل دائرة تبادل الاتهامات, وسيبقي الخلل هو الطريق الوحيد الذي تتأرجح علينا خطواتنا.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!